رئيس التحرير
عصام كامل

«انقلاب برهامي» يشعل غضب «ذقون النور».. السماح بالاختلاط بين الرجال والنساء يفجر أزمة كبرى داخل الدعوة السلفية.. استياء من ظهور الجنسين معا في المؤتمر العام للحزب السلفي

ياسر برهامي
ياسر برهامي

رغم ابتعادها عن المشهد السياسي خلال السنوات القليلة الماضية، وأفول نجم عدد كبير من رموزها، فإن الأزمات الداخلية التي تندلع بين حين وآخر، تدفع بـ«الدعوة السلفية» إلى صدارة المشهد، لا سيما أن الأزمات تكشف حجم الخلافات بين أجنحة الدعوة، وتزيح الستار عن الرغبة الكامنة لدى عدد منهم في الاستئثار بالمشهد مع إزاحة البقية.


«ممارسات جديدة على الدعوة».. يمكن استخدامه كعنوان عريض لوصف الخلافات التي تفجرت مؤخرًا داخلها، وآخرها الاختلاط بين النساء والرجال في المؤتمرات الرسمية، والفعاليات التي يدشنها حزب النور، الذراع السياسية للدعوة والمحسوب عليها، بالمخالفة لمنهج الحزب الذي كان سببًا رئيسيًا في أزمات الحزب منذ بداية ظهوره في الحياة السياسية، ولاسيما نظرته للمرأة، وإخفاءه صور مرشحات الحزب، واستخدام «الوردة» بديلا عن الصور.

لم يجد «النور» وقتها أزمة في تحمل حملات السخرية من جميع أبناء التيارات السياسية، بل والشارع المصرى نفسه في سبيل الحفاظ على منهجه، وعندما ارتفعت معدلات السخرية، كان آخر فكر تجديدي وصل إليه، نزع الوردة من على صور الحملات الانتخابية، ووضع صور أزواج المرشحات بدلا منها، وأسفل الصورة كُتب «حرم الأستاذ» وبجوار التعريف اسم زوجها، وفي لحظة نادرة مع مصارحة النفس، أوضح الحزب أن ترشح سيدات بالأساس على قوائمه الانتخابية مجرد روتين قانوني، لأن القانون لا يقبل بالقوائم إلا إذا كانت تتضمن مرشحات من النساء، وكانت حجة الحزب الثابتة آنذاك «لماذا يريدون رؤية وجه المرشحة»!

«السلفية العلمية» التابعة لياسر برهامي، والتي تسيطر على المشهد السلفي تعتبر أكثر التيارات شهرة، وخاصة منذ اقتحامها السياسة في 2011، وإصرارها في الحفاظ على مكتسباتها السياسية، رغم كل الدعوات التي طالبتها بالعودة للمنهج السلفي التقليدي، والابتعاد عن السياسة للأبد.

ويتهم بعض الناشطين الإسلاميين، «سلفية برهامى» بالتناقض، ولا يسلمون باعتبار الطبيب السكندري «أعلم أهل الأرض بالعقيدة» كما هو معروف عنه بين أتباعه، لا سيما أن أفكاره الدينية والسياسية تتناقض مع ممارسات الحزب والدعوة على أرض الواقع، فأفكاره تميل إلى رفض النظم السياسية المعاصرة، وفى نفس الوقت يتمسك بضرورة الممارسة والتواجد، ويحافظ على استمرارهم لأقصى مدى ممكن.

ما يفعله «برهامي» يبرره أتباعه على أنه التجديد المنتظر لفكر الدعوة حتى تتماشى مع العصر ولغته، والتي يجب على السلفية إتقانها حتى لا تندثر وسط ركام الماضى، لكن على ما يبدو أن أفكار الهروب من شبح التحلل، لا تجد انسجاما بين أبناء الدعوة أنفسهم، ولهذا أبدوا معارضة شرسة لما يسمى بتيار التجديد، الذي يتسيده «برهامى» دون غيره، بمعاونة بعض القيادات الموالية له، على رأسهم عبد المنعم الشحات وشريف الهوارى وأحمد فريد، بجانب الحرس التابع لـ«برهامي» في الحزب، الذي ينادى بنفس الأفكار، بداية من نادر بكار، ونهاية بجيل الوسط والكبار، الذين يرأسهم بسام الزرقا وأشرف ثابت.

وبحسب مصادر داخل الحزب، تتسبب مراجعات التيار التابع لـ«برهامى» في حالة من القلق الشديد، وخاصة للأعضاء من كبار السن، وقدامى الدعوة، وهؤلاء يرفضون المساس بأى شكل بالمنهج السلفي الذي دُشن الحزب على أساسه، خوفا من انحرافات قد تتحول بالنور إلى «منهج غنوشي» جديد، نسبة إلى حركة النهضة التونسية التي يديرها راشد الغنوشى، فيترك الدين كما يفهمه السلف، ويركز على مجاراة التيارات العلمانية والمدنية في أفكارها، لإنكار أي علاقة لهم بالتشدد، وللمحافظة على موقع الحزب وسط الجغرافيا السياسية المصرية.

ويحذر معارضو هذا الفكر، في الدعوة والحزب، من خسارة «السلفية العلمية» لجمهورها الطبيعى من السلف، بسبب محاولة البعض جرها إلى مربعات أخرى تحت شعار التجديد، وخاصة نادر بكار، الذي أصبح يثير الشبهات فيه من الجمهور السلفي، بعدما تخلى عن هيئته السلفية، وخف لحيته خلال سفره لتلقي منحة علمية في الخارج، وهي مظاهر تدل على عدم تماسك المنهج لديه، أو أنه أصبح براجماتيًا أكثر مما ينبغي، بما يجعله عرضة للتنازل عن ثوابت الدعوة نفسها، إذا ما تطلبت المصالح ذلك.

وتشير المصادر إلى بروز مخالفات عدة في الآونة الأخيرة، يعتبرها أبناء الدعوة السلفية تجاوزًا في حق الشريعة، رغم المبررات التي يسوقها تيار برهامي لتهدئة الخلافات، بداية من التخلي عن أهم التقاليد بالموافقة على الاختلاط بين الرجال والنساء في العديد من الفعاليات، وحضورهن المؤتمرات والندوات، بما سيوجد احتكاكا كلاميًا على الأقل مع الرجال، بالمخالفة للمنهج السلفي الذي هو أصل الشريعة كما تراه السلفية.

وكان آخر ظهور للرجال والنساء معا في المؤتمر العام الأخير للنور، بما يتناقض مع مبادئ السلف، ودعوة الإسكندرية، وياسر برهامى نفسه، الذي اشترك في بحث لا يزال منشورًا حتى الآن، على موقع أنا السلفى التابع للدعوة، ويرصد من خلاله «136» شبهة لدعاة الاختلاط بين الجنسين.

والتجديد بشكل عام، لا يجد مرونة في الأفكار المحافظة بكل أشكالها الدينية والقومية والشعبوية، لذا لا يبرر أعضاء الدعوة السلفية والنور المخالفون لهذا التيار أي حجة للقبول بالاختلاط بين الرجال والنساء، وخصوصا في الفعاليات العامة، مهما كانت المبررات لذلك، خاصة أنها أصبحت من أهم الملاحظات على الفعاليات التي يخفيها الحزب والدعوة عن وسائل الإعلام المصرية.

الصراعات الدائرة حسب تأكيدات مصادر على علاقة وثيقة بالحزب والدعوة، ينفيها سامح عبد الحميد القيادى السابق بحزب النور، والذي لا يزال على علاقة جيدة بالشيخ برهامى والدعوة السلفية رغم انفصاله عن الحزب، مؤكدا أن «النور» حزب سياسي، ومن أعضائه المسلم والمسيحى، والرجال، والنساء، وليس هناك اختلاط محرم، بحسب وصفه.

وعن سر جلوس الدكتورة حنان علام أمينة المرأة بالحزب على المنصة الرئيسية بجانب الرجال بما قد يعارض مبدأ الحزب، أكد عبد الحميد أنه أمر عادي، موضحا أن «العضوات يجلسن في مكان مخصص لهن، وليس كما يتردد»، ومشددا: لن ترى امرأة تجلس وسط الرجال، بل يجلسن في القاعة نفسها، ولكن في مكان منفصل مخصص لهن.

وتابع: هذه ضمن الممارسة السياسية التي هي حق للرجال والنساء، وذلك ليس جديدًا في الحزب على حد قوله، نافيا أن يكون هناك صراعات داخل الحزب، مؤكدا أنه «كذب» بل لا يوجد حتى خلافات داخلية، أو انقسام في الرأى، أو فرق للمشايخ ضد بعضهم، كما لا يوجد تيار أساسي وتيار معارض، زاعما أنها «افتكاسات» ليس لها أصل.

من جهته يرى أحمد فتحى هندواي، الباحث في الإسلاميات، أن أفكار الدكتور ياسر برهامي مثل الدائرة المفرغة في عالم من التناقضات، لافتا إلى أنها تمثل دائما «متاهة» كبرى لأتباعه ومريديه، مؤكدا أن ظاهرة ياسر برهامي توفر أرضية خصبة للباحثين للكشف عنها كنموذج للتناقض والانفصام العجيب بين الإسلاميين بين النظرية والتطبيق.

وأوضح «هنداوي» أن منهج التغيير الذي يقدمه برهامي يحاول الوصول للنصر كما هو الحال في الحركات الدينية، عبر التنوع في أسباب هذا النصر المزعوم، والتي يغيرها بين الحين والآخر، ما يسبب ضغوطا كبرى لأتباعه حول ماهية المنهج الأصلي للدعوة، بما يجعلهم في حلقات متتابعة من عدم التأثير الحقيقي في السياسة المصرية.

نقلا عن العدد الورقي
الجريدة الرسمية