رئيس التحرير
عصام كامل

الهيئة القومية لتنمية الصادرات الكوميدية


تحذير: هذه كتابة عن الضحك لكنها ليست مضحكة.. لذا وجب التنويه.. نخش بقى في الموضوع:
س: كيف ترفع معنويات الفرعون "سنفرو" حين يذهب لصيد السمك؟!

ج: يمكننا أن نلقي بأحد العبيد إلى النهر ثم نصرخ بأعلى صوت (هناك سمكة كبيرة يا سيدي).

بحسب جامعة "وولفرهامبتون" البريطانية، تعد هذه ثاني أقدم نكتة في التاريخ بشكل عام والأولى في تاريخ النكتة السياسية، إذ تعود إلى العام 1600 قبل الميلاد تقريبا.. فبينما كانت هناك شعوب حولنا تبحث عن فرع شجرة تشعله ليمنحها الدفء في ليالي الشتاء الباردة، كان المصري القديم ينتج النكتة ويسخر حتى من نفسه.

إذا فنحن شعب ابن نكتة من يومه وفقا للدراسات البريطانية، مع الأخذ في الاعتبار أن كلمة «دراسة بريطانية» باتت نكتة في أيامنا هذه لكثرة الدراسات «البريطانية المتضاربة»، لدرجة أن أحد الظرفاء (اللي هو أنا) نشر خبرا بعنوان «دراسة بريطانية تحذر من الدراسات البريطانية». 

والكوميديا والسخرية بشكل عام تتطور بمرور الزمن، فهي أشبه بكائن حي لكنه أذكى من المرحوم ديناصور، الذي انقرض لعدم قدرته على التكيف مع الطبيعة، فأغلب الظن أن كثيرين حذروا الديناصور من الانقراض لكنه كان دائما يرد: «محدش له دعوة أنا عارف بعمل إيه كويس».

ففي عصر «السوشيال ميديا» باتت السخرية والكوميديا تعتمد على «الكوميكس» والألشة والتعليق السريع، تماشيا مع روح «الإنترنت» التي تتميز بالسرعة، فزوار هذه الشبكة ليس لديهم «خلق» للمط والحكايات الطويلة التي تلائم عشرينيات القرن الماضي مثلا.

وما بين «نكتة الفرعون سنفرو» و«الكوميكس»، مرت السخرية والكوميديا في مصر بالكثير من المراحل، ودائما ما كان ازدهار السخرية مرتبطا بقمع الحريات، ففي ظل وجود قيود ستجد صناع السخرية يحاولون بطرق مختلفة إنتاج «النكتة» بشكل يسمح لهم بالإفلات من قبضة «القانون»، وهو ما يجعلهم على درجة عالية من الحرفية بابتكار أشكال غير تقليدية للتعبير عن الرأي والنقد.

وعلى مر العصور، كانت مصر دوما أكبر مصدر للكوميديا والسخرية إلى دول الجوار والمحيط الإقليمي، ويمكنك أن تلمس ذلك – على سبيل المثال -في كم «الإفيهات» المتداولة في مختلف البلدان العربية، ومعظمها مأخوذ من الأفلام المصرية، بل إن بعض العرب يحفظون عن ظهر قلب عبارات وجمل من حوارات الأفلام المصرية بشكل يفوق ما قد يحفظه المصري ذات نفسه، والمثير أن البعض يعيد طبخ هذه الإفيهات بإضافة لهجته الخاصة ليكون تأثيرها أقوى في نفس «المتلقي».

وقد لفت نظري في السنوات الخمس الأخيرة بعد انخراطي مع العديد من الإخوة العرب من ليبيا وسوريا والسودان وفلسطين وتونس والخليج بشكل عام، من خلال «فيس بوك»، أنهم يستخدمون لقطات وصورا مصرية خالصة مأخوذة من أفلامنا لصناعة الكوميكس الخاص بهم.. ولهذا لم أعد أتعجب حين أرى مثلا صورة الليمبي «الشهير بمحمد سعد» وهو يتحدث باللهجة الليبية أو السورية.

والأمر ينسحب على «كاركترات» أخرى ومشاهير مصريين، أصبحوا أيقونات للسخرية في غير بلد عربي.

كما أن الأمر لا يتوقف على نجوم السينما ومشاهير المصريين فقط، فكذلك ما قد يحدث هنا في مصر من أحداث ومواقف مثيرة للسخرية ربما تجده يتردد على ألسنة إخواننا العرب، ليعكس واقعهم هناك..

الخلاصة، أعتقد أن رصيد المصريين من السخرية يجعل من بلدنا أكبر مُصدّر للسخرية والكوميديا في المنطقة، وإن كان المستهلك ينقسم إلى نوعين، فأحدهما يستخدم السخرية المصرية في شكلها الخام كما هي دون إضافات أو تغيير، والثاني يعيد تشكيلها لتناسب واقعه.

وعليه، أقترح أن تشكل الدولة هيئة حكومية لتنمية صادراتنا من الكوميديا والسخرية للاستفادة منها بشكل يجعلها أحد أهم روافد الاقتصاد المصري، بأن نبيع لجيراننا الضحك مقابل العملات الأجنبية، وأتوقع أن تفوق العائدات 100 مليار دولار سنويا، وأنا مستعد لمنح الحكومة خطة جاهزة ودراسة جدوى تضمن تحقيق ذلك.. والله الموفق.
الجريدة الرسمية