الأخلاق وسلطة القانون الروحاني
ما زالت إشكالية الأخلاق وعلاقتها بالدين محل خلاف ومحل جدل لم ينته بعد، وما أظنه سينتهي، ومن خلال هذا الجدل القائم يتجلى رأيان مختلفان قد يلتقيا في نقطة اتفاق واحدة ويختلفان في بقية جوانب مفهوم الأخلاق، خاصة في مصدر الأخلاق ومنبعها..
فالطرفان إتفقا على أهمية الأخلاق وضرورتها لما فيها من فضائل تؤصل وتوطد لأسباب التعايش في سلام دائم وتوافق وانسجام بين البشر على مختلف فئاتهم وثقافة مجتمعاتهم، وواقع معيشتهم في ظل قوانين تتوافق مع هذه الأخلاقيات والإنسانيات.
يبقى الخلاف بين الدينيين واللادينيين على مصدر الأخلاق ومواردها، فريق يؤكد أن الإنسان يستطيع تحقيق الانسجام الاجتماعي والسعادة الفردية عبر منظومة أخلاقية تستند إلى مبادئ الاحترام والتعايش الإنساني، بعيدًا عن أي مرجعية دينية سماوية أو غير سماوية، فهم يرون أن الأخلاق تنبع من تفاعلات الإنسان داخل المجتمع..
بينما الفريق المقابل يؤكد على أن الدين هو مصدر الأخلاق، وأن الأخلاق التي تتأتى من طرق ومفاهيم بعيدة عن الدين هي فاقدة لمعناها الحقيقي، وأن الأخلاق البعيدة عن الدين ما هي إلا تنظيم سطحي يصبح عُرضة للتفسيرات النفعية المادية لأنها بعيدة عن الطابع الروحي، والذي لا يأتي إلا عن طريق الدين..
وأنا اتفق مع هذا الرأي تماما لكن اتفاقي هذا ارتبط بما جاء في كتاب الله الكريم حين قال الله لنبيه: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، أي أخلاق النبي محمد وسيرته العطرة في كل تعاملاته مع كل الناس من كل الفئات في أثناء سنوات تواجده بينهم منذ بعثته وحتى وفاته.
أما من يدَّعي الأخلاق من بعض المتدينين شكلا فلا شأن لي بهم ولا بأخلاقهم المفتعلة، فالأخلاق ليست قناع شكلي وسمات ظاهرية يتَلَون بها بعض من يدَّعون التدين وقشرة الأخلاق الخارجية وفي الخفاء يفعلون الأفاعيل. الأخلاق الحقيقية تنبع من داخل صاحبها فتظهر في سلوكه وألفاظه وكافة تعاملاته مع مَن حوله قولا وفعلا.
الأخلاق كالإيمان الذي يستقر في القلب ويصدقه العمل، لكن أخلاق الشعارات والخطابات الرنانة والكلمات المنمقة بدون ترجمة فعلية على أرض الواقع في المعاملات وفي العلاقات العامة والخاصة فلا قيمة لها ولا بقاء فهي كغثاء السيل سريعا تتبخر وتزول.
كنت قد أجريت في السابق تحقيق عن الأخلاق وطرحت سؤالا عن سلطة الأخلاق، وكتبت نعم للأخلاق سلطة لكنها مختلفة عن سلطة القانون الوضعي المنظم لكل مجتمع؛ سلطة الأخلاق تعني سلطة الضمير والتحكم في أهواء النفس البشرية ودوافعها؛ خيرا كانت أم شرا..
سلطة الاخلاق تتحكم في المُتع الشخصية والملذات والأهواء الفردية بدوافع من الغرائز المختلفة فتضعها في أطر إنسانية أخلاقية، ليختلف أصحابها عن مجتمع الغابة الذي تحكمه الشهوانية الحيوانية التي لا عقل لها ولا ضابط أخلاقي، فقط هي غرائز خلقها الله لصيرورة حياتهم.
تتجسد الأخلاق الكريمة بكل انعكاساتها الحسنة في علاقة الزوج بزوجته، في علاقة الجار بجاره، في علاقة الزميل بزميله، وهكذا في كل العلاقات والمعاملات المادية والحقوق والواجبات، فالأخلاق هي مجموعة الفضائل والقيم التي تُشكل وتُكوِّن شخصية الإنسان الذي يشهد له الجميع بأنه على خُلق عظيم..
وذو أخلاق حميدة في كلامه في سلوكه وافعاله، في تواضعه، في صدقه، في أمانته، في نبله، في مروءته، في إخلاصه لوطنه ومجتمعه وفي المصلحة العامة وحرصه على تقدم بلده ورقيها، أي أن تكون الأخلاق هي الأطار الوحيد في كل مواقفه في كل مكان وأي زمان وتحت أي ضغط وفي أي ظرف.
كل هذه الفضائل لا وازع لها إلا الضمير الأخلاقي الذي لا يحكمه سلطان قانون فقط سلطان داخلي روحاني نابع من إيمان استقر في قلب سليم وعقل حكيم، الأخلاق ليست جلبابا فضفاضا يرتديه من يشاء وقتما يشاء ثم يضبط مقاسه ليوائم مصلحة خاصة، فالأخلاق لا تقبل ثقافة المواءمات، ومفهومها مُطلق لا يخضع للأهواء الفردية واختلاف الثقافات.
Nasserkhkh69@yahoo.com
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
