الصحابة شعراء.. في دوحة خير الأنبياء (5)
ولعل أغرب الأسماء التي فوجئت بأنها مدحت سيد النبيين، صلى الله عليه وآله وسلم، ورقة بن نوفل، ابن عم السيدة خديجة، رضي الله عنها، والذي لجأت إليه عند ظهور الوحي لسيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم.. وفي هذه الواقعة يقول ورقة:
فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي حديثك إيانا فأحمد مرسلُ
وجبريل يأتيه وميكال معهما من الله روح يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز عزا بدينه ويشقى به الغاوي الشقي المضللُ
فريقان منهم فرقة في جنانه وأخرى بأرواح الجحيم تعللُ
هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم السيدة خديجة بنت خويلد، أم المؤمنين، رضي الله عنها. وروى مجاهد عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "رأيت ورقة على نهر من أنهار الجنة"، أخرجه ابن السكن.
ومما نظمه ورقة بن نوفل في مدح النبي، صلى الله عليه وآله وسلم:
وأخيرا، ماذا يقول المادحون وما عسى أن يجمع الكتّاب من معناكا
والله لو أن البحار مدادهم والعشب أقلام جعلن لذاكا
لم تقدر الثقلان تجمع ذرةً أبدًا وما استطاعوا له إدراكا
المصدر: منح المدح، أو شعراء الصحابة ممن مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو رثاه، لابن سيد الناس. تقديم وتحقيق: عفت وصال حمزة.. المخطوطة وحيدة في العالم، وقد كتبت بخط جيد باللون الأسود، إلا الشعر فقد كتب باللون الأحمر.
المؤلف: محمد بن محمد بن محمد اليعمري، فتح الدين أبو الفتح الإشبيلي، المعروف بابن سيد الناس (671 هـ، القاهرة - 11 شعبان 734 هـ، القاهرة)، محدث، حافظ، مؤرخ وفقيه أندلسي الأصل.
مولده: ارتحلت أسرته من الأندلس قبل مولده، واتخذت من القاهرة محل إقامة لها، وبها كان مولده سنة (671 هـ)، وذلك في العقد الأخير من حكم السلطان الظاهر بيبرس (658 - 676 هـ)، وعاصر دولة المماليك في عصرها الأول.
نشأة ابن سيد الناس
نشأ في أسرة اشتهرت بالعلم والثقافة، فكان والده على جانب كبير من العلم الشرعي والأدبي، وولي مشيخة الكاملية بعد ابن دقيق العيد، كما كان جده يلقب بخطيب تونس وعالم المغرب، اعتنى به والده منذ صغره، فحرص على تأديبه وتنشئته نشأة دينية، وتولى بنفسه تعليمه كثيرًا من المعارف والعلوم وعلى رأسها علم الحديث..
فكان شيخه في هذا الباب، وعنه روى كثيرًا من الكتب بأسانيدها، وكان يحضره إلى كبار علماء عصره فيجيزونه، وفي ذلك يقول عن نفسه: "ومولدي في رابع عشر ذي القعدة سنة إحدى وسبعين وست مئة بالقاهرة، وفي هذه السنة أجاز لي الشيخ المُسند نجيب الدين أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد المنعم الحرّاني، وكان أبي رحمه الله يخبرني أنه كَناني، وأجلسني في حجره، وكان يسأله عني بعد ذلك، وأجاز لي بعده جماعة..
ثم في سنة خمس وسبعين حضرت مجلس سماع الحديث عند جماعة من الأعيان، منهم الحبر الإمام شيخ الإسلام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي ابن أخي الحافظ عبد الغني المقدسي، وأثبت اسمي في الطباق حاضرًا في الرابعة ".