طه عبدالوهاب خبير المقامات: محمد الموجي قال لي أنت "أحسّ" أذن في العالم.. قضيت 45 عاما في خدمة القرآن وتعليمه.. ومعظم قراء الإذاعة تلاميذي
طه عبد الوهاب أستاذ علم المقامات الموسيقية لـ"فيتو":
مشاركتي في "دولة التلاوة" "فرقت معايا جدا
نشأتُ في “بلد القرآن” بطنطا.. ومن يحصدون المسابقات الدولية كلهم درسوا على يدي
توقعنا قبل أن تذاع أول حلقة أن هناك منصات تستعد للهجوم على “دولة التلاوة”
ترتيل القرآن نشأ على يد الحصري منذ 64 عاما.. والرسول كان يقرأ بـ"التحقيق"
لا يمكن للقارئ أن ينجح بمجرد حفظ القرآن.. وربنا اختار مصر لحفظ كتابه العزيز صوتا
عرف العالم اسم الدكتور طه عبد الوهاب، خبير علم المقامات الموسيقية، قبل أن يشتهر في مصر، كأحد أبرز المتخصصين في علم المقامات القرآنية والموسيقية.
عُرف بعمقه المعرفي ودقته البحثية، وبقدرته على الربط بين التراث الصوتي الأصيل والمقاربات العلمية الحديثة، وكأحد أبرز المحكمين في أصوات قراء القرآن الكريم.
في هذا الحوار، نقترب من رؤيته، كصاحب خبرة جعلت من علم المقامات لغةً تُدرَس، وفنًّا يُتقَن، ورسالةً تُنقَل للأجيال، حول المقامات ومستقبل هذا العلم، ونسأله عن دور الموسيقى في فهم جمالية أصوات القراء، وعن الجهود البحثية التي يسعى من خلالها لتقريب هذا الإرث إلى الباحثين والمهتمين. حوار يأخذنا إلى عمق الصوت ومعانيه.
- سؤال متكرر لكنه مهم: كيف نشأت وكيف ومتى حفظت القرآن الكريم؟
= أنا من قرية محلة مرحوم بمركز طنطا بمحافظة الغربية. وإذا تكلمنا عن “محلة مرحوم” بإيجاز فهي تعتبر "بلد القرآن" من البداية، لأنها يحدها على بعد نصف كيلو فقط أو كيلو، “شبرا النملة” بلد الشيخ الحصري، وهو تربى في “محلة مرحوم” أيضا، ومن الاتجاه الآخر جنوبا برما بلد الشيخ راغب مصطفى غلوش، وكذلك "الفراستق" بلد الشيخ محمد عبد العزيز حصان، وإلى الناحية الأخرى العملاق الكبير الشيخ مصطفى إسماعيل “ميت غزال”، يعني قرية في وسط القراء العظماء.
البداية كطفل عادي في قرية على أيامنا لم تكن هناك حضانات، لا كي جي وان، ولا كي جي تو، ولا الحاجات دي خالص، كان أي طفل معتاد يدخل الكتاب ليتعلم فيه القراءة والكتابة على الألواح، هذا في عمر 5 سنوات تقريبا، كان على يد الشيخ حافظ جوهر، وبدأت الحفظ على يديه، بعد ذلك كبرت قليلا، وقبلها طبعا تعلمت على يد الشيخ محمد حركان وهو أسطورة أو معلم المعلمين، فقد كان أستاذا للشيخ الحصري رحمه الله، قرأت عليه وأنا ما زلت طفلا 7 أو 8 سنوات. بعد ذلك الشيخ محمد غنيم وقد ختمت على يده القرآن، وكان عمري حوالي 14 سنة تقريبا أو 13 سنة.
- صوتك جميل، وتمتلك كل المقومات، لماذا لم تحترف قراءة القرآن الكريم؟
= في الحقيقة وراء هذا موضوع آخر، وقد حكيت عنه وبكل جرأة، أنا كنت مشروع قارئ مشهور جدا في الطفولة، وكانت بلدتي كلها تستمع إليَّ في المساجد، وكنت أقرأ تلاوة الجمعة والفجر في المساجد الكبرى، والتف حولي المعجبون والمشجعون، ولكن لسوء حظي وأنا في الرابعة عشرة من عمري يعني سنة 74 أو 75، تعرضتُ لمشكلة غيرت حياتي تماما، فأنا كنت أؤذن بصوت جميل في أكبر المساجد. وللأسف كان قد انتشر في هذه الفترة الفكر المتشدد وجماعات التكفير والهجرة، فأثناء الأذان هاجمني أحد الشباب أو الرجال، وقام بـ"ركلي"، وأنا أؤذن في المسجد، وقال جملة غريبة جدا: "صوته جميل أوي لا يصلح للأذان"، مع أني كنت سعيدا جدا بأن أؤذن، ولكنه صدمني وانتزع الميكروفون مني وأذن الأذان الذي تسمعه من هؤلاء الناس (بدون أي تجميل للصوت وبدون نغمات)، معتقدا أن هذا هو الأذان الشرعي. لم يستمع لسيدنا النبي حينما قال: علمه بلال فإنه أندى منك صوتا، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: أرحنا بها يا بلال، يعني صوته فيه راحة. هذا الموقف غيَّر حياتي مباشرة، فتحولت إلى دراسة الموسيقى وإلى الغناء أحيانا وعمل فرقة موسيقية، ولكن مع هذا العمل كنت أمارس حبي للقرآن، وأن أعلم القراء لأني كانت عندي خلفية موسيقية جيدة جدا، وجلستُ مع كبار المتخصصين في علم الموسيقى، أمثال الأستاذ محمد الموجي، الذي شهد لي بأنني “أحسّ أذن في العالم”، وأنا في هذه السن، وكذلك أعدتُ ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب بصوتي، وعملت أعمال مع الأستاذ إبراهيم رأفت الموسيقار المشهور رحمه الله، ولكن كل هذا لا يخرجني من كوني محبا للقرآن، وأنني من أهل القرآن. فكنت مستمرا في تعليم القراء.. "يعني نقدر نقول إن مسيرة تعليم القراء أكثر من 45 عاما أعلم قراء".

- ما الذي دفعك للتخصص في المقامات، وكيف تطوّر شغفك بهذا العلم، حتى أصبحت خبير المقامات الأول بمصر؟
= دائما أتذكر الحديث الشريف الصحيح اللي قاله سيدنا النبي: "إذا أحب الله عبدا عسله، قالوا ما عسله؟ قال يوجهه لعمل صالح ثم يقبضه عليه". وهو ما نصفه بـ"حُسن الخاتمة"، فربما أراد الله لي أن يُعسلني فوجهني إلى أن أترك كل الأعمال، وكل ما يخطر في بال أي أحد وأن أعمل في تعليم القراء والمنشدين.
- من هم أبرز الأساتذة أو التجارب التي أثّرت في تكوينك العلمي والموسيقي؟
= قمتُ بعمل دورات تدريبية على المقامات والصوت عديدة جدا، ويكفي أن أقول: إن معظم قراء الإذاعة أو مبتدئي الإذاعة من تلامذتي، وكذلك القراء والقارئات الذين يحصدون المسابقات الدولية كلهم تلامذتي، الحمد لله، ودرسوا على يدي بفضل الله.
- كيف تعرّف الجمهور بمسيرتك في دراسة علم المقامات الموسيقية؟
= بعد ذلك طبعا وأنا عمري 14 سنة بدأ يستهويني حب الموسيقى أيضا، فدرست آلة العود، وتعلمت المقامات الصوتية على يد الموسيقار حلمي أمين وكان نقيب المهن الموسيقية، وكذلك فن التوزيع والهارموني، وهذا الفن العالمي على يد المايسترو العالمي الدكتور ساري دويدار، رحمهم الله جميعا. أما بداية عملي في هذا المجال فعندما كان عمري 18 سنة، يعني أول قارئ التقى التقيتُ به لتعليمه المقامات كان الشيخ علي إبراهيم سليم، وذلك سنة 1978 أو 79 تقريبا. في هذه الجلسة اكتشفتُ نفسي واكتشفت أن عندي الموهبة في تعليم القراء، ولكني استمريت في حياتي التعليمية العادية جدا العامة، وعملت في الشئون الاجتماعية كموظف بسيط جدا، ولكني كنت في نفس الوقت أعمل في أبحاثي في علم المقامات الصوتية إلى أن وصلت بفضل الله في النهاية إلى الحصول على درجة الدكتوراه في علم المقامات القرآنية وهذا تخصص لم يسبق لأحد أن قدم فيه يعني أبحاثا من قبل، فكان لابد أن أعمل بحثا عن النغم، بداية من "لامك بن قابيل بن آدم"، إلى أن وصلنا إلى محمد أبو النصر الفارابي، وتغير النغم من الترانيم في التوراة والإنجيل والقرآن، وتأثيره على الموسيقى.. بالأساس تأثير القرآن على الموسيقى، من أول عبيد الله بن أبي بكر الثقفي التابعي، والذي وُلد سنة 13 هجرية، إلى أن وصلت إلى الفارابي الذي كتب أهم كتابين في الموسيقى؛ كتاب الإيقاعات وكتاب الموسيقى الكبير.
- كيف تطور من مهاراتك وإمكانياتك؟
= أحرص على أن أسمع كثيرا جدا، وأقرأ كثيرا جدا، وأتأمل كثير جدا، دائما أرى الدنيا حولي، ولابد أن أطلع على كل علم الصوت أو المقامات في كل دول العالم، يعني كل بلد له مقامات خاصة به، مثلا منطقة الحجاز لها المقامات الحجازية، واليمن المقامات العدنية، تونس والمنطقة حولها لها شيء اسمه "الطبوع" لا يسمونها مقامات، العراق فيه 70 مقاما عراقيا.. كل هذا لابد أن أدرسه، وأن أسمع، وأن أرى أفكارا جديدة.. أي لابد أن أطور من نفسي. كذلك في أسلوب التحكيم لابد كل فترة أن أراجع نفسي، وأرى تعليقاتي كيف كانت؟، وهل تطورت؟.. والحمد لله في أسلوب التحكيم لا أتكلم عن درجات فقط، ولكني أحاول أن أبث الطمأنينة أو التشجيع لكل متسابق، وأبدأ بتوجيه ملحوظة له، من خلالها يعتبر درسا، يتعلم من خلاله حتى يشارك مرة أخرى، ويكون مستعدا أفضل.
- هل شاركت في تحكيم مسابقات خارج مصر؟
= طبعا، دعيت إلى دول كثيرة، وحكمت في مسابقات دولية كثيرة في إيران، السعودية، لبنان، اليمن، ونظمتُ دورات للمتخصصين، وأيضا شاركت في عمل في العراق أيضا وفي وضع لوائح التحكيم.. والحمد لله بفضل الله.
- لماذا لا تصبح قارئا والقراء أصبحوا نجوما؟
= أولا يا سيدي الفاضل؛ لا تتخيل أو لا تتوقع أن الإنسان يختار عمله، هذا العمل ربنا هو الذي يوجهه له. ولكن قد يقول أحد مثلا: "من موسيقى وعودة مرة أخرى، وترك الغناء واتجاه إلى القرآن"؟!، والله هذه إرادته.
- هل يمكن للقارئ أن ينجح بمجرد حفظ كتاب الله؟
= لا لا، علم الصوت علم مهم.. هو فلسفة أداء.. "الناس فاهمة الموضوع غلط". بدون دراسة موسيقى، ليس بأن يحضر عودا ويدرس.. لا، لكن يتعلم علم المقامات الصوتية مش موسيقية، بل صوتية، يجب أن يعرف كيف يستغل صوته، كيف يذهب إلى المنطقة الحلوة في صوته.. كيف يستخدم طبقات صوته بدون إجهاد، بأريحية.
- ومن هو قارئك المقرب إلى قلبك؟
= أحب أن أسمع القرآن من كل القراء، وأنا طبعا ضد أن أسمع قارئا معينا وحده، ولكن الأفضل أن نسمع القراء كلهم من أجل القرآن ذاته، لأنه لا يوجد قارئ مكتمل، كل قارئ ميزه الله بأمر. فالشيخ الحصري ميزه الله بالإتقان، وميز الشيخ عبد الباسط بنقاء صوته، وميز الشيخ المنشاوي الله يرحمه بالخشوع، والفن في الأداء حصان ومصطفى إسماعيل، وعمران ورفعت، هناك صفات كثيرة ممكن أن نقول رفعت فيه كل هذا. إذن لا أحب الارتباط بقارئ فقط، الشحات كان مدرسة، الليثي كان فيه نقاء في الصوت، محمد الليثي الله يرحمه نقاء في الصوت غير عادي، الشيخ الطبلاوي النفس الطويل والنغمة البسيطة التي تجذب الأذن. كل قارئ فيه ميزات، الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي الأسطورة رحمه الله.. كان أسطورة التصوير النغمي، تحس أنه يرسم بصوته كما يريد، حسب معاني الآيات.
- من هم القراء الذين تعتبرهم أساتذة في فن المقامات؟
= أمهر من استخدم المقامات الشيخ مصطفى اسماعيل طبعا رحمه الله، والشيخ حصان والشيخ رفعت، وفي الإنشاد الشيخ علي محمود منشد المنشدين.
والراحلين الشيخ محمد رفعت رحمه الله، الشيخ عمران، الشيخ المنشاوي، الشيخ البهتيمي، الشيخ حصان، طبعا أسطورة، كذلك الدكتور أحمد نعينع، الشيخ محمد بسيوني.. وفي الجيل الموجود حاليا الشيخ عبد الفتاح الطاروطي فاهم مقامات، الشيخ عبد الناصر حرك، الشيخ محمد يحيى الشرقاوي، الشيخ محمد محمود صابر، الشيخ محمود علي حسن، الجيل السابق على رأسه علي محمود، هذا أسطورة.. أما المنشدون، فالجيل عظيم كله.. عبد العظيم زاهر، الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي.. كل العمالقة القدامى طبعا كلهم فاهمين مقامات، أبو العينين شعيشع كان دارس، إنما القارئ الذي أعتبره درس أكاديميا فهو الشيخ الشحات محمد أنور رحمه الله.
وكل القراء والله كل القراء، الذين يقرأون القرآن.. أحب كل القراء لأن كل واحد له مذاق خاص، وأنا دائما أقول: "خذ من كل بستان زهرة هتعمل بوكيه حلو اوي"، إنما لو أخذت صوتا واحدا، لابد أن أتجول بين هذه الحدائق المليئة بالزهور.
- برنامج "دولة التلاوة" زادك شهرة، أليس كذلك؟
= أنا لي الشرف أن شاركت في "دولة التلاوة"، وفعلا "فرقت معايا جدا"، وأصبح العالم كله يعرفني.. أنا كنت معروف عالميا، وأنا أتعجب من كوني كنت معروفا في دول غير مصر أكثر من مصر، قبل "دولة التلاوة" كانت لي شعبية في العراق، في إيران، في اليمن، في لبنان.. في هذه المناطق كبيرة جدا.. وحينما أذهب إلى هناك يستقبلونني في قاعة كبار الزوار.. إنما بعد برنامج "دولة التلاوة" عرف العالم كله بي، وطبعا مصر أم الدنيا.
- وما هو شعورك بعد أن أصبحت "تريند"؟
= أقسم بالله؛ أنا قلقان جدا وخايف جدا.. لأنه حينما اشتهر اسمي جدا، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرا مما يظنون، كان سيدنا أبو بكر يدعو بهذا الدعاء دائما.. عندما يشعر بأن الناس يعاملونه كأمير المؤمنين، فكان يخاف أن تغره الدنيا. فـ"ربنا ما يجعل الدنيا في قلوبنا"، كل هذا متاع زائل يا أستاذي الفاضل؛ فالشهرة بالنسبة لي أنا سعيد بها جدا، وسعيد أنها جاءت من خلال برنامج "دولة التلاوة"، وسعيد أن أُعرف من خلال القرآن، هذا شرف لي.
- كيف جاءت مشاركتك في "دولة التلاوة"؟
= حينما بدأوا يعلنون عن هذه المسابقة في التلفاز، وقالوا إنها سيشرف عليها خبراء عالميون، نظرت إلى أولادي وقلت: أنا واثق أن الوزير الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري سيرشحني؛ لأنه يعرفني، وحضر لي محاضرة، وفاجأني بأن قال لي إنه يعرف بالبحث الذي عملته عن النغم والمقامات. فهذا الرجل العالم العابد التقي أكيد سيرشحني في هذه المهمة وشرف لي والله.

- هل لاحظت تطورًا في وعي الجمهور بالمقامات بعد عرض البرنامج؟
= هناك جمهور واعٍ جدا، ومتذوق، وهو جمهور زمان، بدأ يلتف حول الشاشة، ويقول هذا علم، هذا القارئ كان صوته يحدث فيه كذا في رجفة، في الصوت.. هذا قال هذه الآية.. صح.. هذا قال الآية بنغمة مضبوطة.. بدأ ينشط ويقول هذا أنا.. المصري بطبيعته متذوق، وعنده إحساس بالمعنى، والدليل على ذلك أن الدولة الوحيدة التي لم يقولوا ان هذا القارئ صوته حلو، بل يقولون: هذا القارئ حسه حلو، حسه يعني إحساسه بالمعنى.
- ما أبرز الأخطاء الشائعة في استخدام المقامات لدى بعض القرّاء الجدد؟
= إذا القارئ استخدم مقاما غير مناسب لمعنى الآية فإنه يغير معناها تماما دون أن ينتبه، على سبيل المثال إذا قرأ القران آية مثلا: "إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا"، وقالها بمقام حزين، ماذا سيصل إلى أذن المستمع؟ سيصل إلى أذن المستمع أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يبكي وخائفا، وحاشا الله لو أن النبي بكى في هذه اللحظة.. "يبقى فقد الثقة في أن الله حافظه وناصره"، بل هو يريد أن يثبِّت سيدنا أبو بكر.. كيف يثبِّت سيدنا أبو بكر وهو خائف، فاقد الشيء لا يعطيه. وكذلك "يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام".. "لو قالها بحزن وبزعل ممكن واحد يسمع الآية دي يقول إيه ده؟! ربنا بيتذلل للناس علشان يصوموا، يعني وللا إيه؟! معناها كدة يعني".
- كيف تشرح أهمية علم المقامات في تحسين أداء القرّاء ودعم الرسالة الروحية للتلاوة؟
= الناس يعتقدون أن علم المقامات هذا كأنه للغناء فقط.. لا هو علم فلسفة الأداء القرآني، إذا ضربتُ مثلا بآية، مثلا: "وإذ قال إبراهيم" هنا تحدد أنه من القائل سيدنا إبراهيم، وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن".. ممكن لو قلتها بمقام واحد أصبح المتحدث واحدا، وأصبحت "قال" توكيدا لفظيا، قال: "أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير"، هنا دور النغم.. كيف تستخدم طبقة صوتية ومقاما معينا يظهر للمستمع أن الذي يتكلم هو المولى سبحانه، أو الذي يتكلم هو سيدنا ابراهيم، هذه فلسفة الأداء.
- ما هو المقام الأقرب إلى قلبك؟
= دائما ما يوجه لي السؤال بطريقة أخرى، فيقال: ما هو أحسن مقام؟ وأنا أسأله: "إيه أحسن زِي عندك؟" فيجيبني: والله عندي بدلة شياكة جدا، ماركة.. فأقول له: "طيب انت لو رايح تلعب رياضة، ايه رأيك في البدلة، تنفع؟"، فيجيب: "لا، الترينج أفضل". هذا هو الجواب بالضبط؛ "إيه أحسن لبس؟.. أحسن لبس اللي يمشي مع المناسبة اللي أنا رايح لها، لو أنا رايح المسجد يبقى الجلابية أحسن، رايح مناسبة رسمية البدلة شيك أوي ومطلوبة، رايح ألعب كورة يبقى لبس الرياضة والكوتشي والترينج وكده عشان أبقى حر الحركة". كذلك ما هو أحسن مقام؟ أحسن مقام المقام الذي يعبر عن المعنى الذي أريد توضيحه أو توصيله للمستمع؛ لأن هذا الهدف الرئيسي هو هدف القارئ المتقن الذي يفهم النغم، الذي يجعل القرآن ينقله من حالة الاستماع إلى حالة أن يرى الآية يرى المعنى، ويصبح متعبدا.
- البعض على السوشيال ميديا اعتقد، خطأ، أنك تنتقد الشيخ محمد صديق المنشاوي.. ما هي التفاصيل؟
= بالنسبة للناس التي اعتقدت أنني أنتقد الشيخ محمد صديق المنشاوي الله يرحمه، هم فاهمين غلط.. الجملة لها معاني أخرى.. أصلا أنا لي مقالات عن الشيخ المنشاوي رحمه الله، أنه من العمالقة، أنا قلت للمتسابق إن الشيخ المنشاوي بطبيعته فيه خشوع في صوته؛ لدرجة أن هو الخشوع في صوته والحزن البكَّاء.. هو كان صوته بكاءً، يغير إحساس المقام، أي أن هناك مقاما مبهجا لكنه يقوله بصيغة حزينة، معنى هذا أنه وصل إلى درجة أن إحساسه يغلب على طابع المقام "بيطوع المقام زي ما هو عايز"، فهذا تمكُّن أو قمة التمكن.. الناس فهمت هذا.. ونحن متوقعين أصلا قبل أن تذاع أول حلقة أن هناك منصات تستعد للهجوم عليه، لأن هناك ناس تحقد على مصر، وفيه ناس لا يريدون لمصر أن تحقق نجاحات يراها العالم كله، ويكون سعيدا. وهؤلاء بدأوا بالهجوم على شخصيات من اللجنة، مثل الأستاذ مصطفى حسني.. متسائلين: ما هو تخصصه لكي يُحكِّم؟! ففوجئوا بأنه لا يشارك في التحكيم، الشيخ جابر بغدادي لماذا يحكِّم؟! وفوجئوا بأنه ليس محكما، بل ضيف شرف في الجلسة، فبدأوا يتكلموا على المقامات.. مدعين أنها حرام (!!) من هو طه عبد الوهاب؟! ففيه ناس ردوا عليهم.. فزعموا أنه يخطئ بحق الشيخ المنشاوي؛ على أساس أن له شعبية طبعا، واليوم كلمني نجل الشيخ صديق المنشاوي في الصباح يتعجب كل العجب، يقول لي: "أنا شفت الحلقة مش شايف فيها إهانة.. ده بالعكس بتشكر فيه".. وأخيرا بدأوا يتركوا طه قليلا، ويتكلموا في المقدمة الرائعة، والتي أعتبرها سرا من أسرار نجاح هذا البرنامج، الاستاذة آية عبد الرحمن، المتألقة، "قال لا كنا عايزين مذيع راجل"، "انت براحتك، ما تتفرجش يا سيدي، ما تتفرجش وسيب الناس سعيدة بما قدمته مصر من إنجاز".. تخيل على السوشيال ميديا هذا البرنامج يصل لعدد مشاهدات 220 مليون مشاهدة.. شيء لم يحدث من قبل، "لو شافوا فرحة الناس بهذا البرنامج توصل أنهم يعملوا شاشات عرض في الشوارع وفي المقاهي أكتر من مباريات نهائيات كاس العالم". فعادي أنا لا أبالي وأشاهد النقد ولا يهمني، إلا لو رأيت أحدا قال ملحوظة مثلا ينظر لها بعين الاهتمام، وأركز معها، وأرد عليه وأقول له لا والله، أنا أقصد كذا كذا.. إنما فيه ناس داخلة أساسا للخطأ.. ربنا يهديهم.

- كيف تقوم بتدريس المقامات الموسيقية للقراء؟
= هناك من يعتقد أني أقوم بتدريس المقامات على موسيقى بآلة موسيقية مثلا، لا أنا أدرسِّها له قرآنيا، سماعيا بالتلقي، كما أن الشيخ مصطفى إسماعيل وغيره تعلموا، ولم يدرسوا موسيقى، ولكن درسوا مقامات من خلال متخصصين يقولون لهم: هذا مقام كذا.. هذا مقام كذا.. فهذا ما أفعله، ولكني طورت الموضوع بأنني أقرأ لهم المقام بكل الطرق.. بمئات الطرق، لا أستخدم مدرسة أو أسلوبا قرآنيا لقارئ معين، لا لابد أن أجعله هو الذي يختار الأسلوب الذي يميل إليه، لا أميل الى مدرسة معينة أدرِّسها وأشرحها للطالب، بل لابد أن أتركه هو الذي يختار تبعا لذوقه، لا أفرض عليه اسلوب الشيخ مصطفى اسماعيل او أسلوب الشيخ رفعت أو اسلوب الشيخ مثلا حصان أو الشيخ عمران أو....... هو الذي يختار على ذوقه وميوله ورغباته.
- هناك جدل دائم بين التلقي بالسماع والدراسة الأكاديمية للمقامات… كيف ترى هذا الجدل؟
= أولا أنا لا أدرس موسيقى، ولكن أدرس علما خاصا فيه شيء من الموسيقى، وفيه التجويد، وفيه الوقف والابتداء، ما هو؟ الموسيقى علم آخر تماما.. أنا أصور وأعلِّم ما يسمى بالتصوير النغمي، ما ذا يعني التصوير النغمي؟ هو كيف للقارئ أن يرسم المعنى، كيف للقارئ بمجرد أن يقول آية يفهمها حتى الإنسان البسيط الذي لا يعرف الفصحى. وهذا التصوير النغمي له أنواع كثيرة، منها التصوير بالدرجة، يعني بالدرجة مفردة ومجملة، أي أن كل مفردة لها طبقة في الصوت ومجملة أكثر من درجة في كلمة واحدة، وضربت امثلة كثيرة اثناء شرحي في المحاضرات. النوع الثاني التصوير برقة وغلظة الصوت، متى يكون الصوت رقيقا في الاداء اذا كان الكلام مثلا موجها من المولى تبارك وتعالى الى سيدنا النبي، فهذا حبيبه، يكون بقمة في الحب، حتى ولو كان آمرا: "يا ايها النبي قل لأزواجك"، أو معاتبا: "يا أيها النبي لِمَ تحرم". وكذلك متى يكون الصوت فيه قوة؟ حينما اقول "هو الرحمن الرحيم" غير أن اقول "والله شديد العقاب".. هنا توجد قوة، هنا يوجد حنان، في الصوت فيه دفء، متى استخدم الطبقات الحادة؟ متى يستخدم القارئ الطبقات العميقة في صوته؟. والنوع الثالث اسمه التصوير باختيار المقام المناسب، كل مقام له درجة ويصور حالة معينة، إما حالة حب.. حالة حزن أو حالة تهديد.. حالة انزعاج، حالات كثيرة، فلابد ان أقرأ في التفسير جيدا لكي أستخدم المقام الذي يساعدني على رسم معاني الآيات وتوصيلها الى قلوب المستمعين.

- ما هو الفرق بين الترتيل والتجويد؟
= أصلا، لا يوجد شيء اسمه "ترتيل وتجويد"، والصواب هو: ما الفرق بين الترتيل والتحقيق، أما التجويد فهو حكم يسري على كل التلاوة.. سرعة التلاوة، سرعة التلاوة المعروفة في مصر بـ"الحدر"، وهو السريع جدا.. الأبطأ منه اسمه "التدوير"، الذي نسمعه من الشيخ الحصري والشيخ المنشاوي في إذاعة القرآن الكريم.. ثم "التجويد" والصواب أن اسمه "التحقيق" أي تحقيق الحروف. وهنا توجد نقطة تسبب خللا عند الناس، حينما تسأل أي شخص تقول له: هل النبي كان يقرأ بأي طريقة؟ كان يقرأ تلقائيا.. يقول لك: بالترتيل، ما دليلك على هذا الكلام؟ يقول: "ورتل القرآن ترتيلا"، رتل يعني زيِّن وأعطِ كل حرف حقه ومستحقه، أما سيدنا النبي فكان يقرأ بالتحقيق أي البطيء جدا.
ما الدليل على ذلك؟ لما سئلت أم سلمة والسيدة عائشة؛ كيف كانت تلاوة النبي؟ قالتا: كان يمد الحرف مدا، ويقف على رأس الآية، لدرجة أنني أتمكن من عد الأحرف، ومن حفظ ما يقول، إذا كان سيدنا النبي يقرأ بالتحقيق، وسيدنا علي رضي الله عنه عندما سئل عن قراءة القرآن، قال: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف، ولم يقل تجويد الكلمات، بل تجويد كل حرف. أما الترتيل فهو موضوع جديد نشأ سنة 1962، وأول من قرأ بالمرتل كان الشيخ محمود خليل الحصري رحمه الله، فعندما لاحظوا أخطاء كثيرة في الطباعة فأرادوا أن يسجلوا أو يحفظوا القرآن صوتا، وهذا من أعظم الأمور التي قامت بها مصر أنها حفظت القرآن صوتا؛ لأن ربنا تولى حفظ القرآن، فقال: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ولكنه شرف لمصر أن اختارها الله لتكون هي الدولة التي حفظت القرآن صوتا.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا


