حديث الأربعاء
الثانوية العامة دمار أعصاب وحلم كذاب
أصبحت الثانوية العامة أكبر حدث يكشف -في كل عام- عن مدى السطحية، والسلبية، والظلم، وسوء التقدير، والكثير من المآسي، ليس في شهر واحد من السنة، بل على مدار الاثني عشر شهرا.. تبدأ القصة من الآن عندما يتسابق الطلبة على حجز الدروس في السناتر ومع مدرسين خصوصيين..
فلقد جرت العادة السيئة والمؤسفة على أنه لا مدرسة تفتح أبوابها للطلبة، ولا تجد مدرسين يكلفون خاطرهم ويحللون مرتباتهم ويداومون على الحضور ويؤدوا واجبهم وعملهم، ولا موجه المادة يراقب ويعاقب، ولا ضمير يستيقظ من غفلته ويحارب، وهذا واقع المرحلة الثانوية من الصف الأول وحتى الثالث.
وتمر الأيام والشهور ومن سنتر لسنتر ومن بيت لبيت ومن كتاب لكتاب ومن ملزمة لملزمة ومن كود لكود، ثم يتحول البيت إلى معسكر يترقب الجميع هذا الغزو المحتوم والقدر المكتوب، ثم تتوالى الضربات على كاهل الأسرة التي عصفت بها الريح من كل حدب وصوب، الأسرة التي لا تكاد تخرج من أزمة حتى تتوالى عليها الأزمات، في ظل طاحونة الغلاء، والأسعار المتوحشة، والفواتير الضارية..
لكن كل ذلك يهون على الأب والأم مقابل ما يطلبه ابنهم أو بنتهم، وما يطلبه المستر والميس والسنتر، والملبس والمأكل والمشرب والنت والكتاب والملزمة، يتحول المنزل إلى معسكر تدريب ليستعد لمواجهة الثانوية العامة، ويبقى الحلم الجميل محاصرا بالقلق والتوتر والدعوات مع كل صلاة ومع الشروق وعند الغروب.
وتمر الأيام بساعاتها والشهور بأسابيعها، ويأتي جدول الامتحانات وننتظر جميعا لحظة الانطلاق. وتدور عقارب الساعة وكأنها تدك أعصابنا دكا من أول يوم امتحان وحتى آخر يوم، كل ذلك في شهر يوليو الحار الملتهب ليتواكب مع حرارة وسخونة الحدث..
يدخل الطالب والطالبة اللجنة بعد أن ودَّع أبويه، أحدهما أو كلاهما خارج اللجنة، وتمر الثلاث ساعات وكأنهم ثلاثة أيام عجاب، تمر بكل ثقلها على أوتار الأمل والأعصاب، ثم تتجاور على مقاعدها الأمهات، وتدور اسطوانات الحكايا المصرية، وتتعالى الثرثرة، ويتصبب العرق، ويتراجع الظل، وتقترب الظهيرة، وما أن تدق ساعة النهاية حتى يتلاحق الجميع مهرولين ومهرولات في اتجاه البوابة..
وما أن تبدأ الطلبة في الخروج، وعلى ملامح وجوههم تبدو الأخبار، هذا متجهم وآخر يبتسم، وذاك في جفنه دمعة عصية تستحي أن يراها زملاؤه، إذن الامتحان لم يكن سهلا ولم يكن صعبا، وهكذا تتضارب الأقوال وتختلف التعليقات من الشباب والفتيات.
وعند لجنة البنات ووسط الجموع تجد الأم مندفعة تتلفت يمينا ويسارا حتى يزيغ بصرها، وتتسارع ضربات قلبها حتى تقع عينها على وجه ابنتها، فإذا رأت الضحكة على وجه البنت ضحكت الأم وهدأت واطمأن قلبها، وإذا كان غير ذلك ؛ فحزنٌ واكتئابٌ وصمتً تكاد تقطعه أصوات ضربات القلب..
لكن تفتح الأم ذراعيها لترتمي ابنتها بين أحضانها، تقبلها وتربُت على كتفها، ثم تصطحبها للبيت استعدادا للمادة المقبلة، وهلم جرا حتى آخر مادة، ولا أحد يدري أشر أُريد بأولادنا، أم أراد بهم الوزير خيرا، فلا تسمع سوى حسبنا الله ونعم الوكيل.
هذا المشهد يتكرر حرفيا عند كل خروج من كل امتحان ثانوي عام.. لهفة وترقب وقلق وتوتر ثم فرحة وابتهاج أو بؤس وانهيار وإحباط، ومشاعر متفاوتة قَلَّ أن تجد لها مثيلا في أي دولة غير مصر.. ولا عجب فهذه العاطفة المصرية الجيّاشة، عاطفة هشة لكنها تفوق كل منطق، وكل تفكير عقلاني أو قراءة واقعية لما يحدث.
تنتهي الامتحانات لتدخل الأسرة في مرحلة ترقب النتيجة، ومزيد من القلق والتوتر كلما اقترب اليوم وكأنه اليوم الموعود، يوم الساعة ويوم الحساب إما جنة وإما نار، كل فرحة تظل مرهونة بالنتيجة، وما سيكشف عنه هذا الحدث الجلل.
ثم تفاجئنا بحور النتيجة بما لا تشتهي السفن، وبما لم يكن متوقعا سواء الدرجات المرتفعة لطلبة لم يكن أحد يتوقع حتى أن تنجح بنسبة الخمسين بالمئة، في مقابل نتيجة مخزية لطلبة مشهود لهم بالنباهة والشطارة والتفوق طيلة السنوات السابقة للشهادة الثانوية.
بكاء ونحيل في أغلب البيوت يعضون النواجذ ندما وألما، ومزيد من حالات الإغماء والهستيريا وفوبيا المستقبل المجهول، تُغلق الأبواب وتنطفئ الأنوار ويعم الظلام، وتنكفئ الاسرة كلٌ على حدة يتوسل النوم ويستجدي النعاس حتى صباح اليوم التالي للنتيجة.
ثم تبدأ أخبار التنسيق والمرحلة الأولى لتكتمل الأحزان فتقشعر الجيوب والأبدان وتتوالى المآسي، حين تتيقن الأغلبية أن حظها في كليات الجامعات الحكومية يعادل الصفر قبول، لينطلق بعض أولياء الأمور جريا خلف روابط التسجيل في الجامعات الخاصة والأهلية، في مقابل الأغلبية التي لا تملك الحد الأدنى من تكلفة الخاص والأهلي. فما لهم غير المعاهد العليا والمتوسطة، والتي أرى أن شهاداتها لا تُسمن ولا تغني من جوع، مجرد شهادة تعادل البكالوريوس والسلام..
والنتيجة مزيد من خريجي الجامعات من أغلب التخصصات، ومزيد من المتاهات، تجدهم يلهثون خلف فرصة العمل الضئيلة مسبقا، وكم من دفعات سابقة تراكم بعضها فوق بعض، أعدادا وأعداد، حتى تخطى معدل بطالة الشباب حد الزمان والأحلام، إلا من كان له ظهير ذات منصب ودلال.
وعن سماسرة الوظائف حدِّث ولا حرج من يسوِّقون الوظائف، وكل مجال وله تسعيرة، ولكل موقع حديث وتفصيلة.. ولا عجب فما زالت المنظومة التعليمية لدينا في حاجة ماسة وضرورة ملحة لإعادة تنظيمها وترتيب أوراقها بعيدا عن مافيا التعليم الخاص.. وهكذا تظل الثانوية العامة سبب الغُمة السنوية، والغُصة الموسمية للأسرة المصرية.
تنويه: بدأ حجز الدروس الخصوصية والبداية من شهر أغسطس! لقد أسمعت لو ناديت حيًا، ولكن لا حياة لمن تنادي.
nasserkhkh69@yahoo.com
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
