رئيس التحرير
عصام كامل

المجددون، رفاعة الطهطاوي رائد النهضة المصرية الحديثة

مدفن رفاعة بك الطهطاوي
مدفن رفاعة بك الطهطاوي بباب الوزير بمصر القديمة، فيتو

عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعثُ لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدِّدُ لها دينها". 
 

ولم يشترط السيوطي أن يكون "المجدِّدُ" فردًا، بل يشمل كل من نفع الأمة وجدد لها شيئًا من أمور دينها ودنياها في أي مجال من المجالات، وأيده في ذلك ابن الأثير الجزري وشمس الدين الذهبي، وابن كثير الدمشقي، وابن حجر العسقلاني.

ولا يلزم أن تجتمع خصال الخير كلها في شخص واحد، بل قد يكون هناك أكثر من عالِمٍ في أكثر من مكان، في وقتٍ واحدٍ، أو أزمانٍ متفرقة، يتميز كل منهم بمزية في علم من العلوم الدينة والدنيوية، شريطة أن يكونوا جميعا مسلمين، مؤمنين، ملتزمين بهدي الدين الحنيف.


وهذا موجود، ولله الحمد، حتى قيام الساعة، فهناك من يتفوق في اللغة، والفقه، والتفسير، وهناك من يمتاز في العلوم الحديثة، كالطب والهندسة والتكنولوجيا، وغيرها.. وهناك من يدفع عن الإسلام شبهات الملحدين، والمتطرفين والمفرطين، ويصد هجمات المبطلين، والمنحرفين، وأعداء الدين.

رفاعة الطهطاوي (1216 هـ - 1290 هـ)

رأى المفكر الإسلامي محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق، أن رفاعة الطهطاوي من أهم المجددين في كتابه "الفكر الديني وقضايا العصر".

واعتبره الدكتور إبراهيم عبده في كتابه "أعلام الصحافة العربية"، مؤسس الصحافة المصرية، ورائد النهضة الحديثة في مصر، قائلًا: "اختصمت الثقافة الشرقية والغربية في صحفينا الطهطاوي، فهو من الممتازين حفاظ القرآن، ومن نوابغ تلاميذ القصابي والشيخ حسن العطار، وخاصة الأخير منهما الذي احتفى به، وفتح له بيته وتلقى عليه علوم متباينة، ومن أهمها التاريخ والأدب والجغرافيا، حتى أصبح في نظر معاصريه، الأديب الأريب، العلامة الثبت، الثقة الحجة في كل علم وفن، الذي سابق جهابذة عصره في مضمار العلوم والفنون، فلم ينتظم معه سمطها أحد إلا كان واسطة العقد في جيد الزمن".

رفاعة الطهطاوي، فيتو
رفاعة الطهطاوي، فيتو

مولده ونشأته

كان مولد رفاعة بك بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع في 15 أكتوبر عام 1801م، في طهطا بمديرية جرجا بصعيد مصر.
كانت أسرته من الأشراف، ينتهي نسبها إلى محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحُسين، رضي الله عنهم.
تنقل مع والده من بلدته إلى منشأة النيدة، ثم فرشوط، ومنها إلى قنا، حفظ القرآن وجميع المتون خلال تنقله، توفي والده في عام 1816م، فانتقل إلى القاهرة، والتحق بالأزهر الشريف في عام 1817م.

تتلمذ رفاعة على يد العديد من كبار شيوخ الأزهر، أهمهم الشيخ حسن العطار الذي ولاه عنايته، واهتم بدراسة التاريخ والجغرافيا، وأتم دراسته في عام 1822م.
في عام 1817، التحق رفاعة بالأزهر الشريف وعمره 16 سنة، حيث تلقى تعليمه في مختلف العلوم الإسلامية، بالإضافة إلى دراسة الفقه والنحو والصرف.

مكتبة رفاعة الطهطاوي في سوهاج، فيتو
مكتبة رفاعة الطهطاوي في سوهاج، فيتو


عمل مدرسًا عقب تخرجه في الأزهر، ولمدة عامين، ثم اشتغل واعظا وإمامًا في الجيش من ذلك التاريخ وحتى سفره برفقة البعثة التعليمية.

إرسالية فرنسا

وبناءً على تزكية أستاذه العطار، سافر مع أول إرسالية مصرية إلى فرنسا، وعمره 24 عاما، عام 1826 ضمن بعثة تعليمية تضم أربعين طالبًا، كان قد أرسلها محمد علي باشا لدراسة العلوم الأوروبية الحديثة.
حيث بدأ بتَعلم الفرنسية بنفسه رغبة منه في تحصيل علوم جديدة أو ترجمتها إلى العربية، فدرس التاريخ والجغرافيا وعلومًا أخرى، وأكثر الاتصال ببعض الشخصيات العلمية، منهم مسيو جومار، والعالم البارون دوساسي.

أحد مؤلفات الطهطاوي بخط يده، فيتو
أحد مؤلفات الطهطاوي بخط يده، فيتو


أيضا، اهتم رفاعة الطهطاوي بالتأليف والترجمة، وأرسل لمصر ترجمته لكتاب "مبادئ العلوم المعدنية" عام 1828م، وطُبع بإذن من الباشا، وسجل مشاهداته من أحداث سياسية وعلمية وزياراته للمتاحف.

"تخليص الإبريز في تلخيص باريز"

وأنجز كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" في عام 1831م، وطُبع بمطبعة بولاق الرسمية في عام 1932م.
وقال عن كتابه "تخليص الإبريز: "أشار عليّ بعض الأقارب والمحبين، لا سيما شيخنا العطار فإنه مولع بسماع عجائب الأخبار، والاطلاع على غرائب الآثار، أن أنبه على ما يقع في هذه السفرة، وعلى ما أراه وما أصادفه من الأمور الغريبة، والأشياء العجيبة، وأن أقيّده ليكون نافعًا في كشف القناع عن محيا هذه البقاع، التي يقال فيها: إنها عرائس الأقطار، وليبقى دليلًا يهتدي به إلى السفر إليها طلاب الأسفار، خصوصًا وأنه من أول الزمن إلى الآن لم يظهر باللغة العربية على حسب ظني شيء في تاريخ مدينة باريس كرسي مملكة الفرنسيس، ولا في تعريف أحوالها وأحوال أهلها".
وقال في ختام مقدمته: "وأسأل الله أن يجعل هذا الكتاب مقبولًا لدى الخاص والعام، وأن يوقظ به من نوم الغفلة سائر أمم الإسلام من عرب وعجم، إنه سميع قاصده لا يخيب".

إنجازاته

بعد خمس سنوات من إقامته في فرنسا، عاد الطهطاوي إلى القاهرة فى عام 1831م، وعُيِّن مترجمًا بمدرسة الطب بأبي زعبل، وأشرف أيضا على مدرسة المارستان، ثم دَرَّس الحساب والهندسة والتاريخ والمنطق، وانتقل إلى مدرسة الطوبجية في عام 1833م مترجمًا للعلوم العسكرية والهندسية، وأنشأ في العام نفسه مدرسة التاريخ والجغرافيا، وجمع محاضراته وأصدرها في كتاب "التعريبات الشافية لمريد الجغرافية"، كما ترجم "جغرافية ملطبرون".

رفاعة رافع الطهطاوي، فيتو
رفاعة رافع الطهطاوي، فيتو


قام بإنشاء مدرسة الترجمة "الألسن" عام 1835م، وأشرف عليها فنيًا وإداريًا، ودَرس بها الأدب والشرائع العربية والغربية، وأشرف على اختيار الكتب للترجمة، واتسع نشاطه في الترجمة أثناء وجوده بالمدرسة، وعاونه فيها الشيخ أحمد عبد الرحيم، وتخرج على يديه منها كثير ممن عملوا بالتدريس في المدارس المصرية، وامتازت مدرسته أنها تدرس اللغة وخاصة الفرنسية، إلى جانب فنون الإدارة والقوانين الأجنبية وفنون الأدب العالية والشرائع الإسلامية.
وأسس قلمًا للترجمة عام 1841م، وشارك في إنشاء مدرسة الإدارة الإفرنجية "العلوم السياسية" عام 1844م، وقسم خاص للإدارة الزراعية الخصوصية عام 1847م.

الوقائع المصرية

تولى الإشراف على الوقائع المصرية التي تعتبر أول جريدة عربية في عام 1842م، وتولى رئاسة تحريرها، وأدخل التجديدات على محتواها وإخراجها، فغيَّر اسمها، وبدأ تمصيرها، وإدخال اللغة العربية بها لتأخذ الصدارة، ثم ترجمها إلى اللغة التركية دون الإخلال بالأصل العربية، فصدرت الصحفية بالعربية في الناحية اليمنى والتركية إلى جانب اليسار، وقال في وثيقة تنظيم "الوقائع المصرية" التي أرسلها لمحمد علي باشا وأخذ موافقته عليها: "أما الحوادث الخارجية، وإن كانت ستنشر في الجريدة إلا أن الأخبار المصرية ستكون المادة الأساسية".

تمثال الطهطاوي في طهطا بسوهاج، فيتو
تمثال الطهطاوي في طهطا بسوهاج، فيتو

وركز على حداثة الأخبار التي تنشرها صحفيته وأعطى لها الأولوية، وكلف مترجما بإحضارها إذا تأخرت، فقال: "وأنه إذا لم ترد هذه الحوادث فى الوقت المناسب يُكلف على لبيب أفندي معاون ديوان المدارس المترجم العربي بالذهاب إلى الدواوين لإحضار الأخبار".
امتد التطوير إلى المحتوى، ولم يقتصر على الشكل فقط، وتحولت الأخبار والحوادث، وحتى الافتتاحية إلى موضوعات رئيسية هامة للشرق وأوروبا، وابتعدت الافتتاحية عن المديح والحشو غير المبرر، وناقشت السياسة الداخلية والخارجية.
وفي عام 1843م، صدر قرار بترقيته إلى قائم مقام.

دعوته للحفاظ على الآثار

من أبرز مواقف رفاعة التي تُؤكد شجاعته، رفضه نقل الآثار المصرية إلى الخارج، وخاصة مسلة الكرنك التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا، حيث كان الطهطاوي هو الوحيد الذي انتقد هذا التصرف في وقت كان فيه الجميع يخشون معارضة الحاكم.

وفي عام 1834، نشر الطهطاوي كتابًا عن رحلته إلى باريس، انتقد فيه بشدة نقل الآثار المصرية إلى الخارج، معتبرًا ذلك عملية سلب ونهب واضحة، مؤكدا أن الأجانب أخذوا هذه الآثار كما يُسلب الذهب والمجوهرات.
ورغم الضغوط، استمر رفاعة في صراعه ضد نهب التراث المصري، إلى صدر مرسوم في عام 1835 يحظر تصدير الآثار المصرية للخارج، وإنشاء مخزن للآثار في القاهرة.

طالب رفاعة الطهطاوي بالحفاظ على الآثار المصرية، وكان يدعو لجمع كل الآثار التي يتم اكتشافها وتقديمها لمدرسة الألسن، وهو ما كان نواة لإنشاء المتحف المصري فيما بعد.

زواجه

حتى في زواجه، كان رفاعة مجددا، فقد تزوج "كريمة" ابنة خاله الشيخ محمد الفرغلى الأنصاري في عام 1839م، وتعهد لها في عقد الزواج بعدم التعدد، وتزوج من أخرى بعد وفاتها.

وثيقة زواج رفاعة، فيتو
وثيقة زواج رفاعة، فيتو


وجاء في العقد: "... وعلق عصمتها على أخذ غيرها من نساء أو تمتع بجارية أخرى؛ فإذا تزوج بزوجة أخرى أيا ما كانت تصبح بنت خاله خالصة بالتلاتة، ووعدها وعدا صحيحا لا ينقض ولا ينحل أنها ما دامت على المحبة المعهودة مقيمة على الأمانة والحفظ لبيتها وأولادها ولخدمها وجواريها مساكنة معاه فى محل سكناه لا يتزوج بغيرها ولا يتمتع بجوارى ملك يمين، ولا يخرجها من عصمته حتى يقضى الله لأحدهما بقضاء...".

محنته

تعرض للاضطهاد في عصر عباس الأول، واستبعد إلى السودان في نوفمبر عام 1849م، في وظيفة بسيطة، وأغلقت مدرسة الألسن، وبقي في الخرطوم 3 سنوات أشرف خلالها على مدرستها، وترجم خلالها الرواية الفرنسية "تلايمك".

مدفن الطهطاوي بباب الوزير بالقاهرة، فيتو
مدفن الطهطاوي بباب الوزير بالقاهرة، فيتو


ثم عاد إلى مصر في عام 1854م مع تولي سعيد باشا، فأعاد قلم الترجمة ومدرسة الألسن، وتولى وكالة المدرسة الحربية عام 1855م، ثم أنشأ مدرسة مستقلة للحربية بالقلعة، كما تولى نظارة مدرسة الهندسة ومصلحة الأبنية، وأعد أول مشروع لطباعة كتب التراث العربي الإسلامي، لكنه فُصل من كل وظائفه الرسمية في عام 1861م.

قبر رفاعة الطهطاوي، فيتو
قبر رفاعة الطهطاوي، فيتو


وفي عهد الخديو إسماعيل، عاد للصدارة، فتولى نظارة قلم الترجمة، وخطط مع علي مبارك مجلة "روضة المدارس" التي صدرت في عام 1870م، ورأس تحريرها، وكان له مطلق التصرف فيها فضمت الأدب والسياسة والتاريخ، وكذلك موضوعات في الطب والزراعة والتجارة، وأصدر ملاحق تناقش موضوعات طويلة لا تحتملها المجلة المحدودة الصفحات، واهتم بشئون المرأة، فكانت مجلته في مقدمة الصحف الشرقية في هذا المجال.

وفي عام 1872م، ألف كتابه "المرشد الأمين للبنين والبنات"، وترجم 7 كتب، إلى جانب العديد من المؤلفات.

وفاته

توفي في 27 مايو 1873م بأمراض المثانة، عن عمر ناهز الإثنتين وسبعين سنة، ودُفن بمدافن العائلة بباب الوزير.

 

 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية