رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المتنمرون


كنت في أيام دراستى الثانوية، وحينما خط في وجهى وأوجه رفقاء المدرسة، ملامح الفتوة والرجولة، بشارب صغير، كمثل خط القلم، نتباهى به بالقوة والعنفوان والقدرة على إيلام الغير، بلا أي وازع من رحمة، وبدافع تسلط شيطان المراهقة، التي قد تؤلم وتوجع وتضرب نفسا وتهزمها في مقتل.


منذ بداية العام الدراسي الماضي، شكا لى ابنى من أن التزام صديق له بالأدب مع زملائه، أصبح يجلب عليه المتاعب، والسخرية نظرا للطيبة الزائدة، إلى حد جعل بعض الزملاء يبتكرون لصديق ابنى سبل الاستخفاف والمزاح الثقيل، وهو ما كاد يدفع به لكراهية نفسه وضعفه، وكراهية الدراسة والمدرسة، جراء تلك التصرفات.

وجاء ابنى يستشيرني في ضيق، يشكو هذه التصرفات التي تخلو من الأخلاق، لطلاب في سن صغيرة، رافضا الإساءة إلى هذا الصديق الطيب، رغم أنه حاول دعوة زملائه في الفصل لتعديل سلوكهم مع هذا الصديق إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل.

ذكّرت ابنى بما كان لى عندما واجهت تلك المشكلات، وأنا في مثل عمره، إلى أن اضطررت لمبادلتهم هذا المزاح الغبي الثقيل، بنوع من الرذالة والاستعلاء والبطش، حتى توقفوا عن هذه الاستفزازات، وأصبح كل منا في حال سبيله ملتزما، لا يجرؤ على المساس بزميله، بعد أن فطن إلى قوته وقدرته على الرد والتعامل مع الأذى.

وفعليا ذهب ابنى إلى المدرسة، وأملى على صديقه ما قلته له، ونفذ هذا الصديق حرفيا ما أخبرت ابنى به في حدود الأدب والرد بالخلق على أي إساءة، مع الجدية والصرامة في القول، بلا خوف أو انصياع لأحد، وهو ما قلب الأمور رأسا على عقب، فألزم زملاءه باحترامه، كونه لا يحب المزاح وفى حاله، لكنه أيضا يستطيع الرد على أي أذى يتعرض له، وبقوة.

يطلق على هذا السلوك الآن، اسم «التنمر»، وهو كما عرّفه الباحث النرويجي «دان أولويس» بأنه عبارة عن تعرض شخص بشكل متكرر وعلى مدار الوقت إلى الأفعال السلبية من جانب واحد، أو أكثر من الأشخاص الآخرين، وهو شكل من أشكال المضايقات التي يرتكبها المسيء الذي يمتلك قوة بدنية أو اجتماعية وهيمنة أكثر من ضحيته.

وللتنمر المدرسي، وهو المتفشي حاليا، مظاهر بحسب الباحثين في هذا المجال، فقد يكون عن طريق الضرب، أو اللكم، أو الركل، أو دفع الآخرين في الطرقات، وعلى السلالم وفي الملاعب، وقد يكون بتخريب ممتلكات الطفل، مثل سلب مصروفه، أو طعامه، أو العبث بحقيبته، أو سرقة أدواته، أو تخريبها أو إخفائها.

وقد يكون التنمر بإطلاق لقب ما على الطفل، على سبيل السخرية والاستهزاء والإغاظة، وقد يكون بالتمييز العرقي أو الديني أو السياسي، أو بنشر شائعات حوله تمس كرامته وكرامة أسرته.

البلطجة، والتسلط، والترهيب، والاستقواء، ظاهرة سلبية بدأت تغزو مدارسنا بفعل تأثيرات أفلام العنف، وهو ما دفع الصغار في طور المراهقة للتقليد الأعمى، بفرض السطوة والتنكيل بمن هو أضعف، ولا يقدر على الرد الحاسم الحازم على تلك التصرفات.

وعادة من يمارس التنمر يتميز بكونه شخصا جبانا، معتمدا على ضعف ضحيته، وعدم قدرته على الرد، فيتمادى في أفعاله وممارساته، ولو أنه وجد موقفا واحدا متصديا، لتوقف فورا، مدعيا إزاء هذا التصدى أن ما يفعله هو من قبيل «الهزار»، مستسمحا ضحيته ألا يغضب، بعد أن تحول ضحيته فعليا إلى «ندّ» له، قادرا على دفع الأذى ورد الإساءة، ووضع حدود للمعاملات الشخصية.

ولكل منا، كيف يتصرف ابنك عندما يتعرض لمحاولات التنمر من أقرانه في المدرسة؟

هناك عدة خطوات يتمكن من خلالها الابن، أن يواجه التنمر من زملائه في المدرسة، وتعتمد أولا على كونه قويا وصلبا، لا يبكى ولا يُظهر الأسى، أو التألم حتى لا تزيد الأمور سوءًا ويستمتع مؤذيه بما فعل، ولابد أن يظهر الثقة بالنفس، ويتحدث ورأسه مرفوعا للأعلى، ولا يستجيب لاستفزازات المتنمر، فهو يستسلم حينما لا يجد اهتمامًا، ولا يبادر بالشجار إلا إذا وصلت الأمور إلى الحد الذي لابد له من رد، وفى حدود الأخلاق والقانون، والاستعانة بالإدارة المدرسية، وأن يكون حازمًا في موقفه ويطلب من المعتدي التوقف عن الأذى فورا، ويواجه التعليقات السلبية بالمزاح والدعابة، وقلب الآية على المتنمر، وحتما سيتوقف فعليا عن ممارساته.

وللأسف فإن من أبرز أسباب هذه الممارسات الطلابية المنحرفة، انشغال الأسر حاليا بتلبية الاحتياجات المادية للأبناء، من مسكن وملبس ومأكل وتعليم جيد وترفيه، مقابل إهمال الدور الأهم الواجب عليهم بالنسبة للطفل أو الشاب، ألا وهو المتابعة التربوية وتقويم السلوك وتعديل الصفات السيئة والتربية الحسنة.

كما يعتبر العنف الأسري من أهم أسباب نمو التنمر، فالطفل الذي ينشأ في جو يطبعه العنف سواء بين الزوجين أو تجاه الأبناء، لابد وأن يتأثر بما شاهده، أو ما مورس عليه من قسوة وعنف، وهكذا فإن الطفل الذي يتعرض للعنف في الأسرة يميل إلى ممارسة العنف على الطلبة الأضعف في المدرسة.

لكل أب وأم، ونحن نستقبل بداية عام دراسي جديد، ربوا أولادكم على القدرة على مواجهة القُبح، بالصرامة، وبالخلق القويم، وبالمواقف الحازمة، ربوهم أقوياء الشخصية يعتزون بأنفسهم، لا يخافون أفعال البلطجة، وذلك بالتدريب على الرد المناسب في أي موقف، لدفع الضرر، والالتزام بالحدود الشخصية بين الطالب وزملائه.

ولكل أسرة تضم بين جنباتها طالبا مؤذيا لزملائه، وتغتر بما قد يمارسه، ظنا أنها علامات رجولة وقوة، علموا أبناءكم أن من يقسو على زملائه، سيسخر له الله يوما من يقسو عليه وإن طال الزمن، واستوعبوا أن قسوة أبنائكم على زملائهم، سترتد إلى قلوبكم، وبيوتكم، أضعافا مضاعفة، عندما يكبر هؤلاء، ولا يعرفون سبيلا إلى مناقشتكم، ألا بالضرب والسب... فاحذروا.
Advertisements
الجريدة الرسمية