رئيس التحرير
عصام كامل

قصة ثورة أبريل 1985 في السودان.. هل يلقى البشير مصير النميري؟

فيتو

بات أبريل شهر الأحداث التي تصنع التاريخ في السودان، فقبل عقود وتحديدا يوم السادس من شهر الأزمات السياسية، خرجت جموع المواطنين هناك ضد الرئيس الرابع للبلاد جعفر النميري.

أوضاع معيشية
وبنظرة بسيطة للواقع المعيشي في تلك الفترة نجد تشابها كبيرا بين إرهاصات ثورة 6 أبريل من العام 1985، وما يحدث في ذات الشهر من العام الجاري 2019، حيث تراجعت القوة الشرائية في البلاد نتيجة الفقر المدقع وعجر الخرطوم عن تلبية احتياجات مواطنيه بسبب هيمنة رجال البلاط الحاكم على الموارد الاقتصادية.

هذا إلى جانب أزمة الخبر والكهرباء ورسوم الدراسة، أمور مجتمعة تسببت في معاناة المواطن وتسببت في حالة سخط عارم من قبل المواطنين وزادت حالات الإضراب المتواصلة من قبل عدد من النقابات العمالية في عدد من مناطق البلاد، كان أشهرها إضراب القضاة في 1982م ومن ثم كان إضراب عمال المهن الصحية الذي كان لثلاث مرات في الفترة منذ مايو 1982 حتى سبتمبر 1984م، استشعرت قطاعات كبيرة من المواطنين خطورة الأوضاع التي يعاني منها الشعب فكان تاريخ يوم 2 أبريل 1984م يومًا مشهودًا في تاريخ السودان، إذ أعلن الرئيس جعفر النميري قانون الطوارئ الذي أباح تأسيس محاكم للعدالة الناجزة لإسكات صوت المعارضين، وكان هذا القانون يهدف في المقام الأول لتحريم التجمعات والتشهير بالمعارضين عبر الإذاعة والتلفاز والصحف، وشن حملات اعتقال واسعة، فكان الأمر أشبه بتحول الدولة إلى سجن كبير، فكان شهر سبتمبر من العام 1984 بداية تحرك عدد من النقابات والأحزاب السياسية لإسقاط حكم استمر ستة عشر عامًا.

عملية يوسف
وسط حالة السخط تم الكشف عن تعاون بين الحكومة السودانية والكيان الإسرائيلي وذلك عبر ما يعرف بـ"عملية موسى" التي كانت واحدة من عمليات تهريب اليهود الإثيوبيين لإسرائيل، وهو أثار حالة من السخط العام، ورغمًا عن تكتم الحكومة على عملية تهريب اليهود الفلاشا لإسرائيل، إلا أن الصحف العالمية ووكالات الأنباء نشرت تفاصيل العملية. 

وبحلول شهر يناير من العام 1985م أصبح النظام معزولًا تمامًا من أي دعم خارجي خاصة وأن الحليف الأقوى للحكومة أمريكا كانت تعلم أن النظام قد استنفذ أغراضه تمامًا كحليف من حلفائها.

بداية التحرك
يوم الـ26 من مارس 1985 كانت شوارع أربع مدن سودانية تمتلئ بالمظاهرات في توقيت واحد في كل مدن الخرطوم، الأبيض، ودمدني، وعطبرة. بيد أن أكثر التظاهرات التي أقضت مضاجع الحكومة يومها كانت تظاهرة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم التي طافت منطقة وسط العاصمة مما جعلها مظاهرة بها من جموع الطلاب والحرفيين والتجار كذلك. حين أتت الساعة الثانية عشر ظهرًا كانت مدن العاصمة الثلاث قد خرجت هي الأخرى في مواكب وهي تهتف بسقوط النظام.

أمن الدولة
على الفور تم تشكيل غرفة عمليات من داخل جهاز أمن الدولة برئاسة اللواء عمر محمد الطيب الذي وجد نفسه فجأة في منصب الرجل الأول بالدولة بعد سفر نميري لأمريكا، إضافة إلى مهامه التي كانت في الأساس إدارة جهاز أمن الدولة، فكان وفق آلية جهاز أمن الدولة المتطورة من التحرك لقمع هذه التظاهرات والحد منها حتى لا تكون متعددة ومنتشرة بالقدر الذي يهدد النظام في استمراريته وهو ما كان حدوثًا في قابل الأيام. على الفور تم تحديد أسماء بعينها للاعتقال فكان من ضمنهم الدكتور الجزولي دفع الله، نقيب الأطباء، وتسارعت الأحداث عاصفة لتصل مرحلة التظاهرات غير المخطط لها في جميع أرجاء البلاد وهو ما أربك السلطات يومها وهي التي كانت تنوي الانتشار في مناطق محددة دون غيرها فكانت تظاهرات عفوية ينظمها المارة وجموع المواطنين دون تخطيط من أية جهة سياسية.

إضراب العمال
وبحلول يوم الثاني من أبريل 1985 وهو اليوم الذي أعلن فيه إضراب ثلاث فئات عمالية هي الأكبر في تاريخ السودان، وهي نقابة المهن الصحية ونقابة عمال السكة الحديد والقضاء، وهو ما جعل هذا اليوم الثاني من أبريل يكتب نهاية حكم استمر ستة عشر عامًا، وسارع عدد من نقابات العمال والموظفين بإعلان الإضراب إضافة إلى ما كان من أمر تلك الأحداث التي وصلت مرحلة أن حبس العالم أنفاسه في انتظار ما سيحدث لاحقًا وذلك عبر إذاعات كل من لندن ومونت كارلو وراديو صوت أمريكا.

في يوم الأربعاء الثالث من أبريل وعند الساعة العاشرة صباحًا تدفقت جموع المواطنين الذين كانوا في شوق لذهاب النظام نحو شوارع المدن وهو ما كان أمرًا مربك لجهاز أمن الدولة الذي لم يجد بُدا من الانتظار عما ستسفر عنه الأحداث، فقوة جهاز أمن الدولة لم تكن بالقدر الكافي الذي يمكنها من التصدي لمظاهرات مثل هذه التي تفوق قدراته، كانت مسيرة حاشدة عبرت عن غضب الشعب تجاه حكومة لم تقم بواجبها نحو مواطنيها على الوجه الأكمل. فكانت جموع المواطنين تبدأ من محطة السكة الحديد وهي تتجه نحو شارع القصر ومن جامعة الخرطوم على طول شارع الجامعة حتى مقر السلطة القضائية.

شخصيات بارزة
برزت شخصيات داخل حراك أيام تظاهرات أبريل 1985م كان لها الدور الأكبر في نجاح الثورة، الأول هو العميد عز الدين هريدي، والذي تحرك سريعًا نحو وحدة جبل أولياء العسكرية التي كان قائدا لها تلك المنطقة العسكرية التي كان من الممكن أن تتحرك لتجهض أي نجاح للانتفاضة، فكان تصرفه السريع بعد اجتماع مع قادة الوحدات العسكرية نحو منطقة جبل أولياء العسكرية وهو السبب الذي جعله خارج حسابات الشخصيات التي تم اختيارها لدخول المجلس العسكري الانتقالي. 

الشخصية الثانية هي شخصية الفريق شرطة إبراهيم أحمد عبد الكريم الذي كان يعمل حينها مدير لشرطة ولاية الخرطوم "المعتمدية" والذي أصدر توجيهاته بعدم التعرض للمواطنين المتظاهرين وذلك بعد حادثتي إطلاق نار من عناصر مجهولة على المتظاهرين كان من نتيجتها استشهاد اثنين من المواطنين بأحياء الديوم والصحافة.

تدخل الجيش
حرضت القوات المسلحة طيلة أيام التظاهرات على التزام الحياد باعتبارها مؤسسة قومية التوجه، وهو ما جعلها تنأى عن المشاركة في عمليات قمع التظاهرات حتى أتى يوم الجمعة الموافق 5 أبريل 1985م فكان اجتماع قادة القوات المسلحة بالقيادة العامة مع الفريق عبد الرحمن حسن سوار الذهب القائد العام للجيش ووزير الدفاع لبحث كيفية تعامل قوات الشعب المسلحة مع الأوضاع السياسية المقبلة، وعقب مناقشات استمرت سبع ساعات كاملة ومع حلول الساعة 3.30 فجر يوم السبت السادس من أبريل خرج القرار بإعلان انحياز القوات المسلحة للشعب ونهاية عهد الرئيس نميري الذي حصل على لجوء سياسي في مصر وظل مقيما بها حتى رحيله.

الجريدة الرسمية