رئيس التحرير
عصام كامل

مشاهد من الحياة

المشهد الأول:

طفل صغير يبدو من ملامحه أنه فى عمره الثاني عشر، يجلس فى عربة المترو، يحمل حقيبته المدرسية، ودخل إلى العربة رجل فى الخمسين من العمر تقرييا، وقف أمام الولد، فقام الصغير احتراما للكبير، وكنت أقف متابعا المشهد، وجاء الصغير ليقف إلى جوارى مستندا على الباب، ويبدو أن شدة الإرهاق جعلته يستند على ذراعى ويذهب فى غفوة بسيطة.

 

 

وفجأة يبدو أن قدمي الولد الصغير لم تقويا على حمله فسقط على الأرض نائما، ثم أفاق ونهض مسرعا ينفض ملابسه، يحاول الاستناد على مقبض الباب، فأخبرت الحاضرين بأنه نهض لهذا الرجل الكبير ويبدو أنه مرهق للغاية، من اليوم الدراسي ويغالبه النوم، فنهض له أحد الجالسين، وما بين رفض الولد الجلوس، قائلا: «مايصحش ياعمو» ، وإصرار الرجل: «اقعد انت زى ابنى»، انصاع الولد لرغبة الرجل وجلس، ليخلد بعدها إلى النوم  سريعا.

 

اقرأ أيضا: المتنمرون

 

المشهد الثانى :

 

شاب فى عمر 18 أو 20 سنة تقريبا يجلس بجوار والدته فى المترو، ودخلت العربة سيدة مسنة لتقف أمامه مباشرة، فنهض من فوره وأجلسها ، عقبت والدته على هذا التصرف بالدعاء له: «ربنا يكرمك ويشفيك يابني»، سألتها السيدة المسنة: «هو تعبان يا بنتى؟»، ردت والدته: «ربنا يشفيه عنده المرض الخبيث»، لترد السيدة المسنة: «أنا هاقوم يابنتى مش هاشيل ذنبه خليه يعقد هو أولى منى يستريح حرام هو وقف ليه».

 

 

دار هذا الحوار أمام الشاب الذى رفض تماما العودة إلى المقعد، مصرا أن تجلس السيدة المسنة وألا تنهض، فرددت السيدة الدعاء له ولوالدته التى أحسنت تربيته.

 

 

المشهد الثالث

أب فى الأربعينيات دخل عربة المترو، يحمل ابنه البالغ من العمر تقريبا 15 سنة أو أكثر على كتفه، ويعانى الابن تأخرا ذهنيا وإعاقة حركية.

 

اقرأ ايضا: يا حبيبي

 

قام أحد الرجال مفسحا له المكان للجلوس، جلس وارتاح، وكان على وجهه ملامح التعب والإجهاد واضحة، ثم جلس يتحسس شعر ابنه ويمسح بيده عليه وهو يقبله ويقبل رأسه ويديه، ويربت على ظهره فى حنان بالغ، فى مشهد جعل الجميع يغرقون فى صمت تام، بل منا من لم يقدرعلى مغالبة دموعه.

 

المشهد الرابع

بائع في المترو يبيع ما قيمته أربعة جنيهات أعطيته خمسة فبحث عن الباقي في جيبه لم يجد، أدركت حرجه، وأخبرته أني متنازل عن هذا الجنيه، وجدته غادرني فجأة وظل يبحث بين الركاب عن فكة الخمسة جنيهات، ولم يهدأ له بال إلا بعد أن أعاده لي رغم مسامحتي له، مرددا: «الحمد لله أنا آخد حقي وأنت تاخد حقك، لأن دي مشكلتي أنا، وربنا يجملها بالرضا ومن غير طمع».

 

اقرأ أيضا: اعترافات مؤجلة

 

شكرت الرجل على أمانته وحرصه، وكان الركاب بجواري يتابعون المشهد، ومن ثم بادروا بالشراء منه، بعد أن أدركوا أمانته ورغبته في المكسب الحلال.

 

المشهد الخامس

شابة ترتدى ملابس راقية، تحمل على ظهرها حقيبة كبيرة، دخلت عربة المترو: «مساء الخير، معايا عسلية الواحدة بجنيه»، ناداها أحد الجلوس: «تعالى يابنتى، هاتى 2، وأعطاها 5 جنيهات رافضا استرداد الباقى، إلا أن الفتاة أصرت على إرجاعه، قائلة: «انا بيبع والله يا عمو ومش بشحت، ألف شكر لحضرتك، مش عايزة أكتر من حقى»، ونزلت تصحبها دعوات حضور الموقف بالستر وسعة الرزق.

 

واقرأ أيضا: اشتباه

 

مشاهد مختلفة من حياتنا وواقعنا، تتشكل فيها لوحات رائعة لمجموعة من السلوكيات الجميلة، ما بين شهامة، وعطف، وقناعة، ورضا، وسعى وتوكل، ورفق ولطف، واحترام، سلوكيات بتنا نحتاج إلى تأصيلها فى أنفسنا، وفى أولادنا، فالناس للناس، والسلوك الجميل الطيب يسعد النفس ويهذبها.. فلنصنع ما نستطيع به القول دائما: «لسه الدنيا بخير»

 

الجريدة الرسمية