رئيس التحرير
عصام كامل

هذا ما نحتاجه من الخطاب الديني (1)

ما أحوجنا لدعاة وخطباء يتبنون خطابًا دينيا يعيد الناس للرشد والإيمان الحقيقي لا التدين الشكلي المغشوش، ليتهم يلتمسون في خطبهم إلى جانب الآيات والأحاديث والأدلة النقلية ما يخاطب العقل ويحرك الضمائر ليبقى في الوعى ما يحرك الناس للعمل الإيجابي، وتغيير السلوكيات السلبية إلى أخرى إيجابية، تتفق وصحيح الدين وصالح المجتمع.. 

 

ليتهم يركزون على ضرورة ترك ما يمحق العلاقات، ويأكل الروابط ويقضى على التماسك الأسري ويفسد العلاقات بين الأهل والأقارب ويضعف المجتمعات، ليتهم يقولون للصائمين أن من يمنع أخواته من الميراث ويأكل حقهن فلا صيام ولا زكاة له، ليتهم يعيدون التركيز على أن المال الحرام لا تخرج منه زكاة ولا صدقة، وأن صلة الأرحام وبر الوالدين أكبر من مجرد الاكتفاء باتصال هاتفى أو رسائل إلكترونية وأن جبر الخواطر من أوجب الواجبات.

Advertisements


نرجو لو يتبنى الخطاب الدينى رؤية فعالة لاستعادة الروح في العلاقات الاجتماعية التي أصابها الجفاء والقسوة بسبب الاستهتار بحقوق الآخرين ومشاعرهم، فحقوق الجار أكبر من مجرد إلقاء تحية عابرة أو سلام عارض، دون أن يكلف الناس أنفسهم مشقة السؤال عن الجار المحتاج الذي قال رسول الإنسانية في حقه: "واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، قِيلَ: مَنْ يا رسولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الَّذي لا يأْمنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ".. 

 

ويقول ﷺ: ما زال جبريلُ يُوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيُورِّثه؛ لشدة الوصية التي بلَّغه إياها جبريل عن الله تعالى. وقال ﷺ لأبي ذرٍّ: "إذا طبختَ مرقةً فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليُكرم جاره، وفي اللفظ الآخر: فلا يُؤْذِ جاره، وفي لفظٍ: فليُحْسِنْ إلى جاره.

موسم الطاعات


ليت خطباء المساجد يقولون للناس إن جبر حارس العمارة والخادم وعامل النظافة وكل أصحاب الوظائف البسيطة الشريفة أمرٌ يثاب عليه فاعله، فليس جزاء الإحسان إلا الإحسان.


أخبروهم بحرمة المال العام وحرمة الطريق فليس من الصيام أن يتدافع الناس ويتشاجروا على أولوية المرور في نهار رمضان، ويفقدوا أعصابهم بانفعالات منفلتة بدعوى أنهم صائمون، فالصيام امتناع عن الإيذاء والإضرار بالغير بأي صورة من الصور.

 

ليكن شهر رمضان فرصة ذهبية لاستعادة الوعى الحقيقي لشعوبنا، ليكن فرصة للتخلص من الأنانية وشح النفس وتدريبها على الشعور بمعاناة الفقير.. فما أعظم التقرب إلى الله بالعطاء وتطهير قلوبنا مما علق بها من صدأ روحي تراكم عليها على مدى العام.. 

 

فهل يستوى من يدرك أن شهر رمضان منحة ربانية وموسم للطاعات فجعل صيام نهاره فريضة وقيام ليله تطوعًا.. ومن حوله إلى شهر ترفيهي يسرف خلاله في مباهج الدنيا وملذاتها غير عابيء بحرمته، ولا بما أراده الله لنا من وراء فريضة الصيام.. 

 

 

وشتان بين من يسهر الليالي في إلتهام ما لذ وطاب ومشاهدة مسلسلات وبرامج مقالب اجتاحت الشاشات وخطفت القلوب وفرغتها من روحانيات الشهر الفضيل.. وبين من صام نهاره ووصل رحمه وأعان جيرانه، وتصدق على فقراء الحي.. فهل يتحول صيامنا إلى سلوك إيماني يحقق مراد الله منا ليصبح مجتمعنا وأكثر قدرة على العمل والإنتاج والتكافل والتراحم والتماسك والتقوى.. وللحديث بقية!

الجريدة الرسمية