رئيس التحرير
عصام كامل

أزمة الدين العام ما بين الأمس واليوم

تراجعت كل أزماتنا الاجتماعية والسياسية التقليدية.. كأزمة الصحة، التعليم، المعاشات والمرتبات، السكن، والمواصلات، وغيرها، كنا تراجع الحديث عن أزمة البطالة ومستقبل شبابنا، وتوارى الحديث عن شعارات عيش حرية عدالة اجتماعية وغيرها من قضايا هامة كتوسيع هامش الحرية السياسية وتجديد الخطاب الدينى ومستقبل الحياة الحزبية في بلادنا وما شابه من أحاديث واهتمامات للناس.

 

وأصبحت قضيتان لا ثالث لهما تؤرق مضاجع المصريين من النخبة والعامة على حد السواء ألا وهما استمرار أزمة جنون الأسعار في الاسواق المحلية، وكذا أزمة تفاقم حجم الدين العام وأعباء خدمته من أقساط وفوائد.

Advertisements

 

ومع كل صباح يترقب الناس ما تدفع به حكومتنا الرشيدة في أخبارها الجديدة يمنحها أمل أو بصيص أمل إن غدا أو بعد غد سيتوقف الصعود الصارخ لمصر بزيادة الأسعار لجميع السلع استهلاكية أو المعمرة، والحقيقة أنه لا جديد يذكر ولا قديم يعاد ولهيب الأسعار التهم ما فى الجيوب والخزائن والحكومة تتفرج طويلا وتسكب الزيت على النار كل صباح أو مساء.

 

تارة بزيادة أسعار البنزين والسولار وأخرى بزيادات في أسعار الضرائب والجمارك والرسوم وثالثة عن طريق إتاوات وبلطجة تفرضها المحليات على كل الخدمات الجماهيرية، والمواطن المصدوم من الضربات المتلاحقة من حكومته الميمونة فقد قدرته على الكلام أو حتى الصراخ.. كفاية حرام.

أزمة الديون


وما بين الأمس واليوم تمثل أزمة الديون بشقيها المحلى والخارجى أم الأزمات ومصدرها الرئيسى، وما نعيشه الآن من أزمة خطيرة بسبب تفاقم حجم الدين العام ليصل إلى نسبة غير مسبوقة  مقدر أن تبلغ في نهاية السنة المالية الحالية  نحو 96% من الناتج المحلى بعد أن ارتفع حجم الدين الخارجى إلى ما يتراوح بين 156 إلى 158 مليار دولار.

 

مقابل نحو 45 مليار دولار فقط حجم هذا الدين قبل تفجر الأزمة وبأعباء خدمة دين من أقساط وفوائد باتت تلتهم نحو 54 % من حجم الموازنة العامة مقابل 23% الى 26% قبل بداية الأزمة، الأمر الذى خلق ضغوط رهيبة على مجالات الإنفاق العام الأخرى بالطبع من أجور وخدمات صحة وتعليم واستثمارات ومصروفات تشغيل لدولاب العمل الحكومى وصيانة أصول الثروة القومية وخلافه.

 

لتصحو الحكومة فتجد نفسها بين مطالب شعبية تتصاعد لزيادة نفقات الأجور والدعم السلعى ومعاشات الضمان وأيضا استمرار الإنفاق على مشروعات برنامجها الإصلاحى للحفاظ على استثماراتها الضخمة فى مجالات الخدمات العامة والبنية الأساسية والتحتية.

 

ولا سبيل لذلك إلا بمزيد من القروض الجديدة وبالتالي تفاقم أزمة الديون لتدور بين رحى موجات ارتفاع الأسعار وأعباء خدمة الدين العام، وتصبح مكاسب برنامج الإصلاح الاقتصادى الضخم والمستمر منذ سنوات على المحك وفي خطر داهم، بالضبط كما حدث فى نهاية حقبة التسعينات من القرن الماضى مع حكومة الدكتور كمال الجنزورى وأزمة توشكى الشهيرة وأزمة السكك الحديدية وارتفاع الديون وعجز الموازنة أيضا.

 

 

فماذا حدث وكيف تعاملت الدولة وقتها لإيقاف موجات ارتفاع الأسعار وجنون الغلاء ونزيف الخسائر لمشروعات الاصلاح الاقتصادى المفتوحة والمقدرة بتقرير برلمانى فى حينها بنحو 56 مليار جنيه وفي القلب منها أزمة تفاقم الديون وارتباك أرقام الموازنة العامة للدولة..  للحديث بقية إن كان في العمر بقية.

الجريدة الرسمية