رئيس التحرير
عصام كامل

ليديا يؤانس تكتب: مام.. مام..!

فيتو

أعجبت بهذا الشاب الوسيم، ملامحه وطريقة كلامه ليست كما أهل الغرب، ولكن كما هو، كذلك أنا أيضًا، يُطلق علينا أبناء المهجر.

عائلتي من إحدى الدول الأوروبية ولكنني ولدت في أمريكا، هو أيضا من عائلة مصرية مهاجرة إلى أمريكا منذ نحو 40 سنة، ولكنه ولد أيضا في أمريكا.


اصطادتني شبكة الحب، أصبحت مجنونة بهذا الشاب ذي الجذور المصرية، كنت ألاحظ العديد من الفتيات الأجنبيات أو حتى العربيات، يلهثن وراء شباب مصري، كنت أستغرب وأسخر مِنهُن، ولكنني الآن لست بمستغربة!

المصريون بشكل عام لهُمْ طعم خاص مُميز عن باقي الشعوب، وإن تحدثنا عن الرجُل المصري بصفة خاصة، فهو حبوب وجذاب، وممكن أن يكون زوجًا رائعًا إن أحب امرأته!

اعتبرت نفسي من الفتيات المحظوظات، لأنني سأرتبط بهذا الشاب ذي الجذور المصرية، المُهِمْ أنه فيه رائحة المصريين!

حفل الزفاف كان رائعًا، حرصت أنا وعائلتي على أن نضع اللمسات الخاصة بعادتنا وتقاليدنا، هذا لم يُرض أمه أي الـ "مام" بتاعته.

أمه بدأت تتدخل أكثر من اللازم في الصغيرة قبل الكبيرة، حتى في اختيار الكرافت ولون بدلة العُرس، بدأت أقلق، خشيت أن أكون قد تزوجت هذه المرأة، وليس هذا الشاب المصري، الذي يحسدونني عليه!

عيناها عليه أينما تحرك، لا تُريد أن تسمح له حتى بالحديث معي، تستدعيه مِنْ وسط الحفل، وأحيانا مِنْ جُلوسه بجانبي، كما تستدعي الشٌرطة مًجرمًا لاستجوابه، تسأله عن أشياء تافهة، أو تعطي الأوامر والاقتراحات لأشياء أكثر تفاهة، وحتى لو هُو مُش فاهم، أو مُقتنع، ما عليه إلا أن يقول: حاضر "مام"!

بدأت أشعر بالقلق والندم بعض الشيء، أحببت فيه جاذبيته ووسامته ورجولته ومشاعره القوية الساخنة، ولكن ما اكتشفته مؤخرًا، أنه ما زال طِفًلا أمام أُمه!

لستُ أعترض على أمه، بل مِنْ الواجب عليه أن يُحبها ويُطيعها، ولكن هُناك خيطًا رفيعًا قد يقلب الموازين، فبدًلا مِنْ أن يكون رجُلًا مُطيعًا بارًا بوالديه، يٌصبح طِفًلا كبيرًا بـ"شنب"!

لاحظت أُمي قلقي، وبدأت تقلق مِنْ أجلي وقالت: "يبدو أنه ابن أمه"!

وصلنا عشنا السعيد، وأنا مُتلهفة على اللحظات السعيدة، التي سألتقي فيها مع شريك عمري، الشاب الوسيم ذي الجذور المصرية، بمجرد غلق باب البيت، اتصل.. "مام".. إحنا وصلنا البيت، حمد الله على سلامتك يا حبيبي، كلمني إن احتجت لأي شيء!

طالت وقفتي على باب البيت، إلى أن انتهى مِنْ الحديث مع الـ "مام"، آسف يا حبيبتي.. كُنت أُطمئن "مام" أننا وصلنا البيت، ابتسمت ابتسامة فاترة، تُعبِر عن استيائي مِنْ عدم تقديره لي، واستهتاره بهذا اليوم، أقصد ليلة العمر!

طوقني بذراعه، ليصطحبني إلى حجرة النوم، وقبل أن يغلق باب الغرفة، رن جرس التليفون، بلهفة قال: "دي مام"، وتركني واقفة على باب حجرة النوم، ليتحدث مع الـ "مام"، بدأت أتململ وأكتئب مِنْ هذه الـ "مام"!

سمعتها عبر التليفون، حبيبي أنا طبخت لكُم، مأكولات من التي تحبها، محشى ورق عنب، حمام محشى، كُفتة، ومكرونة بالبشاميل، لعشائكُم ووضعتهم في الثلاجة.

"مام".. نحن أكلنا في الحفل كثيا، الآن محتاجين نقضي بعض الوقت معًا ونستريح، غدا قبل السفر لقضاء شهر العسل سنأكل منه، لا ياحبيبي كُلوا من الأكل وهو طازج، وفي الصباح سأحضر لكم أكلا ثانيا!

تململت في وقفتي مُنتظرة، انتهاء حديثه مع الـ "مام"، ولكن هذه الـ "مام" جعلتني أفقد صوابي، فصرخت: هل سأظل واقفة على الباب هكذا حتى الصباح؟!

ارتبك و"اتلخبط" بيني وبين أمه، آسف يا "مام".. أقصد آسف يا "حبيبتي"، باي.. "مام" سا أكلمك في الصباح، حمدت ربنا، أنه لم يترُكني، ليذهب ينام في حُضن الـ "مام" بتاعته!

فقدت صوابي ومحبتي لهُ، فقدت اشتياقي لهُ، فقدت تقديري لهُ كرجُل، فقدت لهفتي على اللقاء مع هذا المصري، بسبب انسياقه غير الطبيعي لأُمه، وتجاهله لإحساسي ومشاعري، في ليلة عُمري.

الرجُل بالنسبة لي، هو ذلك الرجُل الذي يكون قوي الشخصية، لا يُسيطر عليه إنسان، حتى ولو كنت أنا.

نعم يُحب أمه ويُطيعها ويحترمها، وإذا لم يفعل ذلك سيسقُط من نظري، لأنه إذا لم يكُنْ لديه خير في أمه التي ولدتهُ، كيف سيكون له خير معي؟

نعم يُحب أمه والآخرين وأنا، ولكن يجب أن يكون عنده القُدرة، على التمييز واتخاذ القرار المُناسب، بدون تدخُل من أي شخص حتى ولو كنت أنا.

أنا أُفضل الرجُل الذي لا يفقد شخصيته وكيانه، مع أي شخص، حتى ولو كانت أُمه، حتى ولو كنت أنا.

سافرنا لقضاء شهر العسل، وجدته أكثر مِنْ رائع في كُل شيء، ولكن في المرات القليلة التي اتصلت فيها أمه، كُنت أشعر أنهُ مسلوب الإرادة أمامها، ولا يستطيع أن يأخذ قرارًا بدونها، جعلتهُ مِثل الطفل، الذي يتلفت حوله إن غابت عن عينيه، لدرجة أنه إذا تلقى تيكست مسيج مِنْ صديق له، يسأل: مام.. أرد عليه أقول إيه؟!

تخيلت أن هذه المرأة تضع "ليش" حول عنقه لتقوده كيفما تشاء، مثلما تضع "ليش" حول رقبة الكلب حتى لا يضيع منها، أو يغرب عن عينيها!

عظيم أن يُحب الوالدان أبناءهم، وعظيم أن يُحب الأبناء أمهاتهم وأباءهم ويطيعونهم، ولكن يجب.. أن يتعلموا ويعرفوا.. كيف يعتمدون على أنفًسهم بدون الأم أو الأب؟
يجب أن يكون لأولادنا شخصياتهم المُستقلة، وفي نفس الوقت محبتهم وطاعتهم للوالدين.

صممت على الانتصار، والاحتفاظ بهذا الرجل المصري، بعد أن زاد إعجابي وتعلقي به.
صممت وقررت أن أتمسك به رغمًا عن الـ "مام" بتاعته!

بعد أن رجعنا من رحلة شهر العسل، قال: سنذهب لزيارة "مام"، مافيش مانع.. ذهبنا لزيارة "مام".
كانت مجهزة على العشاء مأكولات من كل نوع، كثر خيرها.. أرادت الاحتفاء بنا، قالت: حبيبي أنا عملت لك كل أنواع الأكل التي تُحبها، وأكيد زوجتك ستُحِب الأكل المصري!

صممت على أن أحسم الموضوع من الأول، صممت على ألا نأكُل من هذا الطعام، بحجة أنه لا يروقني الأكل المصري!
صممت على أن يذهب ويشتري طعام جاهز من الخارج!

صممت على أن أفطُمه من الـ "مام" بتاعته، وأكل الـ "مام" بتاعته، ويتعود أن يأكل، من الـ "مام" بتاعي أنا!
الجريدة الرسمية