رئيس التحرير
عصام كامل

في ذكرى وفاة عاشق الحرية.. محطات في حياة مصطفى أمين.. اعتقلته قوات الأمن بتهمة «الجاسوسية» والسادات أفرج عنه.. أم كلثوم وعبد الحليم أبرز المساندين.. وسر غضب فاتن حمامة من رائد الصحافة العربي

فيتو

«أسماء لا تموت، وسنة أولى سجن، ولا، ومعبودة الجماهير، وليلة القدر، وصاحب الجلالة الحب، وصاحبة الجلالة في الزنزانة»، محطات في حياة عاشق الحرية مصطفى أمين، الذي نحتفي اليوم بذكرى وفاته.


مولده
ولد التوأمان مصطفى وعلي أمين في 21 فبراير 1914، كان والدهما أمين أبو يوسف الذي كان يعمل محاميًا كبيرًا، أما والدتهما فهى ابنة أخت الزعيم سعد زغلول، ومن هنا انعكست الحياة السياسية بشكل كبير على حياة الطفلين، حيث نشئا وترعرعا في بيت زعيم الأمة.

كانت الصحافة هى العشق الأول لمصطفى أمين وكذلك شقيقه علي، وبدأ العمل بها مبكرًا، وذلك عندما أصدرا معًا مجلة «الحقوق» في سن الثماني سنوات، والتي اختصت بنشر أخبار البيت، تلا ذلك إصدارهما لمجلة «التلميذ» عام 1928، وقاما فيها بمهاجمة الحكومة وانتقاد سياساتها، فما لبثت أن تم تعطيل إصدارها، أعقبها صدور مجلة «الأقلام»، والتي لم تكن أوفر حظًا من سابقتها حيث تم إغلاقها أيضًا.

وفي عام 1930، انضم مصطفى للعمل بمجلة «روز اليوسف»، وبعدها بعام تم تعيينه نائبًا لرئيس تحريرها وهو لا يزال طالبًا في المرحلة الثانوية، وحقق الكثير من التألق في عالم الصحافة، ثم انتقل للعمل بمجلة «آخر ساعة»، والتي أسسها محمد التابعي، وكان مصطفى أمين هو من اختار لها هذا الاسم.

وكان مصطفى أمين صحفيًا بارعًا يعشق مهنته يتصيد الأخبار ويحملها للمجلة، يتمتع بقدر كبير من الإصرار والمثابرة، ويسعى وراء الخبر أينما كان، وكان أول باب ثابت حرره بعنوان «لا يا شيخ» في مجلة روز اليوسف.

وأصدر أمين عددًا من المجلات والصحف منها «مجلة الربيع» و«صدى الشرق» وغيرها، والتي أوقفتها الحكومة نظرًا للانتقادات التي توجهها هذه المجلات والصحف إليها.

«أمين» وحكام مصر
أما عن مصطفى أمين وعلاقته برؤساء مصر، فقد بدأت العلاقة 23 يوليو عام 1952 بداية درامية، فقد اعتقل يوم الأربعاء 23 يوليو عام 1952، فقد اتهم مصطفى أمين بأنه عميل وخائن للوطن.

وأكد صلاح نصر رئيس المخابرات المصرية في كتابه «عملاء الخيانة وحديث الإفك» وهو كتاب صدر في عام 1975، أن مصطفى أمين جاسوس وله صلة بالمخابرات الأمريكية، وصدر الحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في ٢١ أغسطس ١٩٦٦.

إلا أن الأيام كشفت براءة مصطفى أمين من هذا الإفك، حيث يذكر الكاتب الصحفي أحمد عطية صالح، في كتابه «مصطفى أمين» أنه أجرى حوارًا مع النائب العام الأسبق عام 1987، الذي أكد أن المعلومات التي تم إبلاغه بها لا تشكل أي جريمة في حق مصطفى أمين.

وأضاف: «من حق الجهة التي ضبطت القضية أن تقول رأيها، ولكن ليس من حقها أن تلزمني كنائب عام بهذا الرأي وإلا كان تدخلًا في سلطتي»، وأنه أمر بحفظ القضية، أو كانت النية متجهة لحفظها.. لكن نظرًا لأن منصب النائب العام منصب سياسي، فقد أخذت رأي وزير العدل فطلب مني الانتظار لحين إبلاغ رئيس الجمهورية»، وكانت المفاجأة أن الوزير أخبره بعدها بقرار تحويل القضية لمحكمة أمن دولة عليا.

وفي عهد السادات، قامت ابنتاه رتيبة وصفية بزيارة إلى السيدة جيهان السادات مع السيدة أم كلثوم، أملًا في التوسط من أجل الإفراج عن والداهما وذلك عام 1972، ولكنهم لم يوفقوا في الإفراج عنه فورًا، ولكن قام السادات بإصدار قرار العفو عنه بعد هذه الزيارة بثلاث سنوات، وبعد نصر أكتوبر.

أما مبارك فحينما غضب من مقال مصطفى الذي قال فيه إن من سيتولى الوزارة سيجلس على مصيبة، فرفض العديد من الشخصيات قبول هذا المنصب ، مما جعل الرئيس مبارك يلومه في أحد خطبه قائلا: «مش هقوله غير مايصحش وحرام عليك ، ولولا إنه راجل كبير كنت هقوله كلام قاسى».

فقال مصطفى: «إذا غضب منك عبد الناصر قصف عمرك ، وإذا غضب منك السادات قصف قلمك وإذا غضب مبارك اكتفى باللوم».


حياته
تزوج مصطفى وأنجب ابنتين هما رتيبة والتي أسماها على اسم والدته، وصفية واسمها على اسم السيدة صفية زغلول، والتي كان يعتبرها بمثابة الأم الثانية له، حيث نشأ وترعرع هو وشقيقه في منزلها وفي ظل رعايتها لهما، وقد عملت صفية بالصحافة أسوة بوالدها.

في سجنه كان مصطفى أمين يكتب إلى ابنته صفية العديد من الرسائل، وعلى الرغم من القسوة والمعاناة التي كان يعانيها في سجنه إلا أن رسائله كانت مفعمة بالتفاؤل، فحينما رفضت إدارة السجن مده بالأدوية أو نقله للمستشفى للعلاج، كتب لابنته قائلًا إن حالته المعنوية عالية، وإنه كلما توالت عليه الضربات يكون في أحسن حالاته، وإن الأزمات والمحن تجدد شبابه.

وبعد الإفراج عنه تم تعيينه رئيسًا لتحرير أخبار اليوم وفي عام ١٩٧٦ أصبح كاتبًا متفرغًا لعموده اليومي (فكرة) بالأخبار وأخبار اليوم، كما أصبح مشرفًا على عدد ضخم من المشروعات الإنسانية التي أنشأها هو وتوأمه وهى (ليلة القدر) و(لست وحدك) و(دار للأيتام)، كما كانا صاحبي الفضل في ابتكار فكرة عيد الأم، وعيد الأب، وعيد الحب.

وأُنشأت جائزة مصطفى وعلي أمين الصحفية، والتي تعتبر بمثابة التتويج الحقيقي لمشاعر الأب الذي يحتضن أبناءه ويشجعهم ويحفزهم على مزيد من النجاح في بلاط صاحبة الجلالة، ولم يقتصر هذا التكريم على الصحفيين بل امتد للمصورين ورسامي الكاريكاتير وسكرتارية التحرير الفنية وأيضًا للفنانين، ومن الفنانين الذين حصلوا على جائزته فاتن حمامة، ويحيى الفخراني، ونور الشريف، وعبلة كامل، وعمار الشريعي وغيرهم.

علاقته بالفن
وكانت علاقات مصطفى أمين جيدة بالفنانين كان أشهرها مع الفنانة أم كلثوم، والتي وقفت بجوار أخبار اليوم في عثراتها المالية وعبد الحليم حافظ والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، ونجاة وكامل الشناوي وكمال الطويل وغيرهم.

ويقول مصطفى أمين عن صداقاته للنجوم «إن الحياة بجانب النجوم مرهقة ومتعبة، ولكنها لذيذة وأنت في بعض الأحيان لا تستطيع أن ترى جمال الصورة إلا إذا ابتعدت عنها، فالأضواء الساطعة تعميك. إنني أحب الناس كل الناس».

غضب فاتن حمامة
وكانت فاتن حمامة من النجمات اللاتي لم يثرن الجدل حول حياتهن، بسبب التزامها الشديد وأخلاقها العالية وأدبها الجم، لكنها تخلت عن هذا كله عندما كتب مصطفى أمين مقالًا بعنوان «أكتب إليكم من سرير فاتن حمامة».

فكرة المقال الذي نشر في مجلة الجيل في ستينيات القرن الماضي دارت حول إصابة الكاتب الكبير بآلام استدعت تدخل الأطباء لإجراء جراحة عاجلة له، واختار الأطباء غرفة له في المستشفى تصادف أنها كانت نفس الغرفة التي كانت تستضيف فاتن حمامة بعد إجرائها جراحة ناجحة.

ويقول مصطفى أمين في هذا الصدد: «فاتن صغيرة الحجم، وأنا ضخم الحجم، وكان من المستحيل عليّ أن أتقلّب في السرير، فأي حركة به أجدني واقعًا على الأرض، وكتبت مقالًا ساخرًا أصف هذا السرير، تحت عنوان أكتب لكم من سرير فاتن حمامة».

وتابع في مذكراته: «ما إن قرأت فاتن حمامة عنوان المقال حتى ثارت وغضبت، وسارعت بالذهاب إلى مكتبي، وقالت لي كيف تشوّه سمعتي؟ إنني حافظت على سمعتي طوال حياتي ولم يخدشها إنسان».

وحاول أمين تهدئة فاتن وسألها مذهولًا إن كانت قرأت المقال أم لا، فأجابته سريعًا: «لا.. قرأت العنوان»، ليدخل أمين في وصلة ضحك تبعها بجملة تقول: «اقرئي المقال كله ثم استأنفي ثورتك».

وبالفعل ما إن قرأت فاتن مضمون المقال حتى ضحكت بشدة، واتّضح لها أنها تسرّعت بالحكم ظلمًا على مصطفى أمين.

وصيته
«لا أتصور أني أعيش يومًا بغير قلم، لقد كان هذا القلم صديقى وحبيبى ... أعطيته وأعطانى ... عشقته وأخلص لى وعندما أموت أرجو أن يضعوه بجوارى فى قبرى، فقد أحتاج إليه إذا كتبت تحقيقًا صحفيًا عن يوم القيامة».. بهذه الكلمات الخالدة وصى مصطفى أمين عاشق الصحافة، أحباءه أن ينفذوها بعد وفاته، لتبين مدى ارتباطه وحبه لمهنته.

وفي 13 أبريل 1997 توفى مصطفى أمين فارس القلم، وعاشق الحرية بعد حياة حافلة، ليلحق بتوأمه والذي توفى عام 1976.
الجريدة الرسمية