رئيس التحرير
عصام كامل

الجماعات الإرهابية.. فكر أراد أن يموت (١)

هناك فئة من الناس اعتقدت اعتقادا خاطئا، وخلطت بين الفكر والعقيدة التي هي الدين، وتناست هذه الفئة أن الفكر نتاج بيئة يعيش فيها وعادات وتقاليد موروثة يتكون منها هذا الفكر، أما العقيدة فهي نتاج دين سماوي أرسل إلى نبي من البشر ليبلغه للناس..


أما فلسفة أي عمل سواء فردي أو جماعي فيعتمد فحواه ومرتكزاته على فكر ومعتقد، ولابد لكل من يرى وجوب العمل الجماعي في مجال الدعوة، أن يفرق بين الفكر والمعتقد، حتى لا يقيم محاكمات للناس على أساس فكره وهو يظن أنه يحاسبهم على معتقدهم! فمنذ نشأت الخليقة وإقامتها على الأرض، كانت هذه النشأة في صورة مجموعات من البشر تكون فيما بينها ما يسمى بالقبيلة أو العائلة.

وهكذا الأديان فبدايتها إرسال رسول من قبل الله عز وجل، وهذا الرسول رجل من مجتمع معين فعندما يريد نشر دعوته فلابد له من تكوين أنصار وإتباع يساندونه في نشر دعوته.

الشيخ بن تيمية.. كان داعما للدولة وجيشها
ذكرت هذه المقدمة البسيطة لتأصيل نشأة الجماعات الإرهابية (التكفيرية) التي اتخذت من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في قومه دليل على صحة نشأتها، متجاهلين الاختلاف في الأصل والزمن.. فرسول الله مرسل من قبل الله عز وجل، أما مؤسس الجماعات فمعظمهم مدعي العلم وليس لهم مشائخ أخذوا عنهم العلم، هذه واحدة أما من ناحية الزمن، فالزمن يختلف فهم في القرن العشرين الميلادي ورسول الإسلام في القرن السادس الميلادي.

وقد شهد الإسلام جماعات وتحزبات منذ نهاية عهد الخلفاء الراشدين ولكن كانت هذه الجماعات تنشأ على أساس فقهي دون التطرق إلى السياسة وهو ما عرف بالمذاهب الفقهية. وكان تكوين هذه المذاهب على يد علماء معروف لهم بالعلم من أمثال ابوحنيفة ومالك والشافعي وغيرهم.

أما نشأتةالجماعات الإرهابية فنشأت على يد أناس لم يعرف لهم نسب من علم، وكان أساس نشأه هذه الجماعات هو السياسة فقط، وكان كل فكرهم يرتكز على الحاكمية وكيفية الوصول للحكم بزعم تحكيم شريعة الإسلام، وكأن دعواهم المزيفة هي التي ستعيد الخلافة الإسلامية على حد زعمهم!

حيث يعود تاريخ نشأة هذه الجماعات إلى العشرينيات من القرن الماضي في مصر. وبالتحديد في عام ١٩٢٨ بزعم سقوط الخلافة الإسلامية عام ١٩٢٤ والتي تسمى حقيقة الدولة العثمانية أو الإمبراطورية العثمانية التي تعتمد على العنصرية القبلية.

فبعد نهاية الخلافة الراشدة قامت دول على أساس القبائل فهناك الدولة الأموية والدولة العباسية والمماليك والدولة العثمانية، والذي يدل على أن هذه الدول جعلت من الدين طريقا لتثبيت أركان حكمها، فكان هناك قتال بين الدول وخصومها من القبائل الأخرى، وفي العصر الحديث دارت حرب بين محمد علي التابع للدولة العثمانية وقتها وبين الدولة السعودية الوليدة وقد راح ضحيتها المئات من أبناء ما كان يعرف ببلاد نجد والحجاز..

الإخوان.. والغباء القاتل!
وعلى الجانب الآخر نشأت عام ١٩٢٨ جماعة أنصار السنة بقيادة محمد حامد الفقهي وجماعة التبليغ حوالي 1926 بالإضافة إلى الجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنة، وكانت هاتين الجماعتين والجمعية الشرعية يعتمدون على أساس واحد وهو الدعوة بعيدا عن العمل السياسي.

نتناول جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست سنة 1928 بقيادة حسن البنا، هذه الجماعة التي لعبت دورا حاسما في بلورة سياق الجماعات المسلحة الحالي، و قد أدت في مصر إلى تكوين ما يسمى بالفكر الجهادي والذي يعبر عن موقف التناقضات مع السلطة السياسية عبر اقصائها دينيا وتكفيرها أو اعتبارها جاهلية وتعتبر الكتابات المنسوبة للسيد قطب رمزا للمراحل الأولى من الفكر الجهادي .

وظل الإخوان يلعبون على الساحة السياسية دون إنشطار، حتى جاء عهد جمال عبدالناصر فخرجت من عباءة الإخوان عدد من الجماعات التي تبنت العنف منهجا وطريقا، بدعوى بعد الدولة عن الحكم بما أنزل الله، ففي أواخر عهد عبد الناصر ظهر القطبيون وجماعة التكفير والهجرة، وكلتا الجماعتين خرجتا من رحم الإخوان المسلمين ومن السجن.

وبعد عهد جمال ومع بداية عهد السادات ظهرت جماعات أخرى مثل جماعة الجهاد الإسلامي والجماعة الاسلامية والتي كانت الدولة تغض الطرف عن هذه الجماعات بل سمحت لها بالنشاط من خلال الجماعات المصرية، من أجل محاربة الحزب الإشتراكي وكان الإخوان يعملون بجانب هذه الجماعات في العهد الذي شهد بزوع ما يسمى بالتيار الإسلامي، إلا أنه بعدما دشن السادات مسار السلام مع اسرائيل بالصلاة في القدس وإبرام اتفاقية كامب دافيد انقلب عليه الإخوان وجماعاتها وقتلوه!

ومن ثم انطلقت المواجهة المسلحة ضد السلطة السياسية المعتبرة بالنسبة لهذه الجماعات مرتدة بقصد إقامة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية على حد زعمهم، ويمثل كتاب الفريضة الغائبة لأحد قادة جماعة الجهاد في سبعينيات القرن الماضي مرجعا لعدد من الجماعات المسلحة.
وللحديث بقية
الجريدة الرسمية