رئيس التحرير
عصام كامل

الانتصار المزيف!

تؤسرني مقولة الشاعر نزار قباني "إن الحب هو التعويض العادل عن كل بشاعات هذا العالم، وحماقاته، وجرائمه"، فالحب بمعناه الإنساني الواسع بإمكانه أن يجنبنا آلامًا ومآسى كثيرة تجرح المشاعر وتبكى القلوب وتوجع الضمائر، لاسيما ما يقع في حق أبرياء ضعفاء كإخوتنا في غزة المحاصرة من دولة احتلال غاشم يرتكب في كل لحظة جرائم حرب وإبادة جماعية وتجويع وحصار لأهلنا في القطاع على مرأى ومسمع من عالم لا يحرك ساكنًا..

 

ما شجعه على ارتكاب مجازر وفظائع ليس آخرها جريمة دوار النابلسي التى قتل فيها عشرات الفلسطينيين الأبرياء الجوعى أثناء سعيهم للحصول على مساعدات إنسانية، حجبت عنهم بفعل فاعل في إطار حرب تجويع تشنها تل أبيب، تحت غطاء أمريكي وغربي فج وصمت عربي وإسلامي لن يغفره التاريخ.

Advertisements

المكسب الحقيقي.. والإنسانية

ما تحتاجه البشرية اليوم أن تسترد إنسانيتها من براثن الإجرام والأنانية والظلم والوحشية وفتور العلاقات وبرودها ونهم الاستهلاك بلا شبع، والسعى وراء إشباع الغرائز والملذات بلا توقف، لكنها لن تشبع ولن تقنع، فلو أعطى ابن آدم واديان من ذهب لتمنى أن يكون له الآخر ولن يملأ عين ابن آدم إلا التراب. 


للعلاقات الاجتماعية قانون خاص لا يدركه إلا لبيب ذو بصيرة ليس قانون المكسب والخسارة أو المصلحة الشخصية؛ فهى ليست خناقة ولا صراعًا صفريًا ينتهى بفوز أحد الطرفين، يعنى باختصار مش لازم تطلع من كل مناقشة كسبان، أو تجبر الطرف الثاني يقتنع بكلامك أو ينفذه وهو مش مقتنع!


لو حجتك قوية وارد أنك تكسب مناقشة عادية وتفحم الطرف الآخر لمجرد إنك تنتصر وتكسب الموقف في محاورة عابرة لكن خسارتك الأكبر أنك تخسر الشخص نفسه للأبد.. وأحيانًا المكسب الحقيقي كون في التغافل وتفويت فرصة الصدام، واستيعاب الآخر، والتغاضي عن الدخول في مسارات ممكن تجرح مشاعر اللي قدامك.


المكسب الحقيقي إنك تكسب قلب، ده أهم بكتير من إنك تكسب موقف.. فهذه علاقة وليست ساحة حرب، ومن يناقشك أو يجادلك صديق أو حبيب وليس عدوًا.. تقول الكاتبة أجاثا كريستي: "تعلمت منذ زمن طويل أن الانتصار الحقيقي هو ألا نؤذي مشاعر من نُحب".


ويتساءل المفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود: من أنت..من أنت.. حينما تتردد لحظة بين الخير والشر.. من تكون؟! أتكون الإنسان الخيِّر أم الشرير أم ما بينهما.. أم تكون مجرد احتمال للفعل الذي لم يحدث بعد؟!

 


إن النفس لا تظهر منزلتها ولا تبدو حقيقتها إلا لحظة أن تستقر على اختيار، وتمضي فيه باقتناع وعمد وإصرار، وتتمادى فيه وتخلد إليه وتستريح وتجد ذاتها.. ولهذا لا تؤخذ على الإنسان أفعال الطفولة، ولا ما يفعله الإنسان عن مرض أو عن جنون أو عن إكراه.. 

فأي إنسان تحب أن تكون؟!

الجريدة الرسمية