رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهاء الدين... أيامه كلها تاريخ

أحمد بهاء الدين
أحمد بهاء الدين

استمر في الكتابة أربعة عقود... تم فصله وتم وقفه عن الكتابة مرتين... قرأ قرار نقله من رئاسة مجلس إدارة دار الهلال إلى روز اليوسف في الصحف.. رفض تنفيذ القرار وعمل كاتبًا في الأهرام وكتب إلى الرئيس السادات رسالة قال فيها: "لقد اخترعت الثورة صحفيين وكتابًا ودكاترة في كل مجال، ولكني لست أحد اختراعات الثورة، ولقد كنت رئيسًا لتحرير أكبر جريدة في مصر وهي أخبار اليوم، وأتقاضى أعلى راتب قبل تأميم الصحف بسنتين".


الكتابة عن تاريخ الكاتب الصحفى الراحل أحمد بهاء الدين، من الممكن أن تكون "محزنة" في أحيان عدة، ومن الطبيعى أن تكون مبهرة في مواضع أخرى، لكنها بالقطع ستكون صادمة في كل الأوقات، صادمة لمن يحكم لا لمن "يُحكم".
في أعقاب هزيمة 67 كان أحمد بهاء الدين نقيبا للصحفيين، حين قامت التظاهرات تطالب بمحاكمة المسئولين عن الهزيمة وإعادة بناء مؤسسات الدولة وفتح الأبواب للديمقراطية وحرية الرأى بعد أن تسبب غياب الحريات في هذه الهزيمة.

تحرك ضمير النقيب مع الجماهير وأصدر بيانًا طالب فيه بالإسراع في محاسبة كل المسئولين عن الهزيمة مهما كانت مواقعهم، وتوسيع قاعدة الديمقراطية والمشاركة الحقيقية في القرار، وإصدار قوانين تنظم الحريات وتكفل الضمانات الكفيلة بعدم التراجع عنها أو الانقضاض عليها، وإجراء انتخابات اللجان النقابية ومجالس النقابات التي تجمدت وحرمت من حقها من انتخاب قياداتها، وتحقيق العدالة في توزيع الأعباء المترتبة على الاستعداد لإزالة العدوان، بحيث تتحمل كل الفئات نصيبها بما يتناسب مع قدراتها ويتحمل الأغنياء النصيب الأكبر وليس العكس.

بيان نقابة الصحفيين صدر يوم 28 فبراير 1968، واعتبر أهل السلطة أن هذا البيان فيه تجاوز بخاصة مطالبته برفع الرقابة على الصحف، واعتباره أن التظاهرات هي تعبير مشروع عن إرادة شعبية لإزالة الفساد وضرورة التغيير بينما يعتبرها النظام تعبيرا عن القلة المنحرفة.

أزمات "بهاء" لم تتوقف عند محطة "النظام الناصرى"، فسرعان ما بدأت الخلافات تدب بين "الجورنالجى" والرئيس "المؤمن"، وقال عن تلك الفترة: الرئيس السادات في خلال ثماني سنوات قد صادقني مرارًا، ونقلني من مكاني كعقاب مرة، وفصلني من العمل الصحفي مرة، وأوقفني عن الكتابة مرتين، وكان هذا الصعود والهبوط، المتوالي مصدر حيرة لكثير من السياسيين والزملاء الصحفيين والقراء.

"انفتاح السداح مداح"واحد من الأزمات التي لا يكاد يخلو كتاب يتحدث ويرصد تجربة "السادات" في الحكم، من الحديث عنها، فـ"بهاء الدين"، الصحفى المقرب من النظام الحاكم، هاهو يهاجم الرئيس ونظام الرئيس، وأفكار الرئيس أيضا، ليس هذا فحسب لكنه نبه أيضا إلى وجود ثلاث فئات من المستثمرين بقوله: فئة تقوم "استثماراتها" على نزح الأموال من مصر إلى الخارج، وفئة تقترض من المال المتوافر في مصر فعلًا، أي من البنوك، وهو مال وفير ومعطل، ويقومون باستثماره في مصر، وهؤلاء لهم الشكر الجزيل، وفئة تأتي بأموالها من الخارج إلى مصر فيكتشفون أنهم وقعوا في شراك شتى تبدأ من البيروقراطية وتمتد إلى الابتزاز.

الحكام لم يكونوا دائما هم الهدف الذي يطلق عليه "بهاء الدين" نيرانه الثقيلة، وهو أمر أوضحته دراسة أعدها الدكتور مصطفى عبد الغنى التي نشرها في كتابه «أحمد بهاء الدين سيرة قومية» تناول فيه تفاصيل حياة ومواقف أحمد بهاء الدين.

"عبد الغنى" انتهى في كتابه إلى أن بهاء مفكر مغامر لا يتردد في طرح قضية غير مألوفة، ويخوض معارك دفاعا عما يعتقده ويتحمل الكثير من السهام سواء من رجال الدين المتشددين والجماعات التي ابتعدت عن الإسلام السمح واختارت التعصب والعنف، وأيضًا تحمل مشاكل عديدة بسبب إصراره على مواجهة الفساد بكل صوره.

ويتحدث "عبد الغنى" أيضا عن الحملة التي شنها "بهاء الدين" على شمس الدين الفاسى، السعودى الجنسية المغربى الأصل الذي جاء إلى القاهرة على اعتبار أنه رئيس المجلس العالمى للصوفية واشترى عددًا غير قليل من علية القوم وكبار وصغار الصحفيين بأمواله التي كان ينفقها بالملايين بغير حساب، وهو ما دفع "بهاء الدين" لكتابة مقال هاجم فيه السلطات التي سمحت للفاسى بدخول البلاد، وهاجم وزير الأوقاف لأنه أعطى للفاسى الفرصة لممارسة دوره الغريب على اعتبار أنه قيادة روحية بينما الهجوم عليه في صحف العالم لما ارتكبه في عدد من الدول والمدن الأمريكية والأوربية من لوس أنجلوس وفلوريدا إلى لندن وسريلانكا وأخيرا القاهرة، ولكن جريدة الأهرام لم تنشر المقال، ويتصل به من يطلب منه أن يكتب مقالا آخر لأن «الأهرام» له مصالح مع الفاسى ولا يريد الإساءة إليه، ويمتنع بهاء عن كتابة عموده اليومى «يوميات» في الأهرام، ويفضل البقاء في منزله.
الجريدة الرسمية