ذكاء اصطناعي أم ذكاء أخلاقي؟! (٢)
ماذا خسر العالم بغياب التربية الأخلاقية.. ألم يتحول العلم إلى قوة عمياء، والنجاح المهني إلى فصل جديد من الخسارة الإنسانية؟! للأسف لم ينشغل التعليم في العقود الأخيرة ببناء الإنسان بقدر انشغاله بإنتاج المهارة.
صارت القاعات تدرّس كيف يجيب الطالب في الامتحان، لا كيف يعيش في المجتمع. يتعلم قواعد الحساب ولغات البرمجة وطرائق الحفظ والاستنتاج، لكنه لا يتعلم أثر كلمة تُهين إنسانًا أو قرارٍ يظلم آخر..
ولا يدرك أن الصدق والنزاهة واحترام الاختلاف ليست فضائل جانبية بل ركائز لا يبقى مجتمع من دونها حيًا.
ومن هنا يظهر التناقض القاسي الذي نشهده يوميًا.. شخص يحمل أعلى الشهادات لكنه يعجز عن احترام الوقت، أو رد الجميل، أو الاعتراف بخطأ، أو حتى قول لا أعلم دون كبرياء..
ويزداد المشهد التباسًا حين يُختزل التدين في مظهره بدل جوهره، فيظن البعض أن الالتزام الشكلي كافٍ لصناعة الضمير. لكن التجربة أثبتت أن التدين المنفصل عن الأخلاق يتحول إلى طقس فارغ، وأن كل إنسان أخلاقي يمارس بصمت أصدق أشكال التدين حتى لو لم يرفع شعارًا.
فالضمير الحقيقي هو القدرة على الصدق دون خوف، وعلى النزاهة دون رقابة، وعلى فعل الخير دون انتظار فتوى تُحرّك اليد أو عين تراقب السلوك. إنه إيمان داخلي ينبع من عمق النفس لا من رهبة الخارج، ويُشعر الإنسان بأنه مسؤول أمام ذاته قبل أن يكون مسؤولًا أمام أي سلطة.
وحين يتسع الجهل الأخلاقي ليغدو سلوكًا جمعيًا، تتشوّه القيم في الوعي العام. يتربى الأطفال على أن التحايل ذكاء، والغش مهارة، والخطأ حين يرتكبه الجميع يصبح بلا عقاب. ومع الوقت يتآكل الضمير العام ببطء، فيتحول الفساد إلى عادة، والكذب إلى مهارة اجتماعية، وخرق القوانين إلى فهلوة محببة.
وهذه الانحدارات الصامتة أخطر من أي أزمة اقتصادية أو سياسية، لأنها تضرب جذور المجتمع لا سطحه، وتضعف الثقة بين أفراده كما تضعفها بين المواطن ومؤسساته.
والحقيقة أن الأخلاق لا تُلقَّن في درس مدرسي ولا تُزرع بخطبة ولا تُحفظ في امتحان. إنها ممارسة يومية تنشأ في بيئة تُكرَّم فيها النزاهة ويُحترم فيها الصدق ويُطبَّق فيها العدل على الجميع دون تمييز. فالمجتمعات لا تتعلم الأخلاق بالنصوص بل بالسلوك العام، ولا تبني الضمير بالشعارات بل بالقدوة التي يراها الناس كل يوم. وعندما تغيب القدوة، تسقط الأخلاق مهما تعددت اللوائح والقوانين، لأن من يطبقها يكون قد فقد الحس الذي يجعله يحترمها.
وما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم ليس إضافة مادة دراسية جديدة عن الأخلاق، بل إعادة تعريف جوهر التعليم نفسه. نحن بحاجة إلى تعليم يوقظ التفكير لا الحفظ، ويعلّم الفهم لا الإقصاء، ويغرس القدرة على الاختلاف دون نزاع، وينشئ إنسانًا يدرك أن مسؤوليته تجاه الآخرين امتداد لمسؤوليته تجاه نفسه. تعليم يرى الإنسان قبل العامل، والضمير قبل الشهادة، والوعي قبل المظهر.
وحين يتشكل هذا الضمير، يكتسب الإنسان ميلادًا جديدًا، يتحول فيه الخير من واجب ثقيل إلى اختيار واعٍ، ويتحول القانون من قيد خارجي إلى حماية داخلية، ويتحول المجتمع من ساحة صراع إلى فضاء تعاون.
لقد آن الأوان للانتقال من تعليم العقول إلى تربية القلوب، لأن العلم بلا أخلاق ينتج أدوات تهدم الإنسانية، والأخلاق بلا علم تنتج سذاجة تعرقل التقدم. أما اجتماع العلم والأخلاق معًا، فهو ما يصنع الوعي الذي يُصلح الحياة ويمنح الإنسان القدرة على أن يكون جزءًا من نهضة حقيقية تبدأ في داخله قبل أن تمتد إلى محيطه. إن محو الجهل الأخلاقي ليس شعارًا مثاليًا، بل ضرورة وجودية لأي مجتمع يريد أن ينهض بعلمه، ويحتفظ بإنسانيته، ويدافع عن قيمه في عالم تتغير موازينه كل يوم.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
