رئيس التحرير
عصام كامل

تفاصيل إنشاء متحف منظومة المنشآت المائية بسور مجرى العيون


قال محمد عبد العزيز، مدير عام مشروع تطوير القاهرة التاريخية، إن سور مجرى العيون (أو سقاية فم الخليج) يعتبر جزءًا أساسيًا في منظومة المنشآت المائية الإسلامية في مصر، والتي تعكس عبقرية المعمار وصانع القرار في التعامل مع نهر النيل، وذلك قبل بناء السد العالي وتغير أحوال النهر ما بين الفيضان والتحاريق (انحسار مياه النهر).


وأكد عبد العزيز، أن هذه المنظومة شملت أنواعًا عديدة من المنشآت والتي اندثر أغلبها مثل خليج القاهرة والجسور الخشبية والحجرية التي كانت عليه، والقناطر، والصهاريج، والسدود، والسواقي، والخزانات، والمصانع، ومقاسم المياه، والمجاري المائية، فكانت هذه المنظومة بمثابة شريان الحياة لمصر بشكل عام ومدينة القاهرة بشكل خاص، وذلك لبعد المدينة عن نهر النيل، فكان توصيل الماء للمدينة أحد أخطر التحديات التي واجهت المعمار، وكان حفظ الماء لفترات طويلة تحديًا آخر، خاصة مدة التحاريق، فتكاملت منظومة المنشآت المائية مع مهنة السقايين، ومباني الأسبلة، والصهاريج التي وجدت في العديد من المنشآت العامة والمنازل لحفظ المياه لفترات طويلة.

وأضاف عبد العزيز: وما زال العديد من المنشآت المائية قائمًا حتى الآن مما يكسبها أهمية كبيرة بسبب ندرتها، وبسبب الدور الخطير الذي لعبته في بقاء ونمو العمران في مصر، مثال مقياس النيل، وبقايا سقاية ابن طولون، وقنطرة الظاهر بيبرس بالقليوبية، وصهاريج الإسكندرية.

وتابع: يجب أن يتم تكامل الحفاظ المعماري لمجرى العيون مع الحفاظ على المنشآت المائية الباقية بمصر، وتوفير مسار السياحة الثقافية التي تربط بين هذه المنشآت مع شرح للمنشآت المندثرة والدور الخطير الذي لعبه نهر النيل في صنع الحضارة والعمران في مصر والقاهرة، ويعتبر مشروع الحفاظ والترميم المعماري لسور مجرى العيون فرصة رائعة لإقامة "متحف منظومة المنشآت المائية الإسلامية في مصر"، كخطوة أولى في تكامل شرح وتقديم الدور الثقافي الخطير لنهر النيل.

هدف المشروع
وأوضح عبد العزيز، أن المشروع يهدف إلى تقديم الموقع بأبعاده التاريخية والجغرافية والعمرانية والمعمارية، بحيث يضع مجرى العيون في مكانته التاريخية والأثرية، كأحد أهم وأضخم المباني المتبقية من منظومة المنشآت المائية الإسلامية في مصر.

ويعتبر سور مجرى العيون، شاملًا مبنى السواقي، أهم قطعة أثرية للعرض في هذا المتحف، إلا أن إمكانيات العرض داخل مبنى السواقي محدودة للغاية.

يشكّل الموقع الذي تشغله حاليًا جمعية صنّاع الأثاث جزءً لا يتجزأ من موقع السور، حيث أنه موقع المرحلة الانتقالية في رفع المياه بين النيل ومبنى السواقي، ولذا فإن إزالة مبنى جمعية صناع الأثاث واستغلال هذا الموقع ضمن مشروع المتحف يعتبر ضرورة تمليها احتياجات الحفاظ على الأثر ويجب إعادة وصل الموقع بشاطئ النيل، وهو الاتصال الذي شارع كورنيش النيل، ويمن إعادة هذا الاتصال بحفر نفق بين الموقع والنهر تحت شارع الكورنيش، وإذا تعذر تنفيذ هذا النفق حاليًا فيجب أن يبقى كخيار إستراتيجي مستقبلي، يراعى في تصميم الموقع، بحيث يمكن تنفيذه في وقت لاحق بدون إعادة تنسيق الموقع.

يتيح الموقع فرصة جيدة لإدماج السور مع معروضات أخرى في متحف مفتوح في الهواء الطلق، وذلك في المساحة المحددة بالسور شمالًا، والمنطقة السكنية جنوبًا، وخط مترو الأنفاق شرقًا وكورنيش غربًا.

ويراعي سيناريو المتحف التدرج في شرح وتقديم الموقع من الأشمل إلى الأقل شمولًا تاريخيًا وجغرافيًا، وذلك من خلال التدرج في عرض مستويات تكنولوجيا التحكم في المياه كالآتي:

المستوى الإقليمي: إشكالية التحكم في مياه النهر واستغلاله على مستوى مصر (المنشآت المائية الإسلامية في مصر).
مستوى المدينة: إشكالية بُعد المدينة عن النهر (المنشآت المائية في القاهرة).
المستوى العمراني: إشكالية نقل المياه للقلعة (لمكان مرتفع وعلى بعد كبير بالنسبة إلى نهر النيل).
المستوى المعماري: إشكالية رفع المياه لمستوى مرتفع، في مناطق متفرقة من مجرى العيون.

ويكون العرض والشرح المتحفي لكل مستوى من المستويات مستمرًا خلال عناصر المشروع المختلفة، وبحيث يتم الربط بين مكوّنات كل مستوى بلون معين يتم تنفيذه في إكسسوارات العرض (مثل بطاقات الشرح، وخلفيات المعروضات،)، أو خط ملوّن مستمر في الأرض، يمكن للزائر تتبعه، ويتم توزيع العرض المتحفي على العناصر التالية:
مباني وساحة استقبال الزوار جنوب مبنى السواقي (الموقع الحالي لجمعية صنّاع الأثاث).
مبنى السواقي، وجزء من المجرى المائي أعلى السور.
المساحات المتاحة في الهواء الطلق جنوب سور مجرى العيون، بين مبنى السواقي وخط مترو الأنفاق.

مباني وساحة استقبال الزوار
وتشكّل الساحة نقطة التجمع الرئيسية لبدء زيارة الموقع، ومغادرته، وكذلك بعض العروض المؤقتة والأنشطة الثقافية المتنوعة في الهواء الطلق.

مباني الخدمات: مبنى واحد أو منظومة من المباني الصغيرة، توفر الخدمات التالية: إدارة الموقع، مكتب تفتيش الآثار والترميم، نظام تأمين الموقع، بيع التذاكر، استعلامات، دورات مياه، مطعم ومقهى، منافذ بيع منتجات ثقافية وتذكارات، خدمات الأطفال، وخدمات المعوقين وكبار السن، مخازن.

مبنى الشرح والعرض المتحفي:
يبدأ الشرح والعرض المتحفي في مبنى استقبال الزوار، ويستمر في باقي الموقع. ويعرض في هذا المبنى المعروضات التي لا يفضّل عرضها في الهواء الطلق، والتي لا يفضل عرضها داخل مبنى أثري (مبنى السواقي).

ينقسم سيناريو المتحف إلى أربعة مستويات أساسية، ويتم تمييز كل مستوى بلون مميز بحيث يمكن للزائر التعرف بسهولة على مستوى الشرح:

المستوى الإقليمي (المنشآت المائية الإسلامية في مصر):

يتم عرض الجزء الأعظم من هذا المستوى في المبنى (ولا يعرض في الخارج سوى توضيح بعض الاتجاهات). ويكون العرض من خلال الاستعراض التاريخي والجغرافي لعلاقة نهر النيل بالعمران في مصر، في صورة خرائط توضيحية، وشروح مبسطة، لتاريخ هندسة التحكم في الماء بمصر، مع التركيز على العصر الإسلامي.

مستوى المدينة (إشكالية بعد القاهرة عن النيل):
يتم عرض نحو 70% من معروضات هذا المستوى في المبنى، ويكون العرض من خلال استعراض علاقة نهر النيل بتحديد موقع مدينة القاهرة، وتبعات هذه العلاقة والتي أنتجت الكثير من الظواهر العمرانية والمعمارية، كمجرى العيون، والصهاريج، والأسبلة، وأحواض الدواب، والبرك، والخلجان، والقناطر، والسقايات. وكذلك تبعات علاقة القاهرة بالنيل على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، كمهنة السقاء، والأوقاف التي كانت تخدم المنشآت المائية في القاهرة، والمظاهر الثقافية والاجتماعية التي صاحبت موسم الفيضان (مثل السمر حول بركة الأزبكية، واحتفال فتح الخليج الناصري).

المستوى العمراني (إشكالية نقل المياه للقلعة):
يتم عرض نحو 50% من معروضات هذا المستوى في المبنى. حيث يتم عرض رسومات وصور للسور ككل وعلاقته بالقلعة والنهر، حتى يستطيع الزائر فهم ما يراه في الموقع من بقايا للسور ومبنى السواقي، وربط بين هذه الآثار وبين التصميم الأصلي للسور وكيفية عمله. وكذلك توضيح التغييرات والترميمات المختلفة التي تمت بالسور منذ إنشائه وحتى الوقت الحاضر، مع توضيح الأماكن التي يمكن للزائر أن يرى آثار هذه الترميمات والتعديلات (مثل رنك السلطان الغوري، أو التعديلات التي قام بها نابليون بونابرت، ومحمد على، ولجنة حفظ الآثار العربية)، مع التمييز في أساليب العرض والشرح بين ترميم السور كمنشأة وظيفية بحتة، وبين ترميمه كأثر تاريخي بحت (ما قبل وبعد عصر الخديو إسماعيل)، وكذلك التمييز بين استخدام السور كعنصر حياة (نقل المياه) واتصال (العقود أو العيون كفتحات تضمن اتصال النسيج العمراني) وبين استخدامه كعنصر تحصين (التمترس فوقه للتحكم العسكري في الموقع) وعزل (سد العقود أو العيون لعزل الجزء من المدينة الذي يقع جنوب السور عن الجزء الذي يقع شمال السور).

المستوى المعماري (إشكالية رفع المياه لمستوى مرتفع):
يتم عرض عدد بسيط من اللوحات التوضيحية لهذا المستوى في المبنى. ويتركز هذا العرض في الجانب النظري الذي يصعب شرحه في الموقع، مثل الجانب النظري من كيفية رفع الماء في المستويات المختلفة حتى تصل من نهر النيل إلى قلعة صلاح الدين. والرسومات التي توضح تفاصيل تقنية (كالقواديس والفرق بينها وبين الأوعية الفخارية الأخرى، وعزل المجرى المائي حتى لا تتسرب المياه منه في رحلتها من النهر إلى القلعة).

مبنى السواقي
ويعتبر مبنى السواقي أهم عناصر المشروع، وأكثر أجزائه أصالة وجاذبية للزائر، حيث يساعد الزائر على الإحساس بجمال المبنى ووظيفته وفراغاته الداخلية، والارتفاعات الكبيرة وجماليات الحجر كمادة بناء.

الصعود إلى سطح مبنى السواقي:
يستشعر الزائر حجم إشكالية رفع المياه في العصور الوسطى، وذكاء المعمار في الحل التقني والمعماري لهذه الإشكالية.
يستطيع الزائر تخيل سيناريو عمل مجرى العيون، كصعود الثيران التي كانت تجر السواقي، والسواقي والمجرى أعلى السور.

وتستمر المستويات الأربعة للعرض كالتالي:
1. المستوى الإقليمي (المنشآت المائية الإسلامية في مصر):
يتم تحديد موقع أعلى مبنى السور، يوضع به منظار وخريطة استرشادية يستطيع الزائر باستخدامهما الربط بين نهر النيل على الخريطة وفي الواقع، وكذلك مشاهدة بعض معالم القاهرة الكبرى، مع الشرح من خلال لوحات توضيحية مبسطة.

2. مستوى المدينة (إشكالية بعد القاهرة عن النيل):
يتم تحديد موقع أعلى مبنى السور، يوضع به منظار يستطيع الزائر من خلاله رؤية بعض ملامح القاهرة التاريخية، والقطائع، والعسكر والفسطاط، مع الشرح من خلال خريطة استرشادية ولوحات توضيحية.

3. المستوى العمراني (إشكالية نقل المياه للقلعة):
يمكن للزائر المشي على جزء محدود من المجرى المائي أعلى السور، مع وجود موقع منظار يمكن من خلاله تتبع مسار السور حتى لقائه بالسور القادم من الفسطاط واستمراره في اتجاه القلعة، مع اللوحات التوضيحية اللازمة.

4. المستوى المعماري (إشكالية رفع المياه لمستوى مرتفع):
يمكن للزائر استكشاف التفاصيل المعمارية والتقنية لحلول رفع الماء، كالساقية والقواديس، والمجرى المائي أعلى السور، مع اللوحات التوضيحية اللازمة، ذلك بالإضافة خزائن عرض محدودة، توضع في الفراغات التي أضاف مشروع الترميم لها أرضيات خشبية. يعرض في هذه الخزائن القطع الأثرية التي تم العثور عليها أثناء الحفر والكشف عن أماكن السواقي أعلى المبنى.
الجريدة الرسمية