الطيبة ليست ضعفًا!
ليست الطيبة ضعفًا، بل امتحانًا قاسيًا لوعي الآخرين.. فالإنسان النقيّ لا يُخطئ لأنه يثق، ولا يُهزم لأنه يحسن الظن، لكنه كثيرًا ما يُساء فهمه في عالم اعتاد الخشونة واعتبر اللين ثغرة. وهنا تبدأ أزمة العلاقات الإنسانية: حين تختلط المفاهيم، وتضيع الحدود، ويُساء تأويل الأخلاق بوصفها قابلية للاستباحة لا قيمة يُحتذى بها.
إن احترام الإنسان للآخرين ليس تنازلًا عن كرامته، بل انعكاس صادق لسلامه الداخلي. والتقدير لا يُمنح بدافع الخوف ولا المجاملة، بل يصدر عن وعي بأن العلاقات لا تزدهر إلا على أرضية من الاحترام المتبادل. غير أن هذا الصفاء، حين يُقابل بسوء نية، يتحول في أذهان البعض إلى وهمٍ مغرٍ بالتمادي، فيختبرون الصبر، ويستنزفون التسامح، ويظنون أن الصمت فراغ.
وهنا يكمن الفرق الجوهري بين الهدوء والعجز، وبين الحِلم والاستسلام. فالصمت أحيانًا أبلغ من ألف رد، لأنه يمنح الآخر فرصة للمراجعة لا للإفلات. والتسامح ليس ضعفًا في المواجهة، بل قوة أخلاقية تضبط لحظة الانفجار. لكن لكل فضيلة حدًّا إذا تجاوزه الآخر انقلبت إلى تفريط، وعندها يصبح الحزم ضرورة لا خيارًا.
وقد عبّر الحكماء عن هذه المعادلة الدقيقة منذ القدم، فقال الشاعر:
إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ
وإن أنت أكرمتَ اللئيمَ تمرّدَا
فالكرم لا يُقاس ببذله، بل بوعي من يُمنح له. ومن لا يفهم لغة الاحترام لا يستحق إلا حدودًا واضحة لا التباس فيها.. ويضع القرآن الكريم هذا الميزان الأخلاقي في أدق صوره، فيدعو إلى السمو دون استباحة، وإلى الإحسان دون انكسار، إذ يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾، ثم يرسّخ مبدأ العدل الصارم بقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ﴾. فلا تناقض بين الرحمة والقوة، بل التكامل بينهما هو جوهر الأخلاق السوية.
وفي السنة النبوية، تتجلّى هذه الحكمة في أرقى صورها، حين يقول النبي ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»، فامتلاك النفس لا يعني كبت الحق، بل توجيه الغضب ليكون دفاعًا عن الكرامة لا انحدارًا إلى الفوضى.
ومن هنا يبرز السؤال المؤلم: لماذا تراجعت العلاقات الإنسانية إلى هذا الحد؟ هل لأن الوعي تراجع، فلم نعد نميّز بين الطيبة والضعف؟ أم لأن الضمير أُنهك، فأصبح الاستغلال سلوكًا ذكيًا لا فعلًا مشينًا؟ أم لأن الإنسانية ذاتها انسحبت من تفاصيل حياتنا، فحلّت المصلحة محل المروءة، والمنفعة مكان الوفاء؟
لقد أدرك المتنبي هذه الحقيقة باكرًا حين قال: ومن يجعلِ المعروفَ في غيرِ أهلِه
يكن حمدُهُ ذمًّا عليه ويندمِ
فالخطأ ليس في القيم، بل في سوء إنزالها في غير مواضعها. وما أحوج الإنسان اليوم إلى أن يفهم أن الطيبة قوة مشروطة بالوعي، وأن الاحترام لا يُمنح بلا مقابل أخلاقي، وأن بعض الفرص حين تُهدر لا تعود.
إن اختبار صبر إنسانٍ واعٍ مغامرة خاسرة؛ لأن ما يُحسب صمتًا قد يكون حكمة، وما يُظن تساهلًا قد يكون إنذارًا أخيرًا. وحين تُستنفد الفرص، لا يبقى للكرامة إلا أن تقول كلمتها الأخيرة.. كلمة لا تُقال مرتين.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
