رئيس التحرير
عصام كامل

تطبيع الاعتراف.. ومحاولات خنق مصر نهرًا وبحرًا

18 حجم الخط

لا يمكن قراءة التحركات المتسارعة من الكيان الإسرائيلى نحو الاعتراف بـ”صومالى لاند” أو “أرض الصومال” باعتبارها شأنًا صوماليًا داخليًا، فنحن أمام مخطط متكامل لإعادة هندسة الجغرافيا والتوازنات فى القرن الإفريقى والبحر الأحمر، تقف خلفه شبكة مصالح ثلاثية: إثيوبيا الباحثة عن منفذ بحري، والكيان الإسرائيلى الساعى لتطويق المجال العربى والمصرى على وجه الخصوص، ودولة عربية أخرى تمتلك أدوات الاستثمار والنفوذ اللوجستي.
فى هذا السياق، يصبح الاعتراف الإسرائيلى بـ”صومالى لاند” أداة لتفكيك الجغرافيا السياسية، وتحويل الكيانات الهشة إلى منصات نفوذ تخدم مشاريع أكبر ومخططات أخطر، على رأسها إعادة تعريف الأمن فى البحر الأحمر بعيدًا عن الدور المصرى التاريخي، ومحاولة تنفيذ مخطط تهجير أهالى غزة، وإعادة الحياة لما يسمى “الاتفاقيات الإبراهيمية” أو التطبيع عبر اتفاقات أبرهام.

إثيوبيا.. الجغرافيا وطموح المنفذ البحري

منذ استقلال إريتريا، تعيش إثيوبيا عقدة “الجغرافيا الحبيسة” وعدم وجود منفذ بحرى لها. هذه العقدة تحولت فى السنوات الأخيرة من إشكالية اقتصادية إلى عقيدة سياسية، عبّر عنها رئيس الوزراء آبى أحمد بوضوح حين اعتبر الوصول إلى البحر “حقًا وجوديًا”.

اتفاق أديس أبابا مع هرجيسا (عاصمة إقليم صومالى لاند) لم يكن خطوة معزولة، بل كسرٌ متعمّد لقواعد السيادة الإفريقية، إثيوبيا تعرف أن الاعتراف بـ”صومالى لاند” يفتح لها بابًا بحريًا خارج التوازنات التقليدية، ويمنحها ورقة ضغط جديدة فى مواجهة القاهرة، ليس فقط فى ملف الملاحة، بل فى ملف مياه النيل أيضًا.

هنا تحديدًا تتقاطع المصالح مع الكيان الإسرائيلي، الذى لطالما رأى فى إثيوبيا حليفًا استراتيجيًا فى شرق إفريقيا، ومع دولة عربية تمتلك البنية الاستثمارية القادرة على تحويل الطموحات السياسية إلى واقع مادي.

إسرائيل.. نظرية “الأطراف” تعود من البحر

التحرك الإسرائيلى تجاه صومالى لاند هو إحياء لنظرية ديفيد بن جوريون (أحد مؤسسى الكيان الإسرائيلى وأول رئيس للوزراء)، والتى تُسمّى شدّ الأطراف، أو ما تُعرف أيضًا بـ”نظرية الأطراف”، وهى محاصرة العرب ومصر من الأطراف، ولكن هذه المرة بصيغة بحرية. فلم تعد الأطراف هى إيران الشاه أو تركيا الكمالية، بل موانئ، وجزر، وسواحل تطل على أهم الممرات الملاحية فى العالم.

بعد صدمة السابع من أكتوبر عام 2023م، والهجمات الحوثية على السفن الإسرائيلية فى البحر الأحمر، أدركت تل أبيب أن البحر الأحمر لم يعد فضاءً آمنًا، فما حدث كان بمثابة إنذار لها بهشاشة عمقها الاستراتيجى فى البحر الأحمر، وأثبت أن ميناء إيلات يمكن أن يكون عرضة للشلل الكامل بقرار سياسى أو عسكرى من خارج المعادلة الإسرائيلية المباشرة، من هنا، برزت الحاجة إلى نقاط ارتكاز مستقلة قادرة على تأمين مرور السفن الإسرائيلية والمواد الحيوية، ومن هنا أيضًا انخرط الموساد الإسرائيلى فى صومالى لاند، وأقام علاقات سرية مع شخصيات سياسية رفيعة المستوى، وعُقدت اجتماعات بين رؤساء أجهزة الاستخبارات ومسؤولين من صومالى لاند، وهو ما مهّد الطريق نحو اعتراف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بهذا الإقليم الصومالى كأول اعتراف فى العالم بهذا الإقليم كدولة مستقلة، مبررًا هذا الاعتراف بالسعى لتحقيق الاستقرار فى البحر الأحمر والتعاون فى مكافحة الإرهاب الحوثي.

رأس المال حين يصبح أداة جيوسياسية

لا يمكن تجاهل دور إحدى الدول العربية فى معادلة صومالى لاند. فهذه الدولة العربية، عبر استثمارات الموانئ وسلاسل الإمداد، تحولت من فاعل اقتصادى إلى لاعب جيوسياسى كامل الأدوات.

ميناء بربرة ليس مشروعًا تجاريًا بريئًا، بل حلقة فى شبكة موانئ تمتد من خليج عمان إلى القرن الإفريقى هذه الشبكة، حين تتقاطع مع الطموح الإثيوبى والاحتياج الإسرائيلي، تصنع واقعًا جديدًا فى البحر الأحمر، يتجاوز فكرة “الاستثمار” إلى إعادة توزيع النفوذ.

هذه الدولة العربية النافذة لا تعلن اعترافًا سياسيًا، لكنها تخلق وقائع اقتصادية تجعل الاعتراف لاحقًا أمرًا “منطقيًا” فى الخطاب الدولي. هنا تكمن الخطورة: السياسة تُمرر عبر الاقتصاد، والخرائط يُعاد رسمها عبر عقود تشغيل لا عبر اتفاقيات سلام.

مصر..  قراءة مبكرة وخطوط حمراء واضحة

على عكس كثير من العواصم، لم تتعامل القاهرة مع ملف صومالى لاند بوصفه هامشيًا، الموقف المصرى جاء صارمًا ومتعدد المستويات، إدراكًا منها أن المسألة تمس جوهر الأمن القومي، وأن البحر الأحمر لم يعد مجرد عمق استراتيجى هادئ، بل أصبح الجبهة الأولى لحماية السيادة المصرية.

البيان المصرى التركى الجيبوتى لم يكن مجرد تنسيق دبلوماسي، بل إشارة تحذير إقليمى بأن العبث بأمن البحر الأحمر خط أحمر. ودخول أنقرة وجيبوتى على الخط يعكس وعيًا بأن القضية ليست صومالية فقط، بل تتعلق بمصير ممرات عالمية.

كذلك، جاء بيان الدول العربية والإسلامية والإفريقية العابرة للأقاليم ليؤكد رفض المساس بوحدة الصومال، ويغلق – نظريًا – الباب أمام شرعنة الانفصال. هذه البيانات تعكس قيادة مصرية واعية لمعركة النفس الطويل، وتشير إلى محور كبير يتشكل فى مواجهة العبث فى شرق القارة الأفريقية وجنوب البحر الأحمر.

القاهرة لا ترفع الصوت عبثًا، بل تبنى شبكة ردع سياسية وقانونية، تدرك أن الصراع هنا ليس عسكريًا فى جوهره، بل صراع خرائط ونفوذ.

البحر الأحمر..  من عمق استراتيجى إلى ساحة صراع مفتوح

التحركات حول صومالى لاند تؤكد أن البحر الأحمر لم يعد “ممرًا”، بل ساحة مواجهة صامتة. من يسيطر على مداخله الجنوبية، يمتلك قدرة غير مباشرة على التأثير فى قناة السويس، شريان الاقتصاد المصري، وتطويقها من الجنوب، وبالتالى محاولة “خنق” مصر عبر البحر.

التهديد لا يتمثل فى إغلاق القناة، بل فى خلق مسارات بديلة، وتقويض مركزية الدور المصري، وتحويل الملاحة إلى ورقة ضغط سياسية..وهنا، يصبح التحالف الإثيوبى الإسرائيلى “كماشة استراتيجية” تضغط على مصر من الجنوب، بالتوازى مع ضغوط ملفات أخرى شمالًا وشرقًا.

تفكيك الجغرافيا.. خطر يتجاوز الصومال

تشجيع انفصال صومالى لاند يفتح بابًا خطيرًا فى إفريقيا والشرق الأوسط. إذا أصبح “الاستقرار” مبررًا للانفصال، فإن دولًا كثيرة مرشحة للتفكك. هذا النموذج يخدم القوى التى تفضّل التعامل مع كيانات صغيرة وظيفية، لا دول مركزية ذات سيادة.

إسرائيل تفهم هذه المعادلة جيدًا، وإثيوبيا ترى فيها فرصة تاريخية، ودولة عربية تشارك فى تنفيذها. أما مصر، فترى فيها تهديدًا وجوديًا لمنظومة الدولة الوطنية.

معركة الوعى قبل معركة النفوذ

الاعتراف بصومالى لاند من جانب دول أخرى  – إن تم – لن يكون انتصارًا دبلوماسيًا للكيان الإسرائيلي، بل حلقة فى صراع طويل على هوية البحر الأحمر. المعركة الحقيقية ليست فى هرجيسا، بل فى القاهرة، وفى قدرة الدولة المصرية على حماية دورها التاريخى من التفريغ البطيء، والحفاظ على أمنها القومى بعيدًا عن المخاطر المحدقة به، ومنع خطة تهجير فلسطينيى غزة إلى صومالى لاند.

ما يجرى هو اختبار للإرادة، لا للنوايا، وفى عالم تُصنع فيه الوقائع قبل الاعتراف بها، تبقى اليقظة المصرية السياسية والاستراتيجية هى خط الدفاع الأول عن قناة السويس، وعن فكرة الدولة، وعن معنى السيادة فى زمن “هندسة الفراغ” ومحاولات إعادة رسم الخرائط فى الإقليم .

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية