ثقافة القطيع… ودرس مريم
ثقافة القطيع تسهّل على الناس اتخاذ القرار؛ أن تنضم إلى الجمع، أن تفعل ما يفعله الآخرون، أن تردد ما يقوله الموروث دون تفكير. لكنها في الوقت ذاته تُكبّل العقول، وتمنعها من البحث عن طريق جديد.
عندما وُلدت مريم بإعاقة سمعية، كان الطريق المرسوم أمامي واضحًا في نظر المجتمع: لغة الإشارة هي الحل، ومن لا يسمع لا يمكن أن يتكلم.. هكذا قالوا، وهكذا ساروا. لكنني رفضت أن أكون مجرد تابع.
لم يكن القرار سهلًا. مواجهة الموروث أشد قسوة من مواجهة الإعاقة ذاتها. لكنني اخترت أن أؤمن بأن للصوت فرصة، وأن الكلام ليس مستحيلًا. كان ذلك خيارًا صعبًا، بدا للبعض ضربًا من العناد.
اليوم، بعد خمسة وثلاثين عامًا، أثبتت الأيام أن الخروج من صف القطيع لم يكن تمردًا عبثيًا. التكنولوجيا سبقت الموروث: أجهزة سمعية متطورة تفتح نوافذ جديدة، والتشخيص المبكر أصبح مفتاحًا للنجاح. لم تعد المقولة القديمة “من لا يسمع لا يتكلم” سوى شاهد على جمود التفكير.
وهنا تكمن المفارقة: لو استسلمتُ يومها، لبقيت مريم حبيسة الصمت، ولربما عاشت حياتها على هامش المجتمع. لكن الإصرار على كسر القيد أثبت أن الاختلاف ليس خطأً بل خيارًا، وأن العناد أحيانًا هو الوجه الآخر للحب.
إن التجارب الفردية، حين تخرج من أسرها الخاص، تصبح دروسًا عامة للأسر الأخرى، ورسالة إلى كل من يواجه ضغط الموروث أن الطريق البديل قد يكون الأصوب، ولو بدا في البداية محفوفًا بالعزلة والاتهام.
والأجمل من كل ذلك أن الحياة منحتني الدليل الحي: مريم. هي ليست مجرد ابنة، بل رسالة. صوتها اليوم يملأ الدنيا وضوحًا ودفئًا، بعدما أراد البعض أن يحكموا عليه بالصمت. مريم ليست وحدها من انتصرت، بل نحن جميعًا حين آمنا أن الحب والإصرار قادران على صنع المعجزات.
ثقافة القطيع قد تُغري بالراحة والانسياق، لكن القلوب الشجاعة تعرف أن الأمل يولد حين نجرؤ على الاختلاف.. ومريم هي أجمل شهادة على أن هذا الاختلاف قد يكتب للإنسان معنى جديدًا للحياة.
* كاتب ومحلل سياسي بحرينى.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
