هكذا تربينا.. فكيف نربي أولادنا؟!
أكثر مشاكل زماننا تعود لسوء التربية، أو غياب الوعي بالتربية السليمة، فالأبوة ليست فقط توفير المأكل والمشرب والمسكن والرعاية الصحية وغيرها من تكاليف الحياة بل هي حنان وقدوة، احتضان وتوجيه، ترغيب وترهيب، وهي مراحل يفضي بعضها إلى بعض “لاعبه سبعًا، وصاحبه سبعًا ثم اترك حبله على غاربه” كما يقولون، فتلك سن لا ينقع فيها تأديب بل النصح والإرشاد.. هكذا ربانا آباؤنا فكيف نربي أبناءنا؟!
ليست التربية دائمًا كم يعتقد البعض صوتًا مرتفعًا، ولا توجيهًا مباشرًا يتكرر كل يوم. أحيانًا، يحتاج الأبناء إلى حضور صامت، يروننا فيه دون أن يسمعونا، ويشعرون بأماننا دون أن يثقلهم تدخلنا. أن نكون ظلًا حنونًا لا قيدًا، وأن نملك من الحكمة ما يجعلنا نُصغي دون مقاطعة، ونراقب دون ملاحقة، وننتظر دون استعجال.
فليست كل لحظة تستدعي تعقيبًا، ولا كل زلة تحتاج إلى تصحيح فوري. بعض الأخطاء تربي أكثر مما يفعل التوبيخ، وبعض الصمت يعلّم أكثر من ألف كلمة.
القرآن الكريم ضرب أعظم الأمثلة في ترك مساحة للإنسان كي يختار، ويُخطئ، ويتعلم. يقول الله عز وجل: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وهي قمة البيان في احترام حرية الإنسان حتى في أعظم القرارات. فكيف لا نحترم في أبنائنا حق التجربة والخطأ؟ وكيف نضيق عليهم في تفاصيل الحياة ونحن الذين نخطئ ونتعلم حتى المشيب؟
لقد ربّى النبي ﷺ أصحابه وأمته بالرحمة، فكان يسعهم صدره، ويصبر على جهلهم، ويعلّمهم بلين لا بقسوة، وبرفق لا بعنف. قال ﷺ: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه" [رواه مسلم].
أما الحضور الصامت فليس غيابًا عن الدور، بل هو إدراك عميق لمعنى الرعاية. أن تكون قريبًا بما يكفي ليشعروا بالأمان، وبعيدًا بما يسمح لهم بالنمو. وكما قال أحد السلف: "ليس الفقيه من عرف الخير من الشر، ولكن من عرف خير الخيرين وشر الشرين"، فكذلك المربي الحصيف هو من يعرف متى يتدخل ومتى يصمت، متى يربّي بالفعل ومتى يربّي بالسكوت.
وقد أبدع الشعراء في وصف هذا التوازن الإنساني الرفيع، فقال الشاعر:
إذا كنت في كل الأمور معاتبًا صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعِشْ واحدًا أو صِلْ أخاك فإنه مقارفُ ذنبٍ مرةً ومجانبه
وهكذا الأبناء، لا تصفو نفوسهم ولا تستقيم طباعهم إلا إذا أُعطوا مساحة للتجريب، والتعثر، والتصويب الذاتي، فكما قالوا: "من لم تربيه الحياة، ربّاه الخطأ". وليس في التربية ما يُخيف إن تخللها الصمت، بل إن الصمت في بعض اللحظات هو أقوى أدوات التهذيب وأكثرها رسوخًا.
إن الأبوة والأمومة ليستا بالسيطرة الكاملة، ولا بالتوجيه المتواصل، بل بخلق بيئة من الثقة والسكينة، نراقبها من بعيد، ونتدخل عند الحاجة، ونساند دون أن نفرض. وهذه الثقة تفتح للابن نافذة على العالم، وتجعل من الخطأ معلمًا، ومن التجربة زادًا، ومن الحياة نفسها مربّيًا حكيمًا.
يقول الله تعالى في وصية لقمان لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ﴾ [لقمان: 16]، في هذه الآية تربية بالهدوء، وبالمنطق، وبالتأمل، لا بالزجر. هذا هو الدرس الكبير: أن نربي أبناءنا بثقة، وأن نكون لهم ظهرًا لا عبئًا، ومأوى لا سيفًا، وأن نترك لبعض الأخطاء دورًا في تهذيب نفوسهم، دون أن نُشعرهم بأن كل ما يفعلونه تحت المجهر.
التربية في جوهرها ليست فرضًا دائمًا للرأي، بل هي فنّ المسافة، أن تكون قريبًا بما يكفي للحب، وبعيدًا بما يكفي للحكمة. وهذا هو الحضور التربوي الحقيقي: صمت يعلم، واحتواء لا يُقيد، وثقة تُثمر رجالًا ونساء يعرفون كيف يسيرون وحدهم.. لأنهم لطالما شعروا بظلّ آبائهم وأمهاتهم من خلفهم، لا فوق رؤوسهم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
