رئيس التحرير
عصام كامل

في 10 سنوات .. كيف دمرت حركة النهضة مكاسب الثورة التونسية ؟

تدمير مقرات النهضة
تدمير مقرات النهضة

منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، وأغلب المفكرين والساسة في المنطقة يعتبرون  ـ تونس وإخوانها ـ  حالة آخرى، بعد أن استطاعت حركة النهضة إظهار نفسها في ثوب إصلاحي، وتحررت من أسر إخوان مصر، وصاغت لمشروعها عنوانا آخر ـ حركة إسلامية ديمقراطية حضارية ـ بعيدًا عن منطلقات الإسلام السياسي .



لكن بعد 10 سنوات ما الإرث الذي تركته الحركة وهل فعلا ابتعدت عن مدار الإخوان أم كانت أخطر جناح لها في المنطقة ؟ 

التصلب والجمود

مثل كل تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، لم تستطع حركة النهضة تجديد نفسها، وقعت في آسر تزمتها ومنطقها الداخلي، بدا واضحا أن الحركة التي صعدت لقيادة البرلمان لا تولي أي أهمية لأهداف ثورة الياسمين، ولم يكن هدف الخطابات العاطفية والعقلانية الحقيقي إلا عمل  نوع من توازن القوى لكسب كل السلطات في البلاد.

حاولت النهضة اقتناص كل مكسب ممكن، من الرئاسة إلى المجالس المحلية، اتبعت نفس منهج إخوان مصر وليبيا وكل الأذرع الإخوانية بالمنطقة في «التكويش» على جميع المناصب تمهيدًا للتمكين.

ربما الاختلاف الوحيد بين النهضة وباقي أذرع الإخوان في ــ التقية ــ الخطاب الناعم المراوغ، لكن على أرض الواقع لم تنفضل النهضة ولو يومًا واحدًا عن الفكر الإخواني مهما زعمت غير ذلك. 

شيطنة الخصوم 

وقعت النهضة في نفس الجرم الذي تدنست فيه إخوان مصر وجميع أذرع الإخوان بالعالم، تعاملت الحركة مع خصومها بمنطق الشيطنة من أجل إحكام قبضتها على كل تروس الدولة.

دخلت في صراع صفري مع نداء تونس بسبب النزعة الحداثية للحزب وانتصاره للحريات التي ترفضها الخليفة الدينية المتزمتة للنهضة التي تبرأت منها صوريًا ولم تبارحها أبدا. 

تورطت في صراع قاتل مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وضعته هدفًا لها باعتباره الخصم الأبرز على المستوى الجماهيري، وحاولت مرارًا حصره في إطار دور نقابي ضيق بعيد عن السياسة ولم تفلح. 

استهدفت النهضة الاتحاد بالشائعات والحروب النفسية والإعلامية، ما أجبره على الدعوة للتمرد ضدها في مناسبات عدة، أبرزها إعلانه إضراب وطني عام في كامل الجمهورية احتجاجا على اعتداءات الميليشيات المحسوبة عليها ضد النقابيين في ذكرى اغتيال مؤسس الاتحاد فرحات حشاد. 

لم تتراجع النهضة أمام صلابة الاتحاد، بل قدمت الحماية الكاملة خلال سيطرتها على الحكومة من خلال ما عرف بتحالف الترويكا، لما سمى برابطة حماية الثورة، وهي ميليشيات تابعة لها حصلت على ترخيص قانوني عام 2012 بدعم النهضة وأعطت لنفسها الحق في فض الاعتصامات والاحتجاجات المناهضة للإسلاميين. 

منحت هذه الميليشا نفسها حق استخدام العنف الشديد، ونسب لها عدد من حوادث القتل التي استهدفت معارضي الإسلاميين مثل نائب حزب نداء تونس لطفي نقض، ومعهم الرافضون للترويكا من ساسة وصحفيين ورجال إعلام، وانخرطت في سلوكيات عدائية هددت البلاد بالانزالاق إلى حرب أهلية. 

دروس الماضي 

لم يتعلم الغنوشي من دروس الماضي مع أنه أعلن ذلك مرارًا وتكرارًا، سُربت له فيديوهات بعيدًا عن الإعلام يتحدث فيها عن مشروع أسلمة تونس الذي لم يفارق أحلامه.

تخيل الغنوشي نفسه «كوبرنيكوس» الذي سخره القدر لقيادة «ثورة كوبرنيكية» الإخوان مركزها ومحورها ولاشيء إلا مصالحهم وأفكارهم.

سطوة النهضة أعادت للمجتمع التونسي استدعاء الخيال البورقيبي، والنهضة الفكرية والثقافية والاقتصادية التي حققها الحبيب بورقيبة بغض النظر عن خطاياه السياسية، وعلى هذه الأرضية ظهرت في المجال العام عبير موسى التي سيطرت على المشهد المعارض للجماعة بسبب انغلاق النهضة وتمحورها حول ذاتها.

قيس سعيد 

من أجل مصالحها، دعمت النهضة قيس سعيد في انتخابات 2019 على اعتبار أنه بلا أي تاريخ سياسي وسيسهل عليها تمرير مشروعاتها من خلاله بعد إسقاط مرشحها عبد الفتاح مورو ـ نفس منطق ترشيح مرسي للرئاسة في مصر ـ.

لكن الرجل ـ المحافظ فكريا ـ لم يتحملها أكثر من عامين، وانقلب عليها بعد أن سأم أسلوبها في المناورات والمؤامرات التي قسمت المجتمع دون أن تنجز في المقابل أي مجهود يذكر يساهم في حل مشكلات المجتمع الحقيقية.

تراجع الاقتصاد لمستويات غير مسبوقة ـ بلغ العجز التجاري لأول مرة في تونس عشرة مليارات دينار ـ عجزت النهضة بعيدا عن المؤامرات عن تقديم أي حلول للتعليم أو الصحة أو العدالة الاجتماعية.

انهارت البلاد أمام جائحة كورونا وتزايدت المحن والضغوط، فاندفع التونسيون للانقضاض على مقرات النهضة، وضغطوا على الرئيس للفتك بها وإنهاء حقبتها المؤسفة التي أثبتت أن الجماعة لاتصلح للزمن ولا الواقع، ووجودها أكبر خطر ليس فقط على الحرية والديمقراطية، بل على سلامة الأوطان ووحدة شعوبها. 

الجريدة الرسمية