رئيس التحرير
عصام كامل

صحافة القارئ وملاذه الآمن! (1)

18 حجم الخط

أليس من حق الناس أن يجدوا في الصحيفة ملاذًا آمنًا وعنوانًا حيًّا يلجأون إليه وقت الشدة والحاجة، لا صفحات صماء تُقرأ وتُنسى انطلاقًا من دور الصحافة والإعلام في تنشيط الاتصال الجماهيري، وردم الفجوة بين المواطن وصانع القرار؟!

وكيف تُستعاد الثقة في الإعلام دون آليات تواصل حقيقية تجعل المواطن شريكًا لا متلقيًا صامتًا في زمنٍ تتلاحق فيه الإشارات وتتكاثر الشاشات، وتندفع فيه الدولة نحو التحول الرقمي كخيار لا رجعة عنه؟

وهنا ينهض سؤال جوهري من قلب الواقع لا من هامش التنظير: لماذا لا تمتلك كل مؤسسة صحفية رقمًا مختصرًا أو خطًّا ساخنًا، يكون جسرًا مباشرًا بين الناس وصحافتهم؟ سؤال لا يُراد به الترف الفكري، بل تمليه ضرورة إنسانية ومجتمعية، لأن هذا الخيط الرفيع من التواصل -إذا أُحسن نسجه- لا ينتقص من دور منظومة الشكاوى الحكومية، ولا ينافسها أو يحل محلها، بل يساندها ويخفف عنها، ويُعيد في الوقت نفسه ترميم الثقة المفقودة بين المواطن ومؤسسات الدولة.

التواصل الحي، حين يمر عبر وسيط إعلامي مهني، لا ينقل الشكوى فحسب، بل ينقل الشعور أيضًا؛ شعور المواطن بأن صوته لم يضِع، وأن وجعه لم يُلقَ في هوامش الإهمال. وحين يجد صدى لمعاناته داخل الدوائر الرسمية، تتشكل حالة رضا عامة، ليست رفاهية سياسية، بل شرطًا للاستقرار، وأساسًا لمصداقية الحكومة والصحافة معًا.

وليس هذا الكلام افتراضًا نظريًّا أو حنينًا إلى فكرة جميلة، بل تجربة حيّة نُفذت ونجحت، وعرفت كيف تترك أثرها. ففي بدايات الثورة الرقمية، وُلدت فكرة الرقم المختصر «139 جمهورية» بطلب من الكاتب الصحفي الكبير الأستاذ سمير رجب، رئيس مجلس إدارة دار التحرير للطبع والنشر ورئيس تحرير جريدة الجمهورية الأسبق. 

لم يكن المشروع مجرد هاتف لتلقي الشكاوى، بل رؤية صحفية جديدة، وقسمًا مهنيًّا طموحًا، أُسس ليكون ضميرًا حيًّا نابضًا داخل الجريدة، وحلقة وصل بين الشارع والمسؤول.

لم تكن الموافقة على خوض التجربة سهلة؛ فثقل المسؤولية كان واضحًا، خاصة مع تشعب المهام التي كنت أتحملها آنذاك كنائب لرئيس التحرير ومسؤول عن ملفات معقدة وحساسة. لكن الإيمان بالفكرة انتصر، بعد اتفاق صريح منحني حق اختيار فريق العمل، وكسر الحواجز البيروقراطية بالتعامل المباشر مع الديسك. وبصلاحيات واسعة وثقة كاملة من الأستاذ سمير رجب، وبمساندة نشطة من الزميلة القديرة جمالات يونس، انطلقت التجربة لتصنع مسارها المختلف.

سرعان ما تحول 139 جمهورية إلى ورشة صحفية مفتوحة، ومدرسة عملية حقيقية. فتح أبواب العمل والتدريب لأكثر من مئة صحفي وإداري، خرج من بينهم أسماء صنعت لاحقًا حضورها المهني بثقة واقتدار. هنا تعلَّم الصحفي كيف يُصغي قبل أن يكتب، وكيف يحوّل شكوى فردية إلى قضية عامة، وصوتًا خافتًا إلى حملة صحفية تدق أبواب المسؤولين بلا مواربة ولا مجاملة.

وكان الأثر أبعد من جدران الجريدة؛ إذ صار الرقم المختصر أسرع وصولًا إلى الناس من كثير من القنوات الرسمية، وأكثر التصاقًا بنبض الشارع. لم يعد الهاتف مجرد وسيلة اتصال، بل نافذة أمل، وجسر ثقة، وميزانًا دقيقًا يقيس حرارة المجتمع. عبره نُقلت هموم الناس، وعُرضت مطالبهم، وتحققت استجابات خففت عنهم أثقالًا طال انتظارها.

ومن رحم هذه التجربة تتولد الأسئلة التي لا يجوز إسكاتها: ترى لو أن كل مؤسسة صحفية خصصت رقمًا مختصرًا أو خطًا ساخنًا لتلقي شكاوى المواطنين، ألن يُسهم ذلك في رفع منسوب الرضا الشعبي، وتخفيف الضغط عن أجهزة الدولة، وتعزيز الثقة في الصحافة والحكومة معًا؟ 

وهل يجوز لصحافةٍ تزعم القرب من الناس أن تكتفي بدور المراقب البعيد، بينما تملك أدوات أن تكون شريكًا فاعلًا في الحل؟ ثم أي معنى للحديث عن إعلام يخدم الصالح العام، إذا ظل بعيدًا عن الوجع اليومي للمواطن، لا يسمعه إلا حين يتحول إلى أزمة؟

إن تجربة 139 جمهورية تظل شاهدًا على أن الصحافة، حين تقترب من الناس، تستعيد روحها ودورها. تتحول من ناقل للخبر إلى صانع للأثر، ومن منصة للشكوى إلى أداة للحل. وفي زمن التحول الرقمي، تبقى هذه الأسئلة مفتوحة.. لا تبحث عن إجابات مؤجلة، بل عن إرادة واعية تؤمن بأن الصحافة، في جوهرها، رسالة حياة قبل أن تكون مهنة.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية