رئيس التحرير
عصام كامل

يوسف إدريس يكتب: إذا كنا قادرين على العظمة فلماذا التفاهة

يوسف إدريس
يوسف إدريس

فى كتابه "خلو البال" كتب الدكتور يوسف إدريس نقدا لفيلم “الكرنك” الذى عرض فى السينما فى مثل هذا اليوم  24 يناير عام 1975 أخيرا شاهدت فى السينما المصرية عملا يستحق أن نتوقف عنده طويلا، ذلك العمل هو فيلم "الكرنك"وهو فيلم أراه متأخرا كثيرا.

إن مشهد اغتصاب سعاد حسنى وكأنها كل ما فى الفيلم أو ما يستحق أن يشاهد فى الفيلم، المهم ذهبت إلى السينما وجلست ومضيت حوالى الساعتين فى شبه ذهول، ذلك أنى وجدت نفسى أمام عمل رائع بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عمل أسخف مافيه هو المشهد المشهور اغتصاب سعاد حسنى، بل فنيا أضعف ما فيه.

الكرنك الفيلم له أبعاد أعمق وأمتع وأكثر أهمية ــ هذا فى الفيلم ــ أما القصة التى كتبها زميلنا سيد الرواية نجيب محفوظ فلى فيها رأى آخر سأضطر للحديث عنه ، فحين صدرت القصة وقرأتها فى حينها وجدت نفسى فى حيرة، وجدتها شبه ريبة رتاج صحفى أكثر منها حياة روائية عميقة عودنا إياها نجيب محفوظ فى معظم أعماله .. وجدتها أشياء كان يكتبها شكسبير لسد الخانة.

وجدت نفسى فى حيرة لأني وضعت نفسى مكان نجيب محفوظ ، ذلك الكاتب الذى يحيا قضايانا لحظة بلحظة يقول كلمته فنا كبيرا أحيانا وكرنكا فى أحيان أخرى.

حيرتى حين وضعت نفسى مكانه هى حيرتى حين جاءت ثورة 15 مايو وانكشف الغطاء عن هذه الفئة التى لا تدرى شيئا عما يدور فكان لا بد لكاتب ملتزم مثل محفوظ أن يقول كلمته ولكن لا هو سجن ولا عانى التجربة لكنه التزام نابع من النفس واعتقد انه تألم بعض الشئ لما نال قصته على يد بعض النقاد مثله مثل أى والد يستقبح جنينه.

لكن حين رأيت فيلم الكرنك انتهت حيرتى وقلت حسنا فعل نجيب محفوظ فلولا هذا الهيكل العظمى لرواية الكرنك حتى التى كتبت وكأنها مشروع قصة أو سيناريو ولولاه ما كان هذا العمل المروع حقا الكرنك الفيلم.

إن الكاميرا أخطر بكثير من القلم والسينما حقا هى فن العصر.. لكنها عندنا لا تفعل هذا، أنها حتى لا تلمس فوق جلد المتفرج أنه يحس بها كنوع من الهاموش المؤذى الذى يتجمع حول أضواء الكاميرا.

 

الكرنك فى رأيه المتواضع أكمل ملحمة سينمائية سياسية، السيناريو متكامل فما أبرعه ممدوح الليثى هنا وما أعمق لمسات صلاح جاهين حوارا. لأول مرة لا أرى سعاد حسنى جميلة لأنها انتقلت من مرحلة الوجه الجميل المعبر الى المعايشة الكاملة للشخصية، وهذا التعمق الخطير لنور الشريف الذى تخطى حدود السطحية، وعلى بدرخان العقل المدبر وراء الكرنك العظيم.

يوسف إدريس يكتب: معركة ضد البرد

إن ما جسده الكرنك رهيبا وموجعا ودافعا للنفس إلى الصراخ من الأعماق، فإذا كان هناك ممثلون وأفلام بهذه العظمة فلماذا التفاهة، ولماذا شويكار نفسها تؤدى هذا الأداء الرائع تفعل شيئا مثل فيفا زلاطا.

الجريدة الرسمية