رئيس التحرير
عصام كامل

شروخ في الجدار الغربي

بدخول الحرب الروسية الأمريكية، على الأراضي الأوكرانية، شهرها الرابع، دون أن يتحدد بشكل قاطع من المنتصر ومن المهزوم، يمكن القول إن عامل الزمن أصبح يعمل بكفاءة في صف القيادة الروسية، وينال من صلابة التحالف الغربي ضد روسيا بقيادة الولايات المتحدة. استمرار القتال، واستمرار تدفق السلاح واستمرار التقدم الروسي البطيء، واستمرار توبيخ زيلينسكي للغرب للبطء في التوريد العاجل للأسلحة الفعالة، كلها عوامل تختبر بقوة حدود التحالف الغربي واستمرار صلابته، وإلى أي مدى يمكن استمرار هذا التحالف في إمداده لأوكرانيا بالأموال والأسلحة.


لا يمكن إغفال عنصر ضاغط آخر مرتبط بعامل الزمن، هو الذاكرة الأوروبية المريرة للصراعات في القارة الأوروبية، على الأقل خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكلتاهما استغرقتا سنوات وأحرقتا ملايين الجنود والمدنيين.. ولاشك أن هاتين الحربين الطاحنتين تركتا جراحهام النفسية العميقة لدى شعوب القارة، وهذه الجراح هى التى وراء دعوات ملحة في المعسكر الأوروبي تتساءل: ثم ماذا بعد؟ أربعة أشهر.. ثم ماذا بعد؟ 

 

يرصد المحللون إشارات تصدع في الحائط الأوربي، يثير جزع واشنطن. التململ الاوربي تقوده فرنسا والمانيا وايطاليا. والأسبوع الماضي أطلق ماكرون تصريحا أزعج الأوكران والأمريكان: لا ينبغي إذلال روسيا إلى حد اغضابها..
 

هو يستعيد إذلال أوروبا لألمانيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى بشروط قاسية نالت من كرامتها وأراضيها، جعلت النازية تنهض وتتوحش وتشعل الحرب العالمية الثانية. وحتى المستشار الألماني أولاف شولتز فقد نبه منتقديه أنه ليس القيصر فيلهلم ليتورط في حرب عالمية ثالثة.. وكان القيصر ورط بلاده في الحرب العالمية الأولى، ورغم تصريحاته المتشددة، ووزيرة خارجيته، الإ انه من الداعين إلى بحث عن حل يحفظ حقوق الأطراف والتحالف من التصدع..


والحق أن ألمانيا تستفيد من الحرب في أوكرانيا ببناء جيش جديد بأحدث الأسلحة بميزانية اولية ١٠٠مليار دولار، يتحدثون أنه سيكون قوام الجيش الأوربي المستقل عن أمريكا، وفرنسا ترغب في ذلك وتدعو إليه.
 

أما إيطاليا فحكومتها أيضا فيها جناح لا يرغب في استمرار النزيف بالسلاح والأموال لأوكرانيا، ومعاداة روسيا. على الجانب الأخر يدهشك أن ترى دول شرقي أوروبا التى كانت منتظمة في العقد السوفيتي هي الأشد خصومة على روسيا وتنقاد انقيادا لبريطانيا.


الى متى هذه الحرب؟ عنصر الوقت تراه واشنطن استنزافا لموارد موسكو، لكن أوروبا تراه يعمل ضد مصالحها، واستنزافا لمواردها، وانهيارا اقتصاديا. لقد عطل الاتحاد الأوربي جزئيا مبيعات الغاز والنفط بفضل معارضة المجر، لكن القمح الروسي صار سلاحا مطلوبا في الأسواق العالمية رغم العقوبات الأمريكية.


هل بدأ الأوروبيون يفهمون أخيرا أن هذه الحرب علي الأراضي الأوروبية لصالح الهيمنة الأمريكية تحت مظلة حلف الناتو، وسوء استخدام للحلف، يدفع تكلفتها المواطن الاوربي والمواطن الأمريكي، بل وفقراء العالم؟ لمصلحة من هذه الحرب أساسا؟ ومن تسبب فيها ومن يصب الزيت علي النار؟
 

 

إنها أعراض زوال الشمس عن واشنطن.. عدم الاستسلام لحقيقة أن الامبراطورية في غروب حتمى هو ما يفسر الإصرار على الاستمرار.. شهورا وسنين.. لكن هل يتعمق الصدع الأوربي؟
تهديدات بوتين بتوسيع الحرب إذا ضربت أوكرانيا العمق الروسي رسالة حاسمة تتردد أصداؤها بقوة.. في برلين وباريس وروما.. لم تبلغ لندن بعد!

الجريدة الرسمية