عباقرة ولكن مجهولون.. الحسن الوزان رائد الجغرافيا والموسوعات الأفريقية
على مر التاريخ الإسلامي لمعت أسماء عباقرة في مختلف المجالات مثل: عمر ابن الخطاب، وأبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن عبد العزيز، والبخاري، والشافعي، وابن حنبل، ابن سينا.. ابن رشد.. الكندي.. الفارابي.. الخوارزمي.. الطبري.. أبو حامد الغزالي.. البوصيري.. حتى محمد عبده.. المراغي.. المنفلوطي.. رفاعة الطهطاوي.. طه حسين.. العقاد.. أحمد شوقي.. عبد الحليم محمود.. محمد رفعت.. النقشبندي.. الحصري.. عبد الباسط.. وغيرهم، في العصر الحديث.
لكن هناك أسماء مهمة كان لها بصماتها القوية على العلم والحضارة، ولا يكاد يعرفها أحد، وفي هذه الحلقات نتناول سير بعض هؤلاء العباقرة المجهولين.
الحسن الوزان، رائد الجغرافيا والموسوعات الأفريقية
الحسن الوزان أو "ليون الأفريقي" هو رائد موسوعات أفريقية وجغرافي اشتهر بكتاب "وصف أفريقيا"، الذي يعد أول موسوعة أفريقية.
ويعتبر الوزان عالما موسوعيًا في مجال الجغرافيا والرحلات الأفريقية، ومؤلفاته تُعتبر بمثابة موسوعة مبكرة عن القارة.
هو أبو علي، الحسن بن محمد الوزَّان الفاسي الزيّاتي، المعروف بـ «ليون الإفريقي».. جغرافي، رحّالة، مؤرخ، عارف بالطب.
أهم كتبه: كتاب "وصف أفريقيا" (Descrittione dell’Africa)، أُتمه في روما (1526م)، وكان مرجعًا أساسيًا لأوروبا لعدة قرون.
مولده ونشأته
ولد في مدينة غرناطة لأب مسلم وأم يهودية، أسلمت قبيل زواجها بمدة قليلة طمعًا في مال الزياتي الأب لأنه كان واحدًا من أبرز تجار الزيت في غرناطة.
لقب الحسن بالزيّاتي نسبة إلى تجارة الزيت التي كان يعمل بها أبوه، وبالفاسي لنزوله وأسرته مدينة فاس، وقيل له الشيخ الفاسي لمعرفته الواسعة بأمور الدين.
انتقل الحسن الوزان مع أسرته إلى فاس إثر سقوط مدينة غرناطة سنة 1492م، وهو لايزال طفلًا ابن ثلاث سنين بعدما أصدر ملك إسـبانيا فرديناند مرسـومًا عرف بـ "مرسـوم 3 أيار 1492م"، تمّ بموجبه طرد الكثيرين من العرب واليهود إلى خارج المدن الإسبانية، بعد أن خيّروا ما بين الطرد والتنصير ففضلوا البقاء على دينهم، وخرجوا من بلاد الأندلس.
في فاس
عاشت أسرة الزياتي في مدينة فاس المغربية، وهناك نشأ الوزان الابن نشأة إسلامية، فتثقف بعلوم الدين الإسلامي حتى أجادها.
وأصبح، على حداثة سنه، خطيبًا في أحد مساجد مدينة فاس. وتعلم اللغة العبرية عن طريق أمه فأجادها إجادة تامة، كما تعلم العربية عن طريق معارف أبيه فأتقن قواعدها وأساليبها.
اشتهر حسن الوزّان الزياّتي بحبه للسفر والتنقل، فقام بأسفار ورحلات كثيرة في البلاد الإفريقية برفقة عمه، وتعلم منها الكثير عن حضارة تلك البلاد وحياة أهلها.
وكانت رحلته الأولى برفقة عمه وهو ابن ستة عشر عامًا إلى مدينة تمبكتو، وبها بدأ الكتابة ووضع الملاحظات والتوصيفات المعنية بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والأنتروبولوجية إذ تعمق في دراسة الأعراق، والأنساب، وأصول القبائل والعشائر الإفريقية، ورسم المواقع والأمكنة ذات الأهمية والاعتبار، وعاين مجاري المياه والأنهر، وحدّد النقاط التي تمرّ بها وأثرها في حياة الناس.
وفي البداية، كان طبيعيا أن تصدر عنه بعض الأخطاء، مثل قوله إن نهر النيجر يسير نحو الغرب إلى المحيط، كما وصف الحروب التي كانت منتشرة في إفريقيا آنذاك خصوصًا حروب القبائل المالية نسبة إلى مالي.
بعدها قام الوزان برحلات أخرى إلى مالي وبلاد الهوسا فالسودان الغربي، ومن خلال اطَّلاعه ومشاهداته دوّن طبائع الناس الذين كان يلتقيهم، وقد عرف بأنه ذو مقدرة خاصة على كسب ثقة الآخرين به وإقناعهم بمعلوماته ومعارفه.
ونظرا لكثرة أسفاره طارت شهرته بين الناس والأمراء وأصحاب الممالك، فسماه بعضهم سفيرًا لبلاده ولاسيما أن أسفاره اتجهت نحو الشرق، فزار مصر، والشام، وإيران، والجزيرة العربية، وتركيا، وأرمينيا، وبذلك اشتهر بأنه واحد من أهم الرحالة العالميين.
في الأسر
وذات مرة، وبينما كان في رحلة إلى المغرب، وقرب جزيرة جربة التونسية تعرضت سفينته لهجوم مجموعة من قراصنة صقلية فأسروه مع آخرين، وإن كانت عنايتهم به أكثر من غيره، فتلك تعود إلى أنهم عرفوا قيمته وأهميته من خلال المصنفات الجغرافية والخرائط والمعلومات المرافقه له، فقد أُسر الرجل وهو يكتب، وشعر آسروه بأن المعلومات التي بحوزته تعدّ كنزًا حقيقيًا، ولذلك نقلوه إلى نابولي، ومن ثم إلى روما، وأهدوه للبابا ليون العاشر بوصفه رجلًا عارفًا بتاريخ البشر ومواقع المدن وأنساب القبائل والعشائر، وقد سُرَّ البابا كثيرًا بالوزان بعدما عرف فيه سعة الاطلاع والخبرة بالبلاد الإفريقية التي كانت أشبه بالمجهول لديه.
وفي روما وبتوجيهات من البابا لقن الوزان المبادئ المسيحية الأولى وتنصَّر، وقام البابا نفسه بتعميده وهو في نحو الثلاثين من عمره، وتعلم الإيطالية حتى أتقنها، وعلّم العربية لرجال الكنيسة، وقام بإعداد مؤلفاته للطباعة، ولشدة إعجاب البابا به، أطلق عليه اسم ليون هدية من الكنيسة، فصار يعرف بـ«ليون الإفريقي»، وحرّره من الأسر، أي اشتراه لمصلحة الكنيسة.
المعجم العبري – اللاتيني
وكانت ثمرة تآليفه في تلك المرحلة إنجازه للمعجم العربي - العبري - اللاتيني الذي اشتمل على الكثير من المصطلحات والمعاني والمعارف الطبية، والجغرافية، والتاريخية، بعد ذلك أنجز إعداد كتابه الأكثر شهرة «وصف إفريقيا» الذي تحدث فيه عن الأمكنة الإفريقية وأهلها، وعاداتهم، والقبائل، والأعراق، وقد ترجم الكتاب مباشرة إلى الفرنسية واللاتينية ثم إلى الإنجليزية، ومن بعد إلى الألمانية والهولندية، وقد كانت النسخة الأصلية مكتوبة باللغة الإيطالية.
ويمكن القول إن كتاب «وصف إفريقيا» لايمكن عدّه في باب كتب الرحلات أو المسالك ذلك لأنه كتاب وضع وفق رؤى الأوروبيين؛ أي إنه كان كتاب إجابات عن أسئلة للأوربيين عن العالم الإفريقي في الاتجاهات الاجتماعية، والسياسية، والأنثربولوجية، والجغرافية التاريخية في آن معًا، أو أن الكتاب كان إجابات لأسئلة مضمرة كان الغرب الأوروبي يبحث عنها فوجدها في هذا الكتاب، ولهذا فإن كتاب الوزان «وصف إفريقيا» كان المفتاح الأساس والأول المعين للدول الغربية على استعمار إفريقيا، فقد رسمت خرائط الممرات، والأمكنة، والطرق، ومجاري المياه وفقًا للوصف الذي قدّمه الزيّاتي في كتابه وقد سجل الوزان في كتابه هذا بعض طباع الناس، فيقول عن أهالي تمبكتو: «وقد فُطر أهل تمبكتو على المرح، وتعودوا التجوال في المدينة بين العاشرة ليلًا والواحدة صباحًا، وهم يعزفون على آلات العزف ويرقصون. ولأهل المدينة عدد كثير من الرقيق ذكورًا وإناثًا يعملون في خدمتهم».
مصر في كتابه
أما عن مصر، فيتحدث عن الأعياد، والعادات، والمقامات، وأهل الكرامات، والرقص البهلواني، ونهر النيل وفيضانه، والطقوس التي يمارسها سكان القاهرة وأمزجتهم وطبائعهم، كما تحدث عن حيوانات مصر وإفريقيا عمومًا.
لم يعتمد الحسن الوزان على مصادر ومراجع سابقة ليكتب «وصف إفريقيا» عن البلدان التي زارها، وإنما كتب عن تلك البلدان وفقًا لما شاهده، وتبعًا للتجارب التي مرّ بها، لذلك فإن انطباعاته عن بعض الناس في المدن والأرياف كثيرًا ما انسحبت على جميع المدن والأرياف المجاورة لتلك التي زارها، وقد صوّر طرق المعيشة، والطبقات الاجتماعية، وأنماط المأكل والمشرب، وأفعال السلوك في أوقات النهار والليل، والطرائف والغرائب، أو ما يسمّى بالعجائب من الأحداث والخوارق، وأشكال الحروب، وأدوات الحروب، وأنواع الملابس، والفنون الشعبية، والمعتقدات والآداب الشعبية، والأمراض الشائعة والسيارة... وكأنها جميعًا تحدث في بيئات متماثلة.
"وصف أفريقيا"
لم يعرف العرب والأفارقة قيمة مؤلفات الوزان إلا مع سبعينيات هذا القرن، فقد كانت مقصورة على الغرب نفسه لأنها فتحت أمامه بوابة إفريقيا الواسعة، فمعجمه العربي - العبري – اللاتيني، وكتابه «وصف إفريقيا» مهدا السبيل لدراسة الواقعين العربي والإفريقي ابتداءً من القرن السادس عشر،وقد وظّفت تلك الدراسة لأغراض استعمارية ظهرت نتائجها فيما بعد، من ذلك على سبيل المثال المعرفة الوافية الضافية التي امتلكها الغرب بطباع العرب في مصر أيام حملة نابليون على مصر في القرن التاسع عشر، تلك المعرفة التي أذهلت مثقفي مصر وحكامها وطبقاتها الاجتماعية على مختلف مستوياتها، والتي أخذها الغرب من توصيفات حسن الوزان وأخباره عن مصر وأهلها.
لم يترجم كتاب حسن الوزان «وصف إفريقيا» إلى العربية في المغرب العربي إلا في السنوات الأخيرة.. إضافة إلى ذلك المعجم وكتاب «وصف إفريقيا» ترك حسن الوزان عدة مؤلفات منها «رسالة عن الشعر العربي وبحوره»، و«سيرته الذاتية».
وفاته
عاش الوزان في روما عشرين عامًا، ثم عاد إلى تونس حيث توفى عام 957هـ/ 1550م، وتؤكد بعض الروايات أنه مات على الإسلام.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا


