رئيس التحرير
عصام كامل

احذروا!


أصبحت تائها في عالم مُظلم، يعُج بالكثير من المُتناقضات والظواهر الغريبة التي لا تعبر سوي عن معاني مُجسدة لمفهوم العيب والحرام مجتمعين، وتعددت المناحي التي تظهر فيها هذه الظواهر، وجاء على رأسها أمور الدين والتي أبدع فيها بعض الأشخاص، أطلقوا علينا ألسنتهم المسمومة وأقلامهم العمياء، من خلال منابر بعضها أحمق والبعض الأخر مُغرِض مدفوع، وفتحوا باب الضلال والتضليل على مِصراعيه لكل جاهل، ضعيف الإيمان، يتبع شهوات نفسه دون مانع أو رادع، مشككين في ثوابت ديننا الحنيف وسنة نبينا الكريم صلي الله عليه وسلم!


لم أتوقف عند هؤلاء من مُنطلق ديني أو عقائدي، فلا أدعي أنني فقيها ولا أزعُم أنني عالما في فرع من فروع الدين، ولكني إنسان لديه عقل ومنطق وعلم في فرع من العلوم الطبية الحيوية، ومن هذه النقطة أستطيع التأكيد جازما أن الطبيب النابغة لا يستطيع أن يكتب مذكرة دفاع من صفحتين عن مُتهم في أقل القضايا، والتي يستطيع محامي حديث كتابتها في دقائق، وأن المهندس العبقري لا يستطيع أن يحدثنا عن رأيه في النتائج غير المحمُودة لاستخدام العلاج بالخلايا الجذعية وكيفية تطويرها، إلا لو كان دارسا لفرع من أساسيات الطب ذو العلاقة، بالإضافة لدراسته للهندسة، وكذلك الطبيب لا يستطيع أن يحدثنا عن رأيه في تحديث جهاز التشخيص بالموجات الصوتية، إلا إذا كان دارسا لفرع من أساسيات الهندسة الطبية، بل إن جراح العظام لا يستطيع أن يقوم بإجراء جراحة دقيقة في المخ! إلى هنا أعتقد أن الجميع مُتفق وإن تحفَظ البعض!

ومن هنا أطرح عليكم ونفسي سؤالا مُركبا وأسطر إجابته من وجهة نظر الثابت والواقع والملموس علميا وعمليا: هل علوم الدين مثل علوم الطب والهندسة والزراعة والقانون والفلك والجغرافيا وغيرهما، حِكرا على المتخصصين؟ أم هي مَشاعا لكل مجتهد، وباحث غير متخصص، مهما اختلفت خلفيته العلمية، وهل التصريح بالرأي القاطع في أمور الدين الدقيقة والمختلف عليها، حقا مكتسبا لكل من يحمل ديانة معينة، دون النظر في أهليته للتصريح وحقه في الاجتهاد، مُنفردا أو باللغة العامية "مع نفسه يعني"؟

إلى هنا انتهي السؤال، والدافع إليه هو هجوم فئة من السفسطائيين، على خِطاب فضيلة شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، والذي دافع فيه عن سنة سيد الخلق أجمعين في أقل من عشرة دقائق!

وقبل الإجابة على سؤالي، أود أن أطرح مخاوفي من هذا الهجوم من السفسطائيين غير المتخصصين، خاصة أنه لاقي قبولا عند شريحة كبيرة من الباحثين عن الحرية المزعومة وعدم الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، إن نواة هذا الهجوم هي التشكيك في سنة الرسول الكريم، صلي الله عليه وسلم، وهي السبيل إلى كل رَذيلة وانحدار أخلاقي ومجتمعي نعيشه، نزولا من فستان رانيا يوسف، دون أي حُمرة خجل وصعودا إلى بِئس القول، وهو المُجاهرة بالمعَاصي رغم ستر الله الستار الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

وتأكيدا لا يقبل التشكيك فإن علوم الدين وفروعها المختلفة، هي الأكثر احتياجا للمتخصصين دون باقي العلوم والاجتهاد فيها لا يصح إلا من أهل العلم، فإن عدم الصواب في الرأي في علوم الدين والتصريح به، يؤثر على أُمة كاملة قولا وعملا بشكل عام، ويعتبر مَفسدة، على العكس من عدم الصَواب في أي علم آخر، فإن الأخير تأثيره نَوعي محدود، ولأن كلاهما عِلم والخطأ وارد في البحث، لذلك فإن البحث في الدين وغيره من العلوم لابد أن يكون قاصرا علي المتخصصين، من باب دَرء المفاسد!

أعتقد أن ذلك منطقا مقبولا، وإلا ما كان ومازال الأزهر الشريف بوابة كل مُريد للتخصص، وباحث في فرع من فروع الدين، تُمنح فيه الدرجات الجامعية من درجة البكالوريوس والليسانس والماجستير والدكتوراه، وتُنشر الأبحاث بكل لغات العالم في أكبر الدوريات العلمية، بل أن علوم الدين أصبح يتم تدريسها في الجامعات الأوروبية والأمريكية، وهو ما يقطع الشك في أحقية الجميع أن يبحث ويجتهد دون علم ودراسة!

العجيب أن الكثير من هؤلاء السفسطائيين يذهبون إلى مشيخة الأزهر، بعد أن يكون أحدهم قد طلق زوجته ثلاث مرات، طالبا الفتوي ورأي الدين، فلماذا لا يستفتون عقولهم المستنيرة، ولماذا لم يتأملو عدم القطع في الأمور الدينية المهمة إلا من خلال دار الإفتاء في كل البلاد الإسلامية، ولماذا لم يفكرو في فلسفة اختيار كبار العلماء ليصبحوا أهل الفتوى، ومن دُونهم لا تقبل ولا تجوز فتواهم!

إذا عندما يتحدث العالم الجليل الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، لابد أن تُقصف أقلام الجهلاء وتُشل حناجر محبي السفسطة دون تسمية لأحدهم تعففا، فكيف لي ولغيري أن نستمع لرأي شخص غير متخصص ونتجاهل رأي الإمام!

ومن المتناقضات الغريبة، إذا سمحت لنفسك بالفضول والتجول في صفحة أي من هؤلاء السفسطائيين الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، ستجد صور تجمعهم بزوجاتهم وبناتهم بالكاش مايو أو البكيني، ثم ينبحَون في وجوهنا نقدا وتفنيدا لمقال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، عندما يدافع عن السنة والصحابة!

ومن المُضحك أنك إذا بَادرت أحدهم بسؤال عن أهليته، وخلفيته العلمية للحديث في هذا الموضوع الديني الهام ومُقومات قُدرته على التشكيك في رأي عالم جليل بقيمة الإمام، رَكبه الغُرور والكِبر وأنهى معك الحوار بالإجابة العبثية، أنا مسلم وهذا كاف كي أجتهد وأفكر!

الفرق كبير يا سادة بين أن تمتلك الحد الأدنى من الثقافة الدينية وهو المطلوب، حتى يؤهلك ويمكنك من مُمارسات ومُعاملات دينية صحيحة، أو حتى تمتلك الحد الأقصى من الثقافة الدينية، والذي تستطيع من خلاله أن تكون داعية أو واعظ، وبين أن تكون متخصصا دارسا تستطيع أن تُقيم أمور شائكة في فقه السنة، والتمسك بها والتشكيك أو التأكيد على سنة نبينا المختار!
يا سادة إنها السفسطة أو التضليل باختصار!
الجريدة الرسمية