حديث الأربعاء
اصطفانا فأورثنا الكتاب تشريفا وتكليفا
كثيرا ما تستوقفني آية من آيات الذكر الحكيم، اتأملها تأمل المحبين للقرآن الكريم، وليس تأمل المتخصصين الباحثين في مسائل علوم القرآن والسنة. استوقفتني آية الاصطفاء، الآية التي يجب على كل مسلم تأمُلَها وتدبُّرَ معانيها ومفهومها، ولا بأس أن يعود لبعض ما كتبه المفسرون وشرحَه الشارحون، حتى يُلم بالمعنى الكُلِّي للآية الكريمة، ومن ثم عندما يقرأُها فيما بعد تبدو في ذهنه واضحة ومفهومة..
الآية التي اخترتها لتكون موضوع المقال الذي بين أيديكم الكريمة؛ هي آية مبشرة بالخير لعموم المؤمنين الموحدين، الآية الثانية والثلاثون من سورة فاطر حيث يقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ (فاطر32)..
لقد اصطفى الله -سبحانه وتعالى- عباده المؤمنين واختارهم واستخلصهم من فأورثهم خير إرث وأعظم تركة، أورثهم كتابا لا ريب فيه ولا شك، كتابا فيه هُدى للناس، وبيِّنات من الهدى والفرقان، أنزله قرآنا عربيا بلسان عربي مبين، فجاء تبيانا لكل شيء لننتفع بهداياته ونسترشد بتوجيهاته ونعمل بأوامره ونتجنب نواهيه..
هذا الاصطفاء كان إكراما من الله لخير أمة أُخرجَت للناس، أمة محمد التي اصطفاها الله فجعلها أمة وسطا، أمة معتدلة رغم تطرف بعض المتشددين، أمة رحيمة رغم إرهاب بعض المغسولة أدمغتهم.
هذا الاصطفاء لم يكن تكريما وتشريفا فقط؛ بل هو في الوقت ذاته حثٌّ لهؤلاء المصطَفين على تحمُّل مسئولية اصطفائهم، فهو تشريف يتبعه تكليف، واصطفاء يستوجب عملا وأداءً وطاعة.. في الآية الكريمة يذكر الله درجات عباده الذين أورثهم الكتاب الكريم فقسَّمهم إلى ثلاثة فئات فقال تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}..
ثلاثة أصناف من الموحدين تفاوتت مراتبهم وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسطٌ من وراثته.. جاء القسم الأول في قوله تعالى: "فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِه" وهو الظالم لنفسه بالمعاصي التي غلبت فضائله، لذلك رجحت سيّئاته على حسناته، وهذا الصنف قال عنه المفسرون: "لا ييأس الظالم لنفسه من رحمة ربِّه ما دام معه أصلُ الإيمان، فإن الاصطفاء يَشمَله، فليحرص على مداومة الاستغفار، وترك ظلمه حتى يعلوَ حظُّه في درجات الاصطفاء العليا"..
وقيل عن الظالم لنفسه أيضا إنه الذاكر الله بلسانه فقط، هو صاحب الأقوال قليل الأفعال، وهو الذي يعبد الله على الغفلة والعادة.. أما عن القسم الثاني فجاء في قوله تعالى: "وَمِنْهُم مُّقْتَصِد" وهو المقتصر على ما يجب عليه، المؤدي للواجبات، المجتنب للمحرمات، وهو الذاكر بقلبه، صاحب الأفعال العارف الصابر على البلاء، الذي يعبد ربه على الرغبة والرهبة..
ثم يأتي القسم الثالث قال الله عنهم: "وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ" وهم من زادت حسناتهم على سيئاتهم حين سارع في الحسنات واجتهد، فسبق غيره، وهو المؤدي للفرائض، المُكثر من النوافل، التارك لكل مُحَرَّم، مجتهد في الأعمال الصالحة، فَرضِها ونفلها، لا ينسى الله أبدا، هو الشكور المحب الذي يعبد الله على الهيبة، بعد أن استغنى بربه عن كل شيء..
وكل ذلك بإذن الله فقوله تعالى: "بِإِذْنِ اللَّهِ" راجع إلى السابق إلى الخيرات، لئلا يغتَّر بعمله، بل ما سبق إلى الخيرات إلا بتوفيق اللّه تعالى ومعونته وإرادته وفضله.
ولعل الحكمة في مجيء هذه الأقسام بهذا الترتيب مع التقديم والتأخير -كما يذكر بعض المفسرين-؛ إن الظالمين لأنفسهم أكثر الأقسام عددا، ويليهم المقتصدون، وبعدهم جاء السابقون بالخيرات، كما قال -تبارك وتعالى- "وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ"، فالتقديم في الذكر لا يقتضي تشريفا؛ كقوله تعالى: “لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ”..
لذلك قُدِّم الظالم لتأكيد الرجاء في حقه، إذ ليس له شيء يتكل عليه إلا رحمة ربه، واتكل المقتصد على حسن ظنه، والسابق على طاعته..
وقيل: قُدِّم الظالم لئلا ييأس من رحمة الله، وأخر السابق لئلا يُعجَب بعمله.. وقيل: قُدِّم الظالم ليخبر أنه لا يتقرب إليه إلا بصرف رحمته وكرمه، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفائية، ثم جاء بعد الظالم بالمقتصد لأنه بين الخوف والرجاء، ثم ختم بالسابق لئلا يأمن أحد مكر الله، وثلاثتهم شملتهم رحمة الله ومغفرته بإذنه وبفضله العظيم..
ثم يختم الله قوله في الآية الكريمة يقول تعالى: "ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِير"، أي: وراثة الكتاب الجليل، لمن اصطفى تعالى من عباده ؛هو الفضل الكبير المتمثل في وراثة هذا الكتاب، لذلك هم جميعا في الجنة بحرمة كلمة الإخلاص: لا إله إلا الله محمد رسول الله..
وهذا ما تؤكده الآية الكريمة حيث يقول تعالى:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:(53)) وقد أجمع الكثير من العلماء على أن هذه الآية هي أرجى آية في القرآن، وذلك لما تحمله من رحمة واسعة ومغفرة شاملة.
Nasserkhkh69@yahoo.com
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
