رئيس التحرير
عصام كامل

الميت يتمنى العودة للحياة حتى يتصدق!

لماذا يختار الميت أن يعود للدنيا ليتصدق؟! يختار الميت الصدقة لو رجع للدنيا مصداقًا لقوله تعالي "رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ".. فلماذا الصدقة دون غيرها.. لماذا لم يقل الميت مثلا فأعتمر.. أو لأصلي.. أو لأصوم؟!


أمنيات الموتى لا تتحقق.. لكنها حقيقة واقعة.. فما من ميت إلا ويتمنى العودة للحياة الدنيا؛ محسنا كان أو مسيئا، فالمحسن من روعة ما رأى من جزاء الإحسان يتمنى لو يرجع للدنيا فيضاعف حسناته لترتفع منزلته في الجنة، حتى الشهيد رغم أنه الأعلى منزلة عند الله فإنه يتمنى لو عاد للدنيا ليقتل مرة ومرات في سبيل الله؛ لروعة ما رأى من منزلته عند ربه.. 

Advertisements

 

وفي المقابل يتمنى الظالم والمقصر في حق ربه ونفسه وأهله لو عاد إلى الدنيا فيصلح ما أفسد، ويعدل عن ظلمه وسيئاته إلى الإحسان والعمل الصالح من هول ما يرى من عذاب الآخرة -وقانا الله وإياكم شرها-.. يقول الله تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ".

فضل الصدقة


المدهش حقا أن الأماني المستحيلة بعد الموت كانت قبله ممكنة وفي متناول كل إنسان بل كانت تكليفا ودعوة بعث الله من أجلها الرسل والأنبياء لأقوامهم.. يقول أهل العلم: ما ذُكر الميت الصدقة إلا لعظيم ما رأي من أثرها بعد موته.. فأكثروا من الصدقة.. فإن المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته.
 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه كما يربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثل الجبل".
 

ولا عجب والحال هكذا أن يتقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس.. يقول الله تعالى: "لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ".


الصدقة من أفضل الأعمال عند الله تعالى، ذلك أنها تحقق التكافل الاِجتماعي بين الغني والفقير، فتستقر المجتمعات وتتفادى الأحقاد بين الطبقات، ومن ثم فقد أمرنا الله تعالى بأدائها في آيات عديدة.. يقول سبحانه: "قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ} (إبراهيم: 31]..

 

 

ما أحوج الفقراء، وما أكثرهم في أيامنا، إلى الصدقات تعينهم على صعوبات الحياة والغلاء المتزايد خصوصًا في شهر رمضان، الذي فرض الله علينا صيامه ليشعر الأغنياء بآلام الجوع الذي يعانيه الفقراء في كل وقت.. فتصدق ونحن على أبواب شهر الصيام ليتضاعف ثواب صيامك، فلا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع!

الجريدة الرسمية