رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية "الدستور" مع الجهات والهيئات القضائية


الدستور حدد مؤسسات الدولة القائمة على مرفق العدالة، مبينًا الاختصاص المنوط بكل منها مغايرًا في التسمية بينها بالنظر إلى طبيعة هذا الاختصاص، حيث خص القضاء ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا بتسمية الجهات القضائية، في حين أسبغ على هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية تسمية الهيئات القضائية.


ووفقا للتبويب الذي تبناه الدستور فإن السلطة القضائية تتمثل في جهتي القضاء العادي ومنها النيابة العامة ومجلس الدولة، حيث ورد تنظيمهما في فرعين متتالين بالفصل الثالث بعنوان السلطة القضائية، وجاء تنظيم المحكمة الدستورية العليا في فصل مستقل هو الفصل الرابع تحت عنوان المحكمة الدستورية العليا، في حين ورد تنظيم هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية في الفصل الخامس بعنوان الهيئات القضائية.

وترسيخًا لمبدأ استقلال تلك المؤسسات في النهوض برسالتها قضى بقيام كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها، وأن يكون لكل منها موازنة مستقلة، وتطبيقًا لمبدأ المساواة بين أعضاء جميع تلك الجهات والهيئات، ناط بالمشرع بيان الحقوق والواجبات والضمانات المقررة لأعضاء السلطة القضائية وهم رجال القضاء والنيابة العامة وأعضاء مجلس الدولة، وقضى بسريان جميع تلك الحقوق والواجبات والضمانات على رئيس ونواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس وأعضاء هيئة المفوضين بها وأعضاء هيئة قضايا الدولة وأعضاء هيئة النيابة الإدارية.

ونهج المشرع الدستوري في مقام المساواة بين أعضاء جميع الجهات والهيئات القضائية كان ذاته مسلك المشرع المصري قبل صدور هذا الدستور، حيث رسخ هذا المبدأ في قوانين السلطة القضائية ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا وإعادة تنظيم هيئة قضايا الدولة وإعادة تنظيم هيئة النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية.

وحسبما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا في طلب التفسير رقم 3 لسنة 8 قضائية دستورية، فإن نصوص تلك القوانين كانت واضحة الدلالة في أن المشرع اضطرد في تنظيم المعاملة المالية لأعضاء الهيئات القضائية كافة، على منهج مؤداه التسوية تمامًا بين شاغلي وظائف القضاء والنيابة العامة في قانون السلطة القضائية وبين الوظائف المقابلة لها في الهيئات القضائية الأخرى، بشأن المخصصات المالية المقررة لها من مرتبات وبدلات وغيرها، أو في المعاشات المقررة لشاغليها بعد انتهاء خدمتهم..

حتى غدا مبدأ المساواة بينهم في هذا الخصوص أصلًا ثابتًا بتنظيم المعاملة المالية بكافة جوانبها في المرتبات، ويجري حكمه على المخصصات والمعاشات المستحقة لشاغلي الوظائف المقابلة لها في الهيئات القضائية الأخرى، وهو ما ينطبق على القضاء والنيابة العامة والمحكمة الدستورية العليا وأعضاء مجلس الدولة والنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة.

جاء ذلك في حكم قضائي أصدرته المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 109088 لسنة 63 ق ع، والتي أكدت أن حقيقة طلبات الطاعن وفقًا للتكييف القانوني السليم هي الحكم بقبول الطعن شكلًا، وفي الموضوع بأحقيته كرئيس سابق لهيئة النيابة الإدارية في الاحتفاظ بسائقه الخاص بعد انتهاء الخدمة، وصرف مكافأة مالية له بمناسبة إحالته للمعاش تعادل الفرق بين راتبه الشامل وراتبه الأساسي عن أربعة أشهر، استنادًا إلى ما يسري مع رؤساء محكمة النقض السابقين.

ووفقًا لما قالته المحكمة في أسباب حكمها أن مبدأ المساواة في المخصصات المالية، بين جميع أعضاء الجهات والهيئات القضائية أصبح حقًا دستوريًا وقانونيًا أقرته المحكمة الدستورية العليا، وقضت به هذه المحكمة في قضائها المتواتر حيث ردت إيجابًا ما وقع عليه من تجاوز أو عدوان وقتما ثبت لديها وقوع هذا التجاوز أو العدوان من خلال مستندات قاطعة قدمت إليها من ذوي الشأن تأييدًا لدعواهم، إعمالًا للأصل العام في الإثبات، والذي قررته المادة الأولى من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968، والتي تقضي بأنه على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه.

وشدد الحكم بأن الطاعن لم يقدم أدلة قاطعة تفيد احتفاظ أي من رؤساء محكمة النقض السابقين بسائقيهم بعد انتهاء الخدمة أو تقاضي أي منهم مكافأة بمناسبة إحالته إلى المعاش، تعادل الفرق بين راتبه الشامل وراتبه الأساسي عن 4 شهور وأية مكافآت أو بدلات أو حوافز أو مخصصات مالية أخرى، ومسماها ومقدارها وتاريخ تقريرها، أو أن ما يتقاضونه يتجاوز في مقداره ما يتقاضاه أقرانهم أعضاء السلطة القضائية أو الهيئات القضائية، ومن ثم يكون ما ذكره الطاعن في هذا الشأن قولًا مرسلًا لا دليل عليه خليقًا بالرفض.. وللـحـديـث بـقـيـة.
الجريدة الرسمية