رئيس التحرير
عصام كامل

الموت لا يُحب الانكسار


من منا في مأمن من الموت.. الجميع على القائمة، بعضنا كان دوره متقدمًا فرحل عنا دون أية مقدمات، والبعض الآخر «لم يصبه الدور».. إلى حين، لكن ما من أحد منا إلا وينتظر دوره للمرور على الجسر الذي يصحبنا إلى الناحية الأخرى، الشاطئ الآخر، الحياة الثانية.. اختصارًا كلنا سنموت.


الموت في حد ذاته حادثة عادية، فعل مكرر.. رتيب.. ممل.. لكنه لا يخلُ من وجع، فرغم اعتيادنا عليه، بمرور السنوات، غير أننا في كل مرة نستقبله بمشاعر المرة الأولى، نبكي.. نصرخ.. نرفض.. نكفر في بعض الأحيان، وفي آخر الليل ننهار تمامًا، في انتظار صباح جديد يصلح لاستكمال المأساة، ومد خيط الوجع على آخره.

سواء كان موتًا عاديًا.. متوقعًا.. منتظرًا، أو كان مفاجئًا، فإن الموت هو الموت، الوحشة واحدة، الألم في أقوى حالاته.. والفقد سيد الموقف الجنائزي الحزين، لا شريك له.

في الموت.. الفقد هو ما يوجعنا، ليس الموت في حد ذاته، الصباحات غير المكتملة بأشخاص جاء دورهم على القائمة الطويلة جدا، اللحظات الخاصة التي تلذذنا بها قليلًا، وظننا أننا لحظتها أبعد ما نكون عن «مخالب القدر»، هذا ما يوجعنا.. الأركان التي تنطفئ فيها الأضواء، الأسماء التي تنزل عليها الستائر الرمادية، الأشرطة السوداء الكئيبة المطفية اللون التي تعانق زوايا الصور، ونطالعها مع كل شروق شمس أو غروب.. هذا ما يوجعنا..!

مواجهة الموت.. رفضه.. إنكاره.. جميعها معارك من الغباء خوضها، أو حتى التورط فيها، فالخسارة فيها ستكون فادحة، هزائم متلاحقة ستصيب أرواحنا.. تنهكها أكثر مما هي منهكة.. تأخذ منها أكثر بكثير مما سيأخذه التسليم بالموت، إذن لا داعي للعب دور البطولة، الحلم بأن النصر سيكون حليفًا لنا في معركتنا مع صاحب الكلمة الأخيرة، لا داعي للمكابرة.. فالهزيمة آتية.. آتية، ولنجعلها هزيمة شريفة باعترافنا بها من اللحظة الأولى، ورفع الرايات البيضاء فوق أعلى نقطة في قلوبنا، عله يلمحها قبل أن يغرس سيفه في خاصرتنا فيكون رحيمًا بنا لحظة إعلان نصره المعروف مقدمًا.

السؤال هنا.. هل نمتلك ما يمكن أن يخفف علينا المأساة؟.. هل بين أيدينا سلاح يصلح لربح المعارك الجانبية التي تخلفها معركتنا الكبرى، هزيمتنا الكبرى، قطعًا هناك أسلحة عدة، فالأحبة لا يموتون أبدًا، يظلون في الذاكرة.. في الروح، في منتصف القلب.. يظلون إلى أبد الآبدين، الذين يكتبون لا يموتون.. الذين يحبون لا يموتون.. الذين يمنحون لا يموتون.. الذين يودعوننا بابتسامة لا يموتون، الذين يربتون على جدران أرواحنا في لحظة انكسار لا يموتون.. الذين يمدون يد العون لا يموتون.. الذين يذهلوننا بنقائهم لا يموتون.. الذين يدهشوننا بمحبتهم لا يموتون.

لن يموت من كان يومًا إنسانًا.. فالموت يتقن جيدًا قطع رقاب الخونة.. البخلاء.. الأفاقين، يعرف كيف يقتلع جذورهم من الأرض، يجتثهم من عمق الأرض، لكنه يقف وحيدًا لا حول له ولا قوة أمام الأتقياء.. الأنقياء.. الذين تحفظهم القلوب والأرواح، حتى وإن رحلت الأجساد.. لكنه رحيل إلى حين.
الجريدة الرسمية