اتفاق ممر "زنجزور"، طريق "ترامب" للتجارة بين أوروبا وآسيا الوسطى عبر تركيا.. والتغيير في التوازن الجيوسياسي أبرز أسباب اعتراض إيران
رغم أن مسافته لا تتجاوز 43 كيلومترا، إلا أن ممر "زنجزور" الذي يمتد عبر إقليم سيونيك الأرميني، ويربط أذربيجان بجمهورية "نخجوان" ذاتية الحكم، قد يعيد رسم مسارات التجارة بين أوروبا وآسيا الوسطى عبر تركيا، ويثير حسابات جيوسياسية معقدة بين قوى إقليمية ودولية، وهو ما يفسر وجوده كعنصر أساسي في اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان الذي جرى توقيعه الجمعة الماضية في البيت الأبيض.
تاريخ الصراع بين أرمينيا وأذربيجان
بدأ النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو قره باغ في أواخر الحقبة السوفيتية، إذ تقع المنطقة الجبلية داخل حدود أذربيجان لكنها كانت حتى عام 2023 ذات غالبية سكانية أرمنية، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في 1991، تحولت التوترات التاريخية إلى حرب أولى (1988–1994) حصدت أكثر من 30 ألف قتيل وهجرت أكثر من مليون شخص، معظمهم من الأذريين، عقب سيطرة الجانب الأرميني على قره باغ وسبع مناطق محيطة بها.

يشير تقرير لـ"بلومبرج" إلى انه رغم وقف إطلاق النار، ظل الخطر قائمًا مع حوادث متقطعة حتى اندلاع جولة قتال عنيفة في أبريل 2016 استمرت أربعة أيام وأوقعت مئات القتلى، وفي 2020 نشبت حرب ثانية انتهت خلال 44 يومًا بانتصار حاسم لأذربيجان التي استعادت المناطق السبع ونحو ثلث قره باغ، ثم تجددت الاشتباكات الحدودية في نوفمبر 2021، قبل أن تشن باكو في سبتمبر 2023 هجومًا خاطفًا أنهى الوجود الأرميني في الإقليم فعليًا مع نزوح ما يقارب 100 ألف شخص إلى أرمينيا.
على مسار التسوية، ظل التقدم بطيئا رغم إبداء الطرفين رغبة في إبرام معاهدة سلام، وأعادت أرمينيا في 2024 بعض الأراضي المتنازع عليها إلى أذربيجان، ما فجر جدلًا واحتجاجات في يريفان، وبقيت العقبة الدستورية حاضرة مع مطالبة باكو بتغيير ديباجة الدستور الأرميني التي تتضمن إشارة إلى إقليم قره باغ؛ ودعا رئيس الوزراء نيكول باشينيان إلى استفتاء لتعديل الدستور دون تحديد موعد بينما من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية في يونيو 2026.
“ممر زنجزور” عقدة الربط الأكثر حساسية
في هذا السياق تبلور دور “ممر زنغزور” بوصفه عقدة الربط الأكثر حساسية وهو ممر بري مقترح عبر جنوب أرمينيا يصل أذربيجان بجيب نخجوان على حدود تركيا. وسبق أن نصت هدنة 2020 على ممرات عبور تحت إشراف روسي، منها منفذ لسكان قره باغ إلى أرمينيا، وآخر يتيح لأهالي نخجوان المرور عبر جنوب أرمينيا إلى بقية أذربيجان. تمسك الجانب الأذري بالممر بحيث يربطها دون أي عائق بنخجوان، رافضًا أي إشراف لطرف ثالث، فيما تحفظت يريفان على ذلك وأصرت على بقاء أي طريق تحت سيادتها.
برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقع رئيس أذربيجان إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في البيت الأبيض اتفاق سلام علاوة على اتفاقيات اقتصادية ما يضع حدًا لصراع دام لعقود.
وقال محللون: إن الاتفاق يمثل خطوة هامة بعد 27 عامًا من التشديد الأمني، ويفتح الباب أمام توقيع اتفاقات اقتصادية كبيرة في مجالات الطاقة والاستثمار وغيرها من المجالات.
أعلن ترامب أيضا عن "مبادرة ترمب للسلام والازدهار الدولي" التي من المأمول أن تسهل الحوار وعملية بناء العلاقات وفتح بابا التواصل بين شعوب البلدين، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وقعت اتفاقيات تعاون ثنائي مع أرمينيا وأذربيجان لا سيما في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مضيفا أنه جرى رفع القيود على التعاون في مجال الدفاع بين الولايات المتحدة الأميركية وأذربيجان.
طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي
ونقلت "بلومبرج" عن مصادر بإدارة الرئيس الأمريكي أن وجود مشروع ممر تجاري جديد في جنوب القوقاز باسم "طريق ترامب للسلام والازدهار الدولي (TRIPP)، هو ضمن اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا.
يوفر الممر رابطًا عبر الأراضي الأرمينية بين أذربيجان وأحد جيوبها المتاخمة لتركيا غربًا -وهو طرح كانت يريفان ترفضه سابقًا باعتباره يمس سيادتها- لكن الدعم الأميركي وتوقيع الاتفاق في البيت الأبيض، بحضور باشينيان وعلييف، سهل المضي قدمًا بالمشروع.
نقلت رويترز عن مسئولين بالإدارة الأمريكية أنه سيتم تشغيل الطريق وفقًا للقانون الأرميني وستؤجر الولايات المتحدة الأرض من الباطن لاتحاد شركات للبنية التحتية والإدارة، وأشار أحد المسؤولين إلى أن الوسائل التجارية ستسهم في فتح المنطقة للحركة لجميع الأطراف وتمنع المزيد من الحروب.
يدعو إطار الاتفاق إلى تشكيل فريق تفاوض خاص بالممر، وبدء لقاءات مبكرة مع شركات مهتمة بالتشغيل التجاري. هذه الخطوة تعكس مقاربة تجعل الاستثمار والبنية التحتية اللوجستية في صميم ترتيبات مرحلة ما بعد إحلال السلام في المنطقة.
وذكرت مجلة "المجلة" أن الاتفاق يتضمن 7 بنود رئيسية تشمل احترام الحدود وإنهاء النزاع الإقليمي ونبذ استخدام القوة. وإلى جانب ذلك، اتفق الطرفان ووقعا على عدد من الوثائق المكملة، من بينها طلب مشترك إلى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لإغلاق "مجموعة مينسك" التابعة للمنظمة المعنية بإحلال السلام عبر التفاوض لحل النزاع حول مرتفعات قره باغ.
كما وقع وزيرا خارجية أرمينيا وأذربيجان بالأحرف الأولى على مسودة "اتفاقية إرساء السلام والعلاقات بين الدول"، بعد إنجاز نصها النهائي، فيما تنتظر باكو من يريفان إدخال تعديلات دستورية تُنهي أي مطالبات باستعادة أراض إقليمية قبل المضي في التوقيع والتصديق النهائيين.
يرى الأذريون في الممر صلة حيوية تربطهم بنخجوان وخطوة لتجاوز أجواء الحرب. فيما توضح صحيفة "فاينانشال تايمز" أن الممر ليس مجرد معبر بري، بل مشروع متعدد الوسائط يمنح إمكانات واسعة لتوطيد الربط الإقليمي على مستويات النقل والطاقة علاوة على تكنولوجيا المعلومات الخاصة بإدارة المشروع وبنيته التحتية.
وذكرت "رويترز" أن أذربيجان ستتمكن من تسويق مواردها باستقلالية أكبر بالإضافة إل خفضها لتكلفة النقل من خلال الطرق البرية، بدلًا من المسارات الحالية التي تتسم بطول المسافة.
بالنسبة للمكاسب الأمريكية، تقول أسلي أيدينتاسباس الباحثة بمعهد "بروكينجز" إن الاتفاق يتجاوز مجرد إعادة تسمية ممر زنغزور إلى طريق ترامب، إذ يرسخ الوجود الأمريكي في قلب المناطق المتاخمة لروسيا، كما يعزز المشروع مكانة الولايات المتحدة الأميركية كضامن للسلام عبر مركز لوجستي تديره شركات أميركية.
على صعيد أوروبا فإن تفعيل الممر ينطوي على فوائد اقتصادية كبيرة، فكما أنه يحي طرق التجارة التقليدية التي تربط آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، فإنه يعيد عمليًا تشكيل مسارات التجارة البرية بين أوروبا وآسيا الوسطى مرورًا بتركيا، من دون الحاجة إلى المرور بجورجيا أو اتخاذ مسارات التفافية، بحسب "معهد سياسات بحر قزوين".
وتفسر فوائد المشروع لأنقرة الترحيب التركي الرسمي به واعتباره فرصة استراتيجية لربط أوروبا بآسيا عبر طرق برية بديلة، ودعم مسارات الطاقة والتجارة في جنوب القوقاز، وقد يمهد نجاح الاتفاق لإعادة فتح معبر مرجارا الحدودي بين تركيا وأرمينا والمغلق منذ 1993 أمام حركة التجارة والأفراد باستثناء فترات محدودة للغاية جرى فتحه خلالها لأسباب إنسانية.
كما لعب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دورا دبلوماسيا نشطا في التوفيق بين مواقف يريفان وباكو، إذ أكد في مناسبات عدة دعمه لأي اتفاق سلام بين أذربيجان وأرمينيا خلال استقباله لباشينيان في إسطنبول يونيو الماضي، بجانب إشادته بالاتفاق فور الإعلان عنه.
كما أوضح "معهد سياسات بحر قزوين" أن الممر سيقلص المسافة البرية بين أذربيجان وتركيا بنحو 343 كلم، ما يعني خفض زمن الرحلة والتكاليف اللوجستية، بما يعزز تدفق البضائع ويقوي الربط المباشر بين الأسواق التركية وأسواق القوقاز وآسيا الوسطى.
رغم بعدها عن العملية السياسية نفسها، إلا أن الصين تبقى من أهم المستفيدين. نقلت "المجلة" تصريح عضو غرفة التجارة الإيرانية حميد حسيني بأن ممر "زنغزور" سيصب في صالح منافسي إيران التجاريين ويربط الصين بأوروبا دون الحاجة إلى الحدود الإيرانية، مشيرًا إلى أن الصين تتمتع بأربعة ممرات غير بحرية تستخدمها للتجارة مع أوروبا وكلها تمر عبر إيران.
في السياق نفسه، تظهر إسرائيل وراء الكواليس في الخلفية الجيوسياسية الأوسع من بين المستفيدين. ذكر تقرير لوكالة "رويترز" أن مسؤولين أمريكيين يرون في توقيع إطار السلام فرصة لفتح مفاوضات بشأن انضمام أذربيجان إلى "اتفاقات أبراهام"، التي تضع إطارًا لتطبيع العلاقات بين تل أبيب وعواصم عربية وإسلامية.
وأضاف التقرير أن إدارة ترامب تجري محادثات مع أذربيجان لإمكانية انضمامها مع بعض دول آسيا الوسطى. أفاد المسؤولون بأنه مع التركيز على التعاون التجاري والعسكري وليس على التطبيع الدبلوماسي بصورة تقليدية، اعتبر اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان شرطًا مسبقًا لتعزيز هذا التوجه.
يشير تقير مركز "أتلانتيك كاونسل" إلى أن استكمال السلام يمثل فرصة نادرة للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لترجيح كفة نفوذهما الإقليمي وفتح قنوات تجارة وتدعيم المصالح الاستراتيجية على نطاق أوسع.
أعلنت إيران في بداية الأمر رفضها القاطع لأي تغيير في التوازن الجيوسياسي الناتج عن "طريق ترمب للسلام والازدهار الدولي"، ونقلت وكالة "رويترز" عن علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني، قوله إن طهران "مستعدة لمنع أي تغييرات جيوسياسية بالقوة"، لكن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان نأى بنفسه عن موجة الانتقادات موضحًا أنه وفقًا لما ذكره وزير الخارجية، فقد تمت مراعاة مطالب بلاده، مشيرا إلى أن الموضوع ليس كما جرى تضخيمه في وسائل الإعلام.
نوه الرئيس الإيراني إلى أن مطالب طهران تتمثل في وحدة الأراضي وعدم إغلاق الطريق أمام إيران نحو أوروبا أو نحو الشمال، لكن الملاحظة الأبرز بالنسبة له تتمثل في أن شركة أميركية وأخرى أرمينية هما اللتان سيقومان بإنشاء هذا الطريق.
كان ولايتي، وصف في تصريحات لوكالة تسنيم، المشروع بأنه لا يعد مجرد ممر تجاري، بل مؤامرة سياسية تستهدف تقسيم أرمينيا وتغيير الحدود الإقليمية.
يعكس هذا الموقف مخاوف إيران من المشروع باعتباره تهديدًا مباشرًا لمصالحها الجغرافية والاستراتيجية، لا سيما وأنه يتحكم الآن في مسار العبور لشبكة موارد تمر عبر جنوب القوقاز.
وتخشى إيران من تزايد الاعتماد على أذربيجان لمرور التجارة، في ظل تقارير تقارب الأخيرة مع إسرائيل، إذ نقلت "الشرق" عن صحيفة "جيروزاليم بوست"، أن "التعاون الاستخباراتي بين أذربيجان وإسرائيل كان محوريًا في مواجهة النفوذ الإيراني، مستغلة قرب الحدود.
على الضفة الروسية، ورغم أن موسكو أشادت باتفاق "زنجزور"، فقد أطلقت تحذيرا ضمنيا من أن تدخل جهات خارجية قد يعقد الوضع" في جنوب القوقاز، وشددت على أن الحلول المثلى والأكثر استدامة يجب أن تقترن بإسهامات دول الجوار التقليدية مثل روسيا نفسها بحسب تقرير، رويترز.
أوضحت الخارجية الروسية أن الاتفاق خطوة تدعم الاستقرار والازدهار لكن انخراط قوى من خارج المنطقة يجب أن يدعم أجندة السلام وألا يخلق انقسامات جديدة، مع الأمل في تجنب تكرار التجارب السلبية لتسويات تقودها قوى غربية في الشرق الأوسط.
في قراءة سياسية أوسع، رأت "واشنطن بوست" أن اجتماع علييف وباشينيان في واشنطن بدل الكرملين يُمثل توبيخًا لموسكو وتراجعًا في نفوذها داخل فضاء دول الاتحاد السوفيتي السابق نتيجة حرب أوكرانيا، ووصفت التطور بأنه "ضربة قوية" لمصالح روسيا، مرجحة أن يجعل انشغال موسكو بالحرب الممر المقترح رمزًا لاستغلال الفرص لإعادة تشكيل قواعد اللعبة في مناطق نفوذها التقليدية.
أخيرا، يعتمد المسار على مزيج من وسائل النقل، حيث تبدأ الرحلة بالسكك الحديدية، ثم تنتقل البضائع عبر السفن في بحر قزوين، لتكمل مسارها بالقطارات والطرق البرية عبر منطقة القوقاز وتركيا وصولًا إلى أوروبا، وفق تقرير "معهد سياسات بحر قزوين".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا


