عباقرة ولكن مجهولون، الشيخ "هارون البنجاوي" فقيه المالكية وأستاذ كبار العلماء
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: ابن الخطاب، والصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
الشيخ هارون عبد الرازق البنجاوي، فقيه المالكية وأستاذ كبار العلماء
الشيخ هارون عبد الرازق بن حسن بن أبي زيد البنجاوي، هو فضيلة العلَّامة الفقيه، وكيل مشيخة السادة المالكية، شيخ رواق الصعايدة، عضو مجلس الأزهر الأعلى، المالكي مذهبا.
مولده ونشأته
كان مولده في قرية بنجا بمركز طهطا شمال محافظة سوهاج، سنة 1249هـ/1833م.
حفظ الشيخ هارون القرآن الكريم، وتلقى الحديث النبوي الشريف بطهطا على يد الشيخ علي محمد فرغلي الأنصاري، وهو من جملة المعلمين بالمدرسة الملكيَّة.
وبعد إتمامه حفظ القرآن الكريم انتقل الشيخ هارون عبد الرازق من قريته إلى القاهرة، حيث التحق بالجامع الأزهر، وبدأت رحلته العلميَّة، ليتتلمذ على يد كوكبة من كبار العلماء آنذاك.
مشايخه
من أبرز شيوخه من المالكيَّة الشيخ محمد عليش، والشيخ أحمد منة الله المالكي، والشيخ أحمد أبو السعود الإسماعيلي قطب زمانه، والشيخ منصور كساب العدوي، والشيخ محمد قطة العدوي، ومن الشافعيَّة الشيخ: محمد الأشموني، والشيخ محمد الأنبابي، والشيخ محمد الخضري، وأخذ بعضَ صحيح البخاري عن الشيخ إبراهيم السقا الشافعي.
مسيرة علمية حافلة
اجتهد في طلب العلم حتى أتم العلوم وأُجيز من شيوخه بالتدريس بالجامع الأزهر وصار من علمائه المدرسين على المذهب المالكي.
وبعد مدة غير كبيرة في التدريس بالجامع الأزهر، عاد الشيخ هارون عبد الرازق إلى بلدته (بنجا) حيث اشتغل بالعلم مدة تزيد على عشر سنوات تدريسًا وتأليفًا.
بعدها عاد إلى الجامع الأزهر مرة أخرى نهاية القرن التاسع عشر، وكانت قوانين الأزهر- في ظلِّ العمل على تقنين وتنظيم العمليَّة العلميَّة والتعليميَّة في الأزهر- قد فرضت امتحانًا على من يكون مدرسًا بالجامع الأزهر، وهو امتحان الإذن بالتدريس بالجامع الأزهر والمشهور بقانون الشيخ المهدي العباسي، والذي يُعَدَّ أول قانون رسميٍّ في الأزهر، وقد صدر بأمر الخديو في 23 من ذى القعدة 1288هـ/ 3 فبراير 1872م، وتم نشره في الوقائع المصريَّة.
تقدم الشيخ هارون عبد الرازق لهذا الامتحان عام 1298هـ/1881م، ونال شهادة الإجازة بالتدريس بالجامع الأزهر والمعروفة بالعالميَّة، وكانت تلك الرحلة العلميَّة بين الصعيد والقاهرة، وتحصيل العلوم على يد كبار العلماء، واشتغاله بالتدريس في بلدته طهطا مؤهلة لأن يسطع نجمه في سماء العلم والمعرفة في مؤسسات مصر كلِّها، ففضلًا عن كونه مدرسًا بالجامع الأزهر عين مدرسًا للغة العربيَّة بالمدارس الأميرية: الأوليَّة والثانويَّة، والعاليَّة.
قام بتدريس اللغة العربيَّة بمدرسة "المهندسخانة" وبالمدارس "التجهيزية"؛ ما يدلُّ على تَمَكُّن الرجل وتفوقه في العلوم، وبذل الأزهر ورجاله غاية جهدهم لنفع الوطن كلِّه؛ ولهذا كان جديرًا بأن يتولى مشيخة رواق الصعايدة، ولم يقتصر دوره على تدريس اللغة العربيَّة، بل كان ضليعًا في الفقه، ومن ثم عُيِّن وكيلًا لمشيخة المالكيَّة، وعضوًا بمجلس الأزهر الأعلى، وظلَّ بعضويته مدة حتى استقال.
عضوية هيئة كبار العلماء
استحق صاحب هذه الرحلة العلميَّة عن جدارة أن يكون واحدًا من هيئة كبار العلماء، لما له من فضل تشهد به ربوع مصر التي درس فيها، وقد عُيِّن عضوًا بالهيئة في أول إنشائها، وذلك في عام 1329هـ / 1911م.
تلاميذه
أخذ العلم عن الشيخ هارون عبد الرازق وأفاد منه الكثيرون من رجال الأزهر وغيرهم، ومن أبرز تلامذته: الشيخ يوسف الدجوي الذي صار فيما بعد من أعضاء هيئة كبار العلماء.

ومن تلامذته أيضًا ابنه: الشيخ أحمد هارون الذي صار أيضا من أعضاء هيئة كبار العلماء، وغيرهم.
مؤلفاته
كانت مؤلفاته كلُّها مختصرةٌ، لا تتجاوز خمسين صفحة، بل تقلُّ عنها، إلا أنَّها على اختصارها تجمع زُبَد الفن الذي أُلفت فيه، وهذا سر تقريرها للتدريس للطلبة، ومنها ما قُرر تدريسه على الطلبة من قِبل المجلس العالي في اللائحة الداخليَّة للمعاهد الدينيَّة، وهو كتابه "المبادئ النافعة في تصحيح المطالعة"، فقد قُرر تدريسه على طلبة المعاهد العلميَّة الأزهريَّة.
أمَّا "حُسن الصياغة في فنون البلاغة" و"عنوان الظرف في فن الصرف" فقد قُرر تدريسهما بالمدارس التجهيزيَّة المَلَكيَّة.
قال عنه حفيده الأستاذ المحقق عبد السلام هارون، المتوفى 1408هـ/1988م: «خرجتُ إلى الدنيا ووجدتُ اسمَه مقرونًا بكتابٍ كان مشهورًا جدًّا في ذلك الوقت، ولا يزال إلى الآن معروفًا متداوَلًا، وهو كتاب: “عنوان الظرف في فن الصرف”.
متواكبا مع كتاب آخر، هو كتاب: “المبادئ النافعة في تصحيح المطالعة”، وهو كتابٌ نحويٌّ موجَزٌ، أتمنى أن يعاد طبعه لطلاب المدارس، وبكتابٍ آخر يدعَى: "عنوان النجابة في قواعد الكتابة"، وآخر يدعَى: "حُسن الصياغة في علوم البلاغة".
وجدير بالذكر أنَّه قام بالإشراف على التحرير الكامل لكتاب “الخطط التوفيقيَّة”، للعالم المؤرخ “علي باشا مبارك”، وهذا مراد مَنْ قال من المترجمين للشيخ هارون إنَّه ساعَد "علِي باشا مبارك" في تأليف "الخطط"، والأمر كما قال “الطناحي”: "وقد أخبرني حفيده شيخِي "أبو فهر محمود محمد شاكر أنَّ جدَّه الشيخ هارون هذا، كتَبَ "الخططَ التوفيقيةَ" بيده، وقد اشترى هذه المخطوطة العالِم المغربي الكبير عبد الحي الكتاني، وأَطلَع شيخَنا عليها، قال أبو فهر: "وقد رأيتُها كراريس بعضها فوق بعض، ترتفع أكثر من متر".
أما كتابه "عنوان الظرف" فقد طُبع بذيله شرحٌ للشيخ محمد هارون، مزجَه الشيخ أبو الفضل محمد هارون، الأخ الأكبر للأستاذ عبد السلام هارون، بحاشية له على الكتاب، وقال في بدء الكتاب المذكور"اقتبستُ هنا جزءًا من شرح والدي المغفور له الشيخ محمد هارون"، وزدتُ زيادات كثيرة من عندي؛ رغبةً في إفادة القارئ، كما وضعتُ بعضَ موادّ في صُلب الكتاب؛ إتمامًا للفائدة".
أمَّا كتاب “عنوان النجابة”: فالظاهر أنَّه في الأصل من تأليف الشيخ مصطفى السقطي، ثم نقَّحه الشيخ هارون، كما أُثبت على غلاف طبعاته.
وكتب مؤلفا قيما مختصرا أيضًا بعنوان: “فن آداب البحث والمناظرة”، أُعيدَ طبعُه حديثًا، بتعليقاتٍ لولده الشيخ محمد هارون، والظاهر أنَّه جزءٌ من كتابٍ للشيخ هارون، افتتحه بمقدمةٍ في فن المنطق، ثم ثَنَّى بذكر ما يتعلق بفن البحث والمناظرة، واختتمه بالكلام على ما يتعلق بالدالِّ والمدلول في علم أصول الفقه.
وفاته
توفي، رحمه الله، في 26 جمادى الأولى من عام 1336هـ الموافق 9 مارس من عام 1918م، مختتما رحلة علميَّة حافلة بالعطاء فياضة بالعلم والمعرفة، تنقل خلالها الشيخ هارون عبد الرازق بين الصعيد والقاهرة، وشغل خلالها أرفع المناصب العلميَّة، والإداريَّة، وترك خلفه سيرة عطرة، وسجلًا عامرًا بالعطاء، وعلامة مميزة في مسيرة الأزهر الشريف، رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا


