كان التلاميذ قبل حلول الروح القدس في خوف، مغلقين الأبواب، مضطربين، لا يعرفون كيف يبدأون الطريق. وكان بطرس، قائدهم، هو أكثر من ذاق مرارة الضعف..
نتحدث عن رجل عرف الله لا بالكلام، بل بالحياة.. رجل اختار الجبل سكنى، واختار الصمت حديثًا، واختار النسك طعامًا.. إنه الأنبا توماس السائح، سراج شنشيف، الذي ما زال نوره مضيئًا حتى اليوم.
العطش الروحي لا يُقاس بكثرة الكلام في الصلاة، بل بحرارة القلب فيها.. ليس مجرد تكرار الطلبات، بل مدى توق النفس إلى حضرة الله.
كم من الناس يملكون ثروات، ويأكلون أفخر الطعام، ويسكنون القصور، لكن أرواحهم مليئة بالصخب، وأجسادهم تئن من وجع لا يعرف له الطب دواء؟
الهروب هنا ليس من الناس، بل من أنفسنا. من وجع لم نعرف كيف نحتويه، من سؤال لا نجرؤ أن نطرحه على الله، من إجابة نعلمها في أعماقنا ولا نحتمل سماعها.
نفتح النافذة، فيمرّ الضوء على وجوهنا ولا يُضيء الداخل.. نُعدّ القهوة، لكنها لا توقظ فينا شيئًا.. نُلقي السلام على من نُحب، لكنّ الكلمات تخرج باهتة، لا حرارة فيها.
نحن نتكلم كثيرًا لأننا نخاف أن لا يُفهَمنا أحد. نخاف أن تُشوّه صورتنا، أن نُظلَم، أن نُساء فَهمنا. فنظل نكرر، ونوضح، ونرفع صوتنا.. ثم نتعب، ونبكي، ونتساءل: لماذا لم يفهمني أحد؟
هناك نوع من الألم لا تصفه الكلمات، حين تُصلّي بكل صدق، ولا يتغيّر الواقع. وحين تتمنى أن ترى يد الله تُحرّك الأبواب، تفتح المغاليق، تُزيل الصخرة من على قبر أحلامك، ولكن السكون يطول.. ويطول.
نصلي.. فنشعر بالطمأنينة، ثم تهبّ علينا ريحٌ لا نعلم من أين أتت، فتُطفئ الشمعة التي أشعلناها بدموعنا، نثق.. ثم تتساقط حولنا الوعود كما تتساقط أوراق الخريف من شجرةٍ عتيقةٍ أنهكها الزمن..
في المدرسة، كان بيقعد دايمًا على دكة جنب الحيطة، مش علشان بيحب العزلة، لكن علشان مش هيضطر يشرح لحد ليه مقلمته فاضية أو ليه بيخبّي سندويتشه القديم في الكيس كأنه جديد..
كانت قصة توما التلميذ خير شاهد على طبيعة النفس البشرية المترددة، الباحثة عن يقين ملموس. حين جاءه خبر القيامة، لم تفرح نفسه كما فرحت نفوس التلاميذ الآخرين، بل وقف حائراً، يطلب الدليل المادي..
خرج المسيح من القبر لا ليبهر أعيننا بمعجزة، بل ليعيد ترتيب خارطة القلب، ويقول لكل من انهزم: انهض، فما بعد الموت حياة، وما بعد الدموع مجد، وما بعد الصليب قيامة .
حين نقرأ عن خميس العهد، قد نمر سريعًا على الأحداث، كما لو كانت طقوسًا محفوظة أو مشاهد متكررة في كل عام. لكن الحقيقة أن كل لحظة في تلك الليلة كانت إعلانًا عظيمًا عن طبيعة الله، ودعوة جذرية لنا لنكون مثله..
في يوم الأربعاء من البصخة، لا يطلب المسيح منّا أن نُحاكي الطيب بمثله، بل أن نُراجع قلوبنا: هل نحب مثله؟ هل نعطي بلا تحفظ؟ هل نكسر قاروراتنا الداخلية – من كرامة، أو خوف، أو رغبة في السيطرة – تحت قدميه؟
في هذا اليوم، لا تتحدّث الكنيسة عن الأحداث التاريخية فحسب، بل تقود المؤمن إلى مواجهة شخصية عميقة مع ثلاث صور تمثّل أعماق الروح البشرية: مثل العذارى العشر، مثل الوزنات، ومثل عرس الملك.