رئيس التحرير
عصام كامل

محمود علوان يكتب: د. علي حسيب.. جراح الرحمة

الدكتور علي حسيب
الدكتور علي حسيب
التوقيت: منتصف الليل.. المكان: شارع الملك فيصل بالجيزة.


علامات القلب والرعب مرسومة على وجهي الأب والأم، في اللحظة التي يحتضن فيها الأب طفلته الوحيدة وقلبه يعتصر عليها من الخوف، وتأوهاتها من الألم تذيب فؤاده، وبكاء الأم لا ينقطع حتى اختنق صوتها من كثرة البكاء، يقف الاثنان وعيونهما على الشارع مرة تنتظر أي تاكسي ينقلهما ومرات على ابنتهما التي تتوجع من شدة الألم، وكلما ارتفعت درجة حرارتها كلما صهرت قلوبها صهرًا، وكأن أوجاعها وآلامها تضرب قلبيهما، مرت دقائق ثقيلة كانت كفيلة بأن تزيد حجم توترهما، والأب يحاول أن يكون متماسكًا يخفي دموعه ليطبطب على نجلته تارةً وعلى أمها تارةً أخرى. 

قطع الموقف المؤلم صوت سيارة تاكسي قادمة، أشار إليها الأب متلهفًا: المريوطية هرم، قبل أن يكمل العنوان، أضاف سائق التاكسي: أنتم رايحين للدكتور علي حسيب، أجابه الأب على الفور: نعم، فأكمل السائق: لا تقلقوا.. ده طبيب معروف وإيديه بيضاء على الكثيرين، وأنا لدي ٣ أبناء عالجتهم عنده، بالإضافة أنه بيعالج ناس كتيرة دون مقابل، ويفعل الكثير من أعمال الخير، وهو في مجاله أستاذ فلا تقلقوا.

طمأنت كلمات السائق الأب والأم إلى حد ما، واسترسلت الأم في حديثها أن طفلتها عمرها ٤ أعوام ونصف وأجرى لها الدكتور علي حسيب أستاذ جراحة الأطفال والجراحة العامة، عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية؛ ولكن البنت تعاني من ألم شديد ودرجة حرارة مرتفعة ولا تستطيع ابتلاع الدواء، كان رد السائق غريبًا حينما قال: طالما الدكتور علي حسيب هو اللي عملها العملية فمتقلقوش هتبقى كويسة. 

عشر دقائق ونصف احتاجها السائق ليصل بالأب والأم والطفلة إلى مقر عيادة الطبيب الكبير، كانت تلك الدقائق ثقيلة وصعبة، فالطبيب ينتظر الطفلة المريضة في غير مواعيد عيادته، وقد أجَّل موعد سفر مهم لمتابعة حالة طفلة أجرى لها جراحة منذ أيام، ورغم أن الرجل لديه عدد من المساعدين يتابعون الحالات التي يجرى لها جراحات متابعة دقيقة وعلى مدار الساعة في تقليد طبي يمنح مزيدًا من الثقة في الطبيب الخلوق، إلا أنه وتحت إلحاح والدي الطفلة الصغيرة، ألغى أمورًا هامة من أجل متابعة الحالة.

وصل الوالدان إلى عيادة الطبيب الإنسان، جراح الرحمة كما يطلق عليه الجيزاوية وغيرهم ممن كتب الله عز وجل لهم النجاة على يديه، كان الخوف ينهش ملامح الأبوين، فتبدد بابتسامة ودودة من الطبيب فقام بفحص الجرح بعناية، وتابع قياس درجة الحرارة، وأكد لهما أن الجرح يلتئم ولا يوجد مشاكل أو مضاعفات من الجراحة، وحول أسباب ارتفاع درجات الحرارة والألم الذي تعانيه الطفلة الصغيرة تواصل مع بعض الأطباء المتخصصين في أمراض الأطفال، وكتب الأدوية اللازمة، وشدد على أن تكون هناك متابعة معه على مدار الساعة، ومنح الطفلة حقنة كانت كفيلة بعودة الحياة لوالديها بعد أن مرت نصف ساعة على الحقنة فتحدثت الطفلة وبدأت تستعيد ذاكرتها وخفة دمها المعهودة. 

حالة الطفلة، البراعة فيها ليست في إجراء الجراحة فقط؛ بل البراعة في التشخيص وتوقيت اكتشاف الداء، فقبل أشهر طويلة ظلت الطفلة تشكو آلامًا في بطنها، والأم والأب في حيرة من تلك الآلام، وبدأت رحلة البحث عن السبب من طبيب لآخر، وأشعة متعددة وتحاليل مختلفة، تحاليل في كل اتجاه، وأشعة مختلفة، وكل طبيب يعطي تشخيصًا مختلفًا، وأدوية متعددة، حتى جاءت ليلة كانت آلام الطفلة لا تحتمل وصراخها وأنينها يكوي قلبي أمها وأبيها، فتحركا بها فجرًا إلى أحد المستشفيات المتخصصة في طب الأطفال، وكالعادة تحاليل وأشعة، وكان التشخيص لا علاقة له بالمرض الأصلي، وأخذت الطفلة الأدوية، ولكن ازدادت آلامها ولم تتوقف، وفي المساء ذهب الأبوان بالطفلة إلى طبيب أطفال آخر، ولكن دون جدوى، إلى أن أشار طبيبها بعرضها على الدكتور علي حسيب، فبعد أن اطلع على الأشعة والتحاليل، أجرى فحصًا للطفلة، وكان التشخيص أن الزائدة الدودية ملتهبة ولا بد أن تدخل الطفلة جراحة الليلة. 

وبالفعل كان الأمر محتومًا بإجراء الجراحة، وتمت العملية فجر اليوم التالي، ليكتب الله عز وجل النجاة لطفلة لا تعي معنى الدنيا حتى تستيقظ وهي تتحسس جرحًا في جنبها.

المواقف التي بطلها الدكتور علي حسيب أكثر من أن تحصى أو يمكن رصدها؛ لكنها تكشف العديد من الجوانب الإنسانية لعالِم قبل أن يكون جراحًا فهو إنسان بمعنى الكلمة، فلا يرد مريضًا حتى ولو كان لا يملك ثمن الكشف الذي هو زهيد للغاية ويعتبر أجرًا رمزيًا لعالِم بحجمه، وكثيرًا ما تبرع بأجره في العمليات نظير إنقاذ حياة إنسان، فاستحق بصدق محبة الجميع، وأصبح عن جدارة جراح الرحمة.
الجريدة الرسمية