رئيس التحرير
عصام كامل

سراج جبل شنشيف

18 حجم الخط

في زمن تكثر فيه الضوضاء، وتقل فيه العزلة المقدسة، نحتفل اليوم بذكرى نياحة رجل صمتت الأرض من حوله، ولكن السماء امتلأت تسبيحًا بحياته.. نتحدث عن رجل عرف الله لا بالكلام، بل بالحياة.. رجل اختار الجبل سكنى، واختار الصمت حديثًا، واختار النسك طعامًا.. إنه الأنبا توماس السائح، سراج شنشيف، الذي ما زال نوره مضيئًا حتى اليوم.

 

لقد أحب هذا الأب المبارك الله منذ طفولته، فلم يحتج إلى كثير من الوعظ أو الجدال.. كان قلبه مستعدًا، ترابًا طريًا قبلته كلمة الله فأنبتت حياةً روحية متجددة. انطلق إلى الجبل لا هروبًا من العالم، بل انجذابًا إلى السماء.. وهكذا تبدأ السيرة الحقيقية للقديسين: بدعوة داخلية، لا صوت يسمعها إلا القلب.

 

كان يحب الصلاة، لا كواجب، بل كلذة.. وكان صوته الرخيم يذيب قساوة الصخور.. وعجيب هو الله الذي يختار أماكنًا خالية، فيملؤها برهبانه، ثم يملأ بها الدنيا بعد ذلك. لم يسعَ الأنبا توماس إلى الشهرة، لكنها لحقت به.. لم يطلب المجد، لكن الله مجّده.

 

في إحدى الليالي، ظهر له ثلاثة رهبان بلباس أبيض، يسبحون معه.. لم يعرفهم أولًا، لكنه أحس أن السماء اقتربت. هؤلاء لم يكونوا زوارًا عاديين، بل كانت تلك الليلة إعلانًا أن الوحدة لم تكن عزلة، بل لقاء.

 

ولعل أعمق ما في هذه السيرة هو العلاقة التي ربطت هذا القديس بالأنبا شنوده رئيس المتوحدين.. كانا روحين في جسدين، وكانت زيارتهما لبعضهما ليست مجرد لقاء أحباء، بل لقاء قامات روحية، يدعم أحدهما الآخر بالصلاة، والكلمة، والنبوءة.

 

قال له في آخر لقاء: "هذه آخر زيارة"، وكأنه أراد أن يودع الأرض كما عاش فيها.. بهدوء، في صمت، بنبوة، وفي ملء السلام. وقعت العلامة، وانشق الحجر، ووقف الأنبا شنوده يبكي قائلًا: "قد عدمت اليوم شنشيف سراجها".. آه، ما أبلغها من عبارة! فالقديسون حين يرحلون لا يتركون فراغًا فقط، بل يتركون نارًا في القلوب تشتعل، وذكريات تفيض ببركاتهم..

 

في زمن التكنولوجيا والتسرع، نحتاج أن نعيد اكتشاف سر السائحين.. أولئك الذين يسيرون غرباء عن الأرض، مستوطنين في السماويات، الذين لا تغريهم المراكز ولا يعطلهم الزمان.. بل الذين جعلوا من الجبل محرابًا، ومن الصمت شركة، ومن النسك حياة، ومن الصلاة طعامًا..

 

هل لا زال فينا اشتياق لمثل هذه الحياة؟ هل نسمع صوت الله ينادينا لنختلي به ولو دقائق من يومنا؟ أم نعيش بلا صمت، بلا توبة، بلا انفراد؟

علمنا يا قديس الله أن نطلب الله لا من أجل عطاياه، بل من أجل ذاته.. أن نحب الصلاة كما أحببتها، أن نشتاق إلى الإنجيل كما التهبت به.. وأن تكون وحدتنا مع الله هي أغلى من كل ما في العالم.

 

ليتنا نتشفع به اليوم، لا أن نطلب عجائب تُدهشنا، بل أن نطلب حياة تُغيرنا.. أن نكون، نحن أيضًا، سراجًا في موضع ما، يضيء بقوة الله، ويُعلن أن من عاش لله وحده، عاش للأبد.

 

كما يجب ألا أنسى أنني أعيش بين اثنين يحملون اسمه ولهم في قلبي محبة غامرة، الأول أبي الروحي وصديق غربتي وأيامي، أول من حمل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيستي الأم لي في روسيا أنا وكل زملائي، أبي الحبيب الراهب القس توماس آفا مينا، والثاني الذي منذ لحظة ولادته وهو يجعل قلبي يشعر وكأنه ابني لا ابن اخي.. الذي اسميته توماس قبل أن آراه، ومهما اختلف معي البعض سيظل توماس في قلبي.. توماس جرجس وجيه.

بركة صلواتك أيها السائح الحبيب، فلتكن معنا، وترافقنا في غربتنا في الأرض وحتى نعود إلى وطننا السماوي معك.. آمين.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية