امرأة بضمان محضر شرطة
امرأة وأم لطفل رغم أنها لم تتجاوز الثامنة عشر من عمرها، تزوجت مريم في سن مبكر، لا رأي لها ولا حيلة غير السمع والطاعة، ضعيفة ومغلوبة على أمرها، ولقلة خبرتها وعدم درايتها تعثرت قدماها في أولى خطوات طريق الزوجية، فالبدايات دائما شديدة الصعوبة، لذلك حدثت صدامات وخلافات بينها وبين زوجها واستمرت هذه الخلافات المبكرة حتى تركت البيت وعادت لبيت أبيها في قرية مجاورة لقرية الزوج..
استمر بقاؤها عند أبيها قرابة العام، كان لزوجها محاولات كثيرة لكي تعود لتستأنف حياتها الطبيعية في بيت الزوجية، لكن كل المحاولات باءت بالفشل.. حكم عليها قدرها بأن تعيش حائرة بين مطرقة تعنت الأهل والعُرف من جهة؛ وسندان الرغبة في العودة للزوج من جهة أخرى لأنها كانت راغبة في العودة لزوجها..
اقتربت الساعة من تمام الواحدة بعد منتصف ليلة صيفية حارة في مناخها وأحداثها.. كنتُ بصحبة صديقٍ لي هو شيخ البلد، في قريتي إحدى قُرى محافظة المنيا، وبشهادة الأغلبية يتمتع الرجل بالقبول وبمحبة الناس، فهو يمتاز بالمرونة والهدوء والحكمة والحزم أيضا، لا يتكاسل ولا يتوانى عن خدمة الناس من أهل القرية، لا يدَّخر جهدا ولا وقتا في حَلحلة المشاكل ولمّ الشمل والصلح بين الناس، بالتنسيق مع الجهات الأمنية والشُرطية التابعة لها قريتنا..
في تلك الليلة كُنّا معا في بيت أحد أقاربي؛ رنَّ هاتف صديقي، كان المتصل هو عمدة قرية مجاورة.. فهمتُ من ردود شيخ البلد أن المتصل لديه مشكلة أحد أطرافها شابٌ من قريتنا مختلف مع زوجته منذ سنة وبسبب هذه الخلافات تركت بيت الزوجية لتبقى في بيت أبيها مع طفلها الرضيع لحين حل الخلاف ثم تعود لبيت الزوجية..
انتهت المكالمة وإذا بصديقي يتصل بالشاب يحاول معرفة أبعاد المشكلة فعرف منه أن الزوجة بعد أن ملَّت من تعنت أهلها ورفضهم الصلح قررت الهرب من بيت أبيها لتعود إلى بيت زوجها بكامل إرادتها فما كان منها إلا أن تسللت من بيت أبيها ليلا متوجهة إلى مركز الشرطة تطلب عمل محضر بعدم تعرض أهلها لها ولا لزوجها الذي طلبت من الضابط أن يستدعيه ليأخذها من مركز الشرطة عائدين لبيت الزوج برضاها، ورغم أنف أبيها وإخوانها..
الذين اعتبروا تصرف مريم خارج نطاق العرف ووصمة عار على جبينهم، رغم أنها لم ترتكب جُرما عندما أرادت أن تعود لزوجها الذي يبدو أنه يُحبها وتحبه وترغب في استمرار حياتها معه.
أعاد صديقي الاتصال بعمدة القرية المجاورة موضحا حقيقة ما جرى، وإن المرأة تصرفت بكامل رغبتها وفي حدود حقها الشرعي والقانوني، لكن يبدو أن ما حدث أثار حفيظة أهل الزوجة، وهم مُصِرُون على المجيء لقريتنا لاسترجاع ابنتهم، فما فعلته أصبح عارا عليهم وخروجا على عاداتهم وتقاليدهم "فيما يعتقدون"..
هذا الكلام لم يُعجب شيخ بلدنا الذي قال للطرف الآخر: "يا عمدة اللي بتقول عليه ده لو حصل يتسبب في مجزرة الليلة بين البلدين، وبعدين دي واحدة روَحت لبيتها وبرغبتها وعن طريق الشرطة كمان"، وأستطرد صديقي منفعلا: "لو سمحت يا عمدة وقَّف كل حاجة وأنا قايم أروح بنفسي للولد وأشوف إيه اللي حصل بالضبط وأكلمك من هناك"..
أنهى الشيخ المكالمة ملتفتا نحوي يقول: "شُفت يا صاحبي! آدي المشيخة وهَّم المشيخة، تعالى معايا بقا" فقلت: "أروح فين يا شيخ دي الساعة عدت واحدة! فقال مبتسما: بس تعالى يا راجل دا أنت كاتب صحفي يمكن تطلع بفكرة مقال أو خبر حلو في صفحة الحوادث!
قالها ضاحكا ماسكا بيدي، فما كان مني غير مرافقته إلى بيت ذلك الشاب وكان بيته في أطراف القرية جنوبا، ذهبت معه يتملكني الفضول لمعرفة أبعاد الحكاية، يقع البيت في منطقة لم أراها منذ سنوات بعيدة، وقد تغيرت معالمها إلى حد كبير، أعادت لخاطري ذكريات الزمن الجميل..
دخلنا وألقينا التحية ثم جلسنا، رحَّبَ المتواجدون بصديقي شيخ البلد الذي يعرفهم ويعرفونه، أما العبد لله فلا يعرفني أحد وأنا كذلك.. كان من بين الحاضرين أربعة رجال من أخوال الزوجة وأعمامها يبدو عليهم الغضب والضجر لأنهم رأوا أن ابنتهم ارتكبت خطأً كبيرا لا يُغتفَر، عندما تركت بيت أبيها دون علمه وعادت لبيت الزوجية؛ وهذا تصرف -في عُرفِهم- مَعيب جلب عليهم العار من أهل قريتهم!
أصرَّ صديقي على سماع رأي الزوجة بنفسه.. فخرجت علينا الزوجة تحمل طفلها وقد بَدَت أصغر من أن يُقال عنها زوجة وأم لطفل، كانت خائفة قلقة تائهة ومضطربة هزيلة، أعمامها يرمقونها بكل عداوة وغِل وغضب، كادوا يقتلونها بنظراتهم البغيضة!
أراد الشيخ أن يستوضح الأمر منها فسألها: يا مريم انتي موافقة ترجعي مع أعمامك وأخوالك ولا عاوزة تقعدي هنا في بيتك؟! سكتت مريم قليلا ثم قالت: “لا أنا عاوزة أقعد هنا في بيت جوزي مقدرش أمشي معاهم دول ممكن يموتوني يا عم الشيخ”!
فاشتاظ أهلُها من قولها غضبا، فهَمَّ أحد أعمامها ليصفعها، فمنعه الشيخ وليد وهو يقول له: عيب عليك كدا أنت تجاوزت حدودك! مما أثار حفيظة زوجها وكاد أن يضربهم جميعا لولا تدخل صديقي الذي استطاع تهدئة الموقف..
اقتربت الساعة من الرابعة فجرا، وما زال الجدل مستمرا صعودا وهبوطا وشدا وجذبا! نظرتُ إلى صديقي معاتبا له؛ فاقترب مني هامسا: معلش أنت أول مرة تحضر! وعارفك عاوز تخلع من هنا! فسألته: طيب أنت شايف الموضوع يتحل إزاي، ومصير مريم الغلبانة إيه؟!
قال: مينفعش ياخدوها من هنا ومينفعش تقعد ودول يمشوا! فقلت: طيب مينفعش أنا آخد بعضي وأمشي من هنا، أنا إيه اللي جابني معاك أصلا! ضحك في موقف لا يَصِح فيه الضحك نهائي.. فالموقف محتدم والعركة على صفيح ساخن، فعاد سريعا لأجواء الجلسة فقال موجها كلامه لأهل الزوجة: “بصو يا جماعة صلوا على اللي يشفع فيكو: بكل حال من الأحوال مينفعش تاخدوا بنتكم من هنا، لأن كده عيبه في حق البلد كلها”!
فهاج أقرباء الزوجة وارتفعت أصواتهم؛ لكن الشيخ أراد أن يمتص غضبهم ليقول بصوت عالٍ حاسم: خلوني أكمل كلامي! إحنا نطلع كلنا على مركز الشرطة، ومن هناك تستلموها، بشرط بكرة ترجعوها معززة مكرّمة! فقال الحاضرون -على مضض- وبعد أن خلصوا نجيا: موافقين يالا بينا يا شيخ..
ثم توجهوا جميعا إلى قسم الشرطة، وتوجهت أنا إلى بيتي في هذه الساعة المتأخرة من الليل.. وبعد يومين تذكرت مريم، فقال صديقي: رجعت لجوزها بضمان محضر تسليم!
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا
