رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة استراتيجية «البالطو الأبيض»..أطباء طالبوا بـ«تحسين الأوضاع القائمة».. البرلمان يرفضها ويؤكد: «قاصرة فكريًّا ولا تقدم حلولًا واقعية»..و«السعيد»: لا يمكن للج



«إنشاء كليات طب جديدة، وزيادة عدد المقبولين بتخفيض الحد الأدنى للقبول بكليات الطب ولو لمدة 10 سنوات مقبلة وتوفير رواتب مناسبة وزيادة بدل العدوى والتيسير عليهم في وسائل الانتقال»، ما سبق لا يتعدى كونه أبرز ملامح الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها وزارتا الصحة والتعليم العالى بشأن مواجهة العجز الشديد في أعداد الأطباء البشريين بالمستشفيات الحكومية وعدم وجود عدد كافٍ لخدمة ملايين المرضى المترددين على المستشفيات.


القبول المشروط
ما بين الرفض الكامل و«القبول المشروط».. تباينت ردود الفعل حول الاستراتيجية الجديدة، ففى البداية أكد الدكتور عبد العال محمد البهنسي، مؤسس المبادرة المصرية الوطنية لإصلاح القطاع الصحي أن «استراتيجية الدولة حديثا في التعامل مع نقص الأطباء بالقطاع الصحي المصري لم يحالفها الصواب، ولن تحقق الهدف المرجو منها لافتقادها الأسلوب العلمي لحل المشكلات».

«د. البهنسي» شدد أيضا على أن «مصر ليست فقيرة بالأطباء، وما يشهده القطاع الصحي نتيجة السياسات الخاطئة التي تم التعامل بها مع النظام الصحي خلال ما لا يقل عن نصف قرن من الزمان، فعدد الأطباء المسجلين بنقابة الأطباء لا يقل عن 230 ألف طبيب، وهو عدد ليس بسيطا، ولا توجد دولة في منطقة الشرق الأوسط تمتلك هذا العدد الهائل من الأطباء، كما أن الأطباء المصريين ما زالوا الركيزة الأساسية للنظم الصحية في بعض الدول العربية مثل السعودية والكويت وعمان والإمارات».

وأضاف أن «النظرة العامة للقطاع الصحي المصري لا تزال مشوشة والرؤية غير واضحة، وكل ما يثار من كلام أو أفكار أو استراتيجيات جديدة لحل مشكلات القطاع الصحي أو تطويره لا تربطها أية علاقة بالواقع، فالحديث عن تخريج دفعات استثنائية كأحد الحلول كارثة جديدة تضاف إلى سجل الكوارث السابقة التي أصبحت تسيطر على القطاع الصحى، كما أن الحديث عن زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب المصرية هو بداية نهاية سمعة مهنة الطب في مصر، لأن الأعداد الحالية تفوق إمكانيات أي جامعة، وزيادة هذه الأعداد ستكون نتيجتها حتما تخريج طبيب أكثر ضعفا مما كان عليه في السابق، ولو كان الأمر سهلا لهرعت الدول التي تعاني عجزا فادحا في الأطباء إلى تخريج أكبر عدد ممكن من أطبائها في فترة وجيزة لسد حاجة سوق العمل، ولكن ذلك لم يحدث لأن الاهتمام بجودة ومستوى الخريج أهم مليون مرة من العدد الذي قد يؤدي إلى كوارث طبية في المجتمع».

الخدمات الصحية
وتابع: إنجلترا من أقوى الأنظمة الصحية في العالم ولها خبرة كبيرة وقوية في تقديم الخدمات الصحية وتجربتها رائدة وجديرة بالدراسة من حيث التغطية الشاملة للخدمة الصحية، غير أنها حتى الآن لم تستطع سد العجز الفادح في عدد الأطباء وفى كل التخصصات مما يدفعها للاستعانة بالأطباء من خارج حدودها وتقديم تيسيرات لهم من أجل الاستمرار في المنظومة الصحية الإنجليزية، مثل التدريب والتعليم المستمر وإتاحة الفرصة للحصول على الزمالات في التخصصات المختلفة، إضافة إلى توفير أساسيات الحياة مثل المسكن وتعليم الأبناء، وهذا نوع من أنواع الاستثمار في القوى البشرية الذي نفتقده في مصر حتى وقتنا الحالى.

الاستثمار الجيد
وحول الحلول المتاحة من وجهة نظره قال « د.البهنسي»: الحل يكمن في الاستثمار الجيد في العدد المتاح من الأطباء، وإعادة التوزيع طبقا للاحتياج بدلا من اختراع العجلة وتقديم اقتراحات لا تمت للنظم الصحية بأى صلة مثل تخريج دفعات استثنائية لكليات الطب الذي سيؤدى إلى كارثة طبية بكل المقاييس وتدمير لمستوى الخريج المصري، ناهيك عن سوء السمعة التي ستلحق بكليات الطب المصرية المكتظة بالخريجين والتي تخرج ما لا يقل عن 11 ألف طبيب سنويا يدخلون لسوق العمل ولن تجد أي أثر لهم نتيجة الهجرة المتزايدة والمستمرة للأطباء هروبًا من جحيم العمل بمستشفيات الحكومية التي تفتقد إلى بيئة العمل المناسبة والتدريب العلمى والعملى المناسب والمستمر، إضافة إلى الظروف القاسية التي يعمل فيها الأطباء في مواجهة المواطنين وتحميلهم ضريبة انهيار المنظومة الصحية، وكأن الأطباء هم من دمروا المستشفيات، وهم السبب الرئيسي في نقص الأدوية والمستلزمات.

المنظومة الصحية
وأكمل: الأمر لم يقف عند الأطباء فقط فالمنظومة الصحية ليست طبيبا بل تتكون من أطباء بشريين وأسنان وصيادلة وتمريض وفنيين والكادر الإدارى المساعد والذي لا يقل دوره عن دور مقدم الخدمة الطبية، وكل فئة لها مشكلاتها الخاصة التي تختلف جذريا عن الفريق الآخر، فعلى سبيل المثال لا تزال تعتمد وزارة الصحة على خريجى مدارس التمريض أكثر من خريجى الجامعات وما زالت هذه المدارس تورد إلى سوق العمل سنويا آلاف الخريجين دون المستوى المطلوب لإنجاح المنظومة الصحية، إضافة إلى قلة أعداد التمريض الراغبين في تطوير مستواهم العلمى عن طريق الحصول على الدراسات العليا نظرًا لأن بيئة العمل لا تشجعهم على ذلك».

وأردف: ومن الحلول المقترحة أيضا تطوير كل المستشفيات الحكومية بما يواكب مستشفيات الدول المتقدمة التي تقدم خدمة صحية حقيقية داخل نظام صحى كامل مميكن وليس بطريقة عشوائية وبدائية والاهتمام ببيئة العمل للفريق الصحي وعدد ساعات العمل القانونية، والعمل على توفير الأدوية والمستلزمات التي تمكن الطبيب من تقديم الخدمة بكل سهولة ويسر دون تحميل المريض أي أعباء مالية فوق الأعباء المرضية، إلى جانب العمل على تسهيل إجراءات الحصول على الدراسات العليا للطبيب مع ارتباطه ببرنامج تدريبي علمي يضمن خريجا على أعلى مستوى علمي ومهني.

استقطاب
«د. البهنسى» أشار إلى «إمكانية وضع تصور لإعادة استقطاب الأطباء الذين سافروا للعمل في الخارج هربًا من ويلات المستشفيات الحكومية، وذلك عن طريق تحسين أوضاع الأطباء المالية والفريق الطبى بأكمله تحسينًا حقيقيا وليس عن طريق منعهم من الإجازات للعمل بالخارج وترهيبهم وتهديدهم بالفصل من الخدمة، فتلك السياسات غير العاقلة ستؤدي قطعًا لارتفاع معدلات العجز وتفاقم الأزمة، كما أنها لا يمكن أن تساهم في عودة الأطباء للعمل مرة أخرى بالمستشفيات الحكومية بالتزامن مع وقف نزيف الهجرة المستمرة في حال تحسين الأحوال».

الرواتب
على الجانب الآخر، أثنى الدكتور السعيد عبد الهادي عميد كلية الطب، جامعة المنصورة سابقا، على الاستراتيجية التي وضعتها وزارتا الصحة والتعليم العالي، مؤكدا أنها تضم بعض النقاط الجيدة منها زيادة رواتب الأطباء «فلا يعقل أن الطبيب الشاب حديث التخرج يحصل على 2000 جنيه، ولا يعقل أن الاستشاري في وزارة الصحة بعد خدمة 30 سنة لا يزيد راتبه على 6 آلاف جنيه».

«د. السعيد» شدد أيضا على أن مصر بها عدد كاف من الأطباء «ولدينا طبيب لكل 400 مواطن، ووفقا للمعدل العالمي طبيب لكل 450 مواطنا، غير أن هؤلاء الأطباء تركوا وزارة الصحة، كما أن الصورة الذهنية لدى الغالبية العظمى عند الأطباء هي أن لديهم عملا خاصا يحصلون منه على رواتب مرتفعة وفى حقيقة الأمر نسبة الذين لديهم دخل جيد من الأطباء لا يتعدى 10%».

عميد طب المنصورة أكد أن «المشكلة في أطباء وزارة الصحة، حيث يضطر الطبيب الشباب للعمل في عدة أماكن ليحصل على راتب 2000 و3000 جنيه شهريا من كل مكان، ولهذا ترتفع بينهم نسبة السفر إلى الخارج بحثًا عن فرصة عمل، والإستراتيجية الجديدة تضمنت رفع دخول الأطباء وتوفير نقطة شرطة عند كل مستشفى وجميعها أمور مهمة للغاية، والخارج ممنوع الاعتداء الطبيب أو إهانته، ولا يكون هناك تهاون عند حدوث هذا الأمر».

«د. السعيد» في سياق حديثه انتقد «عدم وجود برنامج تدريبي موحد للأطباء داخل الاستراتيجية مثلما يوجد في السعودية الهيئة العليا للتخصصات الطبية ويجب وجود مجلس طبي عام يضمن حقوق الأطباء وتدريبهم».

وتابع أنه «لا يمكن للجامعات الحكومية حاليا زيادة أعداد الأطباء بها، حتى تستطع أن تحقق معايير الجودة»، مشيرًا إلى وجود كليات حكومية سوف تستقبل طلاب من العام الجديد منها السويس ودمياط والعريش، وكذلك كليات طب خاصة في مدينتي بدر والنهضة، ومطالبًا بضرورة إنشاء كليات طب أهلية غير هادفة للربح والتي تعتبر من أقوى كليات العالم.

وفيما يتعلق بالحديث عن نقص الأطباء قال «د. السعيد»: أعداد الأطباء تكفي، وعدد المسجلين في نقابة الأطباء يكفي السوق المصرية ويزيد والمملكة العربية السعودية على بُعد ساعة من مصر تجذب الأطباء بالرواتب المرتفعة، والأمر ذاته بالنسبة للدول الأوروبية، كما أن الطبيب المصري عملة نادرة في الخارج.

الكليات الخاصة
وتابع : لا مانع من إنشاء الكليات الخاصة ولكن بشرط تطبيق معايير الجودة وتحت رقابة، وأن يكون الخريج في نفس مستوى خريج الجامعات الحكومية، مع الأخذ في الاعتبار أن تنسيق دخول كليات الطب مرتبط بالطاقة الاستيعابية للكليات ومجموع الطالب.
وفى نفس السياق قال الدكتور خالد أمين، أمين نقابة أطباء الجيزة: لا يوجد نقص في الأطباء في مصر، وعدد المسجلين كافٍ لمصر وأكثر بينما نسبة كبيرة منهم تسافر لدول الخليج وأوروبا بعد عمل شهادات معادلة.

أما فيما يتعلق باستراتيجية الحكومة لزيادة أعداد الأطباء، أشار إلى أن «الهدف من تلك الاستراتيجية زيادة عدد كليات الطب الخاصة وتحقيق مزيد من الأرباح والمحافظة على عدد الأطباء المسافرين للخارج لأنهم مصدر للدخل القومي وتوفير عملة صعبة للبلد».

وتابع: الكليات الحكومية لن تخفض تنسيق دخولها لأنها سوف تحمل نفسها عبء الإنفاق على مزيد من الطلبة، إلا أن العدد سوف يزيد من خلال كليات الطب الخاصة وتنسيقها منخفض عن التنسيق الحكومى 5%.

على الجانب الآخر لم ترق المقترحات لحل أزمة عجز الأطباء في المستشفيات لنواب لجنة الشؤون الصحية في البرلمان، حيث اعتبروا الحلول التي نصت عليها الاستراتيجية الجديدة «اختزالا للأزمة وقصورا فكريا في إيجاد حل جذري للمشكلة».

تخفيض المجموع
نواب «صحة البرلمان» أكدوا أن أعداد خريجي كليات الطب في مصر كافية، كما شددوا على أن القطاع الصحي في مصر لا يحتاج إلى كليات جديدة أو اللجوء إلى مضاعفة أعداد الخريجين من تلك الكليات، محذرين في الوقت ذاته من أن تخفيض مجموع كليات الطب يعمل على وجود أطباء غير مؤهلين، فضلا عن أن زيادة أعداد طلبة كليات الطب بدون وجود أي تدريبات فلن يكون هناك طبيب مصري مؤهل، وهو ما يتحمله في النهاية المرضى.

ومن جهته قال الدكتور محمد خليل العماري، رئيس لجنة الشؤون الصحية في مجلس النواب: أزمة عجز الأطباء في المستشفيات لن يكون حلها بزيادة أعداد خريجى كليات الطب فقط، والاستراتيجية التي تم طرحها يمكن القول عنها بأنها اختزال للأزمة، كما أن مقترح الحكومة في إطار حل هذه الأزمة لا بد أن يخضع لحوار مجتمعي بين جميع الأطراف، بما في ذلك نقابة الأطباء وأساتذة الجامعات وكذلك البرلمان.

رئيس لجنة الشؤون الصحية في البرلمان، أكد أيضا أن أبرز أزمات القطاع الصحى في مصر متمثلة في تدني أوضاع الأطباء، وهو ما يدفع العديد منهم للسفر إلى الخارج، مشددًا على أن زيادة أعداد المقبولين في كليات الطب أو إنشاء كليات جديدة ليس حلا للأزمة، ومطالبا بضرورة أن يكون هناك اهتمام بتأهيل وتدريب الأطباء والاهتمام بالأوضاع المالية للأطباء وزيادة عناصر الجذب للبقاء في مصر بدلا من البحث عن فرص للعمل في الخارج.

في حين وصف خالد الهلالي، عضو لجنة الشؤون الصحية في البرلمان، اتجاه الحكومة لزيادة أعداد خريجي كليات الطب لحل أزمة العجز العددي في الأطباء بالمستشفيات، بـ«القصور الفكري والذهني الذي يدمر قيمة الطبيب المصري».

وقال الهلالي: عرض المشكلة واجب وفرض، وفى الوقت نفسه لا بد وأن يكون العلاج بفهم، وليس بوضع حلول سهلة قد تؤدي لمشكلات أكبر، ومصر لديها ما يقرب من 240 ألف طبيب، بينهم 110 آلاف في الخارج، ومن بين الأطباء المصريين في الخارج ما يقرب من 56 ألف طبيب يتبعون وزارة الصحة، أما الباقون فأغلبهم خارج الخدمة ممن تجاوزوا السن القانونية للعمل بمستشفيات الوزارة.

وأكد عضو لجنة الصحة في مجلس النواب، أن هناك معدلا عالميا لعدد الأطباء في كل دولة، مشيرا إلى أن متوسط عدد الأطباء الموجودين في مصر مقارنة بالمتطلبات العالمية جيد، وليس في حاجة لزيادة الأعداد، وفى حال زيادة أعداد الأطباء دون تحسين الأوضاع «هنزيد المصيبة مصيبتين»، لأن زيادة العدد دون تدريب وتأهيل ستكون هناك أزمات جديدة.

واختتم حديثه بالإشارة إلى أن «حل أزمة نقص طاقم العلاج في المستشفيات يتمثل في تحسين أوضاع الأطباء والفريق المعاون، وبحث وجود عوامل جذب للأطباء للبقاء في مصر بعيدا عن البحث في فرص عمل بالخارج».

"نقلا عن العدد الورقي......"
الجريدة الرسمية