رئيس التحرير
عصام كامل

مخطط صهيوني لوضع مصر تحت «كسارة البندق».. إسرائيل تقدم خدماتها لأديس أبابا لإنجاز سد النهضة.. الصحف العبرية تتجاهل الحديث عن الأزمة.. أبوهاشم: شعار تل أبيب والغرب ضد مصر «لا أقتلك ولا أ

سد النهضة
سد النهضة

لماذا تجاهلت الصحف العبرية في الأيام الأخيرة أزمة سد النهضة التي تستهدف نهر النيل "شريان حياة المصريين"، كما يحلو للإعلام العبري تسميته؟!

المتابع للإعلام العبري يجد تجاهلًا تامًا للتطورات الأخيرة لأزمة سد النهضة ووصولها لمرحلة غير مسبوقة من التعقيد، وعلى ما يبدو أنه تكتيك إسرائيلي ونهج سياسي لإبعاد تهمة تورطها في بناء السد ودعمه بكل ما أوتيت من قوة، خاصة بعد الصفقات المشبوهة التي عقدتها إسرائيل إثر توغلها في القارة السمراء.

الطبيعي أن تتنصل إسرائيل من جريمتها بحق نهر النيل لكنها إذا حاولت تجاهل القضية فإنه من الصعب أن تتجاهل دورها الموثق بالأرقام داخل الأراضي الإثيوبية والتي عن طريقه مولت السد لكي يبصر النور.

العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية
العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية لها بعد تاريخي، خاصة مع وجود يهود إثيوبيا "الفلاشا" الذين كانوا ذريعة لدخول إسرائيل إلى الأراضي الإثيوبية، لكن العلاقات الثنائية شهدت تطورًا واتخذت منحنيات جديدة مع زيارة وزير خارجية الاحتلال الأسبق "سلفان شالوم" في 2004، حيث استغلت إسرائيل الأوضاع في أفريقيا، واستوطنت هناك مستعينة بكل الوسائل السياسية، والاقتصادية، والزراعية، والثقافية والعسكرية. 

وتوالت الزيارات الإسرائيلية بعد ذلك وتضمنت زيارة وزير الخارجية السابق المتطرف، أفيجدور ليبرمان، الذي سبق أن هدد بنسف السد العالي وإغراق مصر، وكانت آخر تلك الزيارات العام الماضي لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والتي وقع خلالها عددًا من الصفقات التي تبرز كيف أصبحت إسرائيل الآمر الناهي في الأراضي الإثيوبية.

سلاح قوي
ولأن مصر ما زالت العدو اللدود الذي تخشاه إسرائيل رغم انقضاء عقود على توقيع اتفاق السلام، فقد صار السد سلاحها القوى لشن حرب ناعمة ضد مصر، تأكل الأخضر واليابس، ولا تكلف إسرائيل ثمن رصاصة واحدة.

أما الزيارة الأخيرة في عام 2016 لنتنياهو، فكانت الذروة وشهدت اجتماعًا بحضور 8 رؤساء دول أفريقية، فضلًا عن عقد العديد من الصفقات من بينها صفقات أسلحة مشتركة مع إثيوبيا، والهدف الرئيسي هو محاصرة مصر عبر البوابة الأفريقية. كما وافقت إثيوبيا مؤخرًا على طلبات 250 شركة إسرائيلية للاستثمار على أراضيها، ومئات آلاف من الأفدنة تبيعها أديس أبابا لتل أبيب لبناء مستعمرات زراعية.

آلة إسرائيل الإعلامية
الدكتور على أبو هاشم، المتخصص في الشأن العبري والإسرائيلي، أكد أن الخطاب الإعلامي الإسرائيلي دائمًا ما يكون موجهًا لخدمة السياسة الخارجية الإسرائيلية، وأى كلام يكتب، سواء آراء أو أعمدة ثابتة، يكون بنفس نهج السياسة التي تضعها الدولة، وفي بعض الأحيان تكون الموضوعات التي تكتب بتوجيه مباشر للصحف بأن يتم تناول موضوعات معينة بحيث يركزون على أمور ويتجاهلون أخرى، ويجري ذلك في الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، معظم الدول تفعل ذلك لكن إسرائيل بالتحديد آلتها الإعلامية تخدم سياستها الخارجية بشكل كبير.

وحول أزمة سد النهضة، أضاف أبو هاشم، في تصريحاته لـ"فيتو"، أن السد مشروع فسر في البداية على أنه مجرد محاولة للتنمية الداخلية في إثيوبيا، لكن الهدف الأساسي من المشروع هو دهس مصر من كل الجهات الأربعة.

محاصرة مصر
وعن تجاهل إسرائيل للملف في الآونة الأخيرة، أوضح أبو هاشم أنه ليس من مصلحة إسرائيل الحديث عن أزمة السد في الوقت الراهن، حتى لا تظهر على أنها ليست لها علاقة بالتمويل ولا الخبراء ولا غيره، وخاصة بعد وصول الملف لمراحله النهائية، رغم أن موضوع السد في الأصل يخص إسرائيل بشكل أساسي كضلع من أضلاع المربع لمحاصرة مصر.

وأشار د. على أبو هاشم إلى أنه توجد محاولة مستميتة من كل الجهات بتنسيق كامل للضغط على مصر ليتم وضعها تحت كسارة البندق، وكان لإسرائيل الدور الأكبر في تشجيع إثيوبيا على السد ودعمها بالأموال وخبراء المياه والجيولوجيا الإسرائيليين.

وتابع أن محاولة كسر الإرادة المصرية أمر يشغل بال الولايات المتحدة أيضًا، وخاصة أن القاهرة نجحت في الإفلات بعد 30 سنة من القبضة الأمريكية، وقررت أن تستقل بنفسها وباتخاذ قراراتها السياسية، وتتجه نحو ما يخدم مصالحها وليس أطرافًا أخرى.

لا أقتلك ولا أسمح لك بالنمو
وأشار إلى أن إسرائيل لا تكشف عن حجم استثماراتها بشكل كامل في إثيوبيا، ولا يستطيع أحد أن يعرف الأرقام الحقيقية لأن إسرائيل تستعين بأصحاب الجوازات الأجنبية للاستثمار هناك، فمن الممكن أن يستثمر رجل أعمال أمريكي من أصل يهودي ويحسب ضمن المستثمرين الأمريكان.

وأكد د. على أبو هاشم أن يهود إثيوبيا "الفلاشا" لهم علاقة وطيدة بالسد، لأن عمليات تهجير الفلاشا لم تشمل كل اليهود، ولا يزال هناك بعض العائلات مقسمة ما بين إسرائيل وإثيوبيا، والتواصل والتنسيق قائم من أجل خدمة أهداف الكيان الصهيوني.

ونوه إلى أن المسألة بالنسبة لإسرائيل ليست تكتيكًا بقدر ما هي إستراتيجية ثابتة ودائمة، ولن تتزحزح، وتستهدف ألا تكون مصر دولة قوية قادرة على حماية نفسها ومسئولة عن القرارات المصيرية، والسياسة الإسرائيلية والغربية باتجاه مصر والعرب عمومًا؛ هي: "لا أقتلك ولا أسمح لك بالنمو"، أي "حالة بين بين".
الجريدة الرسمية