رئيس التحرير
عصام كامل

«مؤامرة عزل البابا».. حركة مشبوهة تجمع توقيعات سرية للإطاحة بـ«تواضروس الثاني»

البابا تواضروس الثاني،
البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية

«سحر وبريق السلطة».. جملة من الممكن استخدامها في تحليل أسباب الصراع الدائر داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وإن كان صراعا مكتوما يقوده البعض من خلف الستار، إلا أن دلائل كثيرة تشير إلى أن الصدام قادم لا محالة، وأن المكاشفة ستأتي يوما وتفضح الكثيرين، وأغراضهم من وراء قيادة ميليشيات إلكترونية.


منذ اليوم الأول لوصول قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، إلى سدة الكرسي المرقسي، بدأت حملات التشكيك، بداية من أنه جاء بطريقة غير شرعية، رغم أن القرعة الهيكلية كانت على مرأى ومسمع من الجميع، إلى التشكيك في مقدرته على قيادة سفينة الكنيسة الأرثوذكسية.

الحملات المعلنة والخفية ضد البابا تواضروس لم تتوقف، فمع كل أزمة أو فتنة طائفية -كان هو سببا فيها أم لا- يخرج البعض يوجهون له نقدا مباشرا، حتى إن هناك من اعتبره غير أهل للمنصب الرفيع.

حادث مقتل الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، فتح على البابا تواضروس، بابا للهجوم لم يغلق حتى الآن، زادت حدة الانتقادات بعد الحكم على الراهبين بالإعدام، حتى إن البعض راح يتهم البطريرك بأنه سلمهما «كبش فداء»، خاصة بعد أن خرج بعض الأساقفة ينتقدون الحكم، ويعتبرونه ضربة لـ«الرهبنة»، وينتقص من هيبتها، وفي ظل حالة الاحتقان الدائر، والانقسام الذي تشهده الساحة القبطية، بين مؤيد ومعارض للحكم، مرر البعض استمارات قريبة الشبه بـ «استمارات تمرد»، تدعو إلى عزل البابا وحرمانه شعبيا، وحملت الاستمارات اتهامات فجة للبطريرك، والغريب أن هذه الدعوات حظيت ببعض القبول بين الأقباط، ووقع عليها كثيرون.

بيان عزل البابا، الذي انتشر مؤخرًا، تحدث عن بعض النقاط التي اعتبرها تجاوزات من البطريرك، كان أولها -مثلما زعم الكثيرون- أن الأسماء وضعت في القرعة الهيكلية بطريقة غير شرعية، وخداع الشعب من حيث تحديد موعد القرعة، تزامنا مع عيد ميلاد البابا تواضروس، وزعم البيان أيضا أن البابا قَبِلَ معمودية الكاثوليك دون الرجوع إلى المجمع المقدس، رغم أن البطريرك نفسه نفى هذه الشائعات جملة وتفصيلا.

كما ادعى البيان أن البابا شارك الصلاة مع طائفة تسمح بزواج المثليين وكهنوت المرأة، وأشار أيضا إلى أن البابا تواضروس يحاول جاهدا إقصاء كل الأساقفة والكهنة الذين يحفظون الإيمان، وتعيين مدرسين بالكلية الإكليريكية غير حاصلين على بكالوريس منها، معتبرين أن البابا أخطأ عندما وضع لنفسه أيقونات، ودشنها بزيت الميرون المقدس، ويُعلم بمفاهيم بروتستانتية خاطئة عن (الصلاة بالإجبية)، واختصار الصلاة من أعمال التطوير التي يقوم بها، ويسخر من الترانيم التراثية.

وبالبحث تبين أن وراء البيان قناة «كلمة منفعة»، والتي تبث من الولايات المتحدة الأمريكية، وتتبنى خطًّا هجوميًّا على الكنيسة والبابا تواضروس بالتحديد، وتتلقى تمويلات من جهات خارجية وبعض الأساقفة الراغبين في إزاحة البابا تواضروس، بحسب ما كشف مصدر كنسي مسئول.

جمع توقيعات عزل البابا تواضروس، ليست حراكا حديثا، فقد ظهرت في يونيو 2015 حملة «تمرد قبطية»، كانت تدعو هي الأخرى إلى عزل البابا، لكنها واجهت نقدا شديدا، واعتبرها البعض نوعا من المهاترات غير المقبولة، حيث يرون أن منصب البابا اختيار إلهي ولا يجوز عزله، واعتبروا الاقتراب منه خطا أحمر، وخرج وقتها الأنبا رافاييل، سكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية آنذاك، وأسقف عام كنائس وسط القاهرة.

وقال الأنبا رافاييل، في بيان عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «المجمع المقدس يرفض، وبشدة، هذه اللغة الغريبة التي فاه بها البعض ضد بابانا المحبوب، وندعو الكل أن يراجعوا أنفسهم لئلا يدانوا أمام الله، لأن أدبيات الكنيسة، ولغتها، لا يوجد بها مثل هذه المهاترات».
 وأضاف: «تعجبت جدا عند قراءة خبر "تمرد ضد قداسة البابا"، وتساءلت: كيف يفكر هؤلاء؟! هل يتمرد الأبناء على أبيهم المختار من السماء؟! هل يعتقد هؤلاء أن قوانين الكنيسة، وتعاليم الكتاب المقدس توافق على مسلكهم هذا المُخزي؟!».

حجم المؤامرة على البابا تواضروس ضخم جدا، مقسم ما بين القنوات الفضائية، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، ولعل أبرزها: «أقباط أمريكا»، و«مسيحيو مصر»، اللذان يتصيدان الأخطاء للبطريرك باستمرار، وتعتبر جماعة «حماة الإيمان»، التي تعتبر نفسها المدافع الأول عن الإيمان الأرثوذكسي، صاحبة الصدى الكبير في الأوساط الكنسية، حيث دائما ما توجه انتقادات حادة جدا للبابا تواضروس، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، وزعم البعض أن الأنبا أغاثون أسقف مغاغة، يدعمها بشدة.

اسم «حماة الإيمان» ظهر بقوة بعد حادث مقتل الأنبا أبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار في وادي النطرون، وتزعم الرابطة أنها تدافع عن فكر الراحل البابا شنودة الثالث، ومدعومة من أساقفة رافضين الفكر التجديدي والإصلاحي للبطريرك الحالي، حتى إن البطريرك نفسه خرج يرد عليها في إحدى عظاته الأسبوعية، قائلا: «لا يوجد حماة للإيمان المسيحي، فإيمان الكنيسة محمي بصاحب الكنيسة، وهو المسيح»، وكان لرابطة «حماة الإيمان» حضور واضح في عدة مناسبات أهمها رفض توحيد المعمودية بعد زيارة بابا الفاتيكان لمصر.

وظهرت «حماة الإيمان» عندما أعلن مجموعة من الشباب الدارسين أكاديميًا، عن تأسيس رابطة بغرض الرد على أي شبهة أو اتهام يوجه للعقيدة المسيحية أو الكنيسة القبطية، وذكرت الرابطة في البيان التأسيسي لها: «ظهر في الآونة الأخيرة الكثير ممن يهاجمون المسيحية مدلين بتصريحات وباثين لأفكار تخالف التعاليم الأرثوذكسية».

"نقلا عن العدد الورقي....."
الجريدة الرسمية