غزوات.. أم فتوحات ؟ مغالطات حول الرسول (1)
مؤخرًا، ثار جدلٌ شديدٌ حول مصطلح الغزوات، واستخدامه بكثرة في وصف المعاركِ التي خاضها المسلمون تحت رايةِ سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ضد القوى المعادية في مستهل الدعوةِ الإسلامية، ثم واصل الخلفاءُ الراشدون معاركهم أو مغازيهم ضد القوى التي كانت تهدد الدولة الإسلامية الوليدةَ، آنذاك.
بعد أفولِ شمسِ الخلافةِ الراشدةِ، توسع الحكامُ في الغزواتِ، ونجحوا في السيطرة على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأرض، وقضوا على العديد من الممالك والإمبراطوريات التي كانت ملء السمع والبصر يومًا ما. موضوع بحثِنا سأقصره فقط على الاشتباكات التي خاضها سيدُنا رسولُ الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، أو أمرَ بخوضِها.
ولعلَّ أشهر تلك الوقائع خمس، هي: بدرٌ، وأُحُدٌ، وحُنَيْنُ، والخندقُ، وفتحُ مكةَ، ويمكن أن نضيف إليها بعض الوقائع المحدودة، مثل: خيبر، وبني النضير، وبني قريظة، ومؤتة، التي لمع خلالها نجم خالد بن الوليد، وغيرها.
معنى الغزو
بدايةً، في معجم لسان العرب لابن منظور؛ "غَزَا الشيءَ غَزْوًا: أَرادَه وطَلَبَه. وغَزَوت فُلانًا أَغْزُوه.. غَزْوًا. والغِزْوَة: ما غُزِي وطُلِبَ؛ قال ساعدة بن جُؤية: "لَقُلْتُ لدَهْرِي: إِنه هو غِزْوَتي.. وإِنِّي، وإِن أَرْغَبْتَني، غيرُ فاعِلِ".
وعرف الكتاب الغزوة بقدرة جيش أجنبي على احتلال بلد ما، وفرض السيطرة الأمنية أو شبه الأمنية عليه، فقد يقترنُ حصوله باستتباب الأمن وعدم حصول مقاومة مسلحة ذات شأنٍ، وقد يحصل العكس فتظهر مقاومة مسلحة قوية أو ضعيفة، والأمثلة كثيرة: الغزو العراقي للكويت وغيرها".
هكذا صارت كلمة غزوة، أو غزو تقترن بالظلم والاعتداء، والسلب والنهب، واكتسب المصطلح سمعةً سيئةً جدًّا.
فمن أبشع الأمثلة؛ الغزو الأمريكي للعراق.. كم روحًا أزهقت؟ كم سيدة وفتاة اغتصبت؟ كم حرمة انتهكت؟ كم منزلًا هدم؟ كم شخصًا شرد؟
كانت الأرواح والممتلكات الخاصة، والحرمات، وكرامة أصحاب البلد لا حساب لها عند الغزاة، الذين دمروا مقدرات دولة كانت قبلها تمتلك سادس جبوش العالم من حيث القوة، ونهبوا ثرواتها، ودمروا مستقبلها، ونكَّلوا بأهلها.
غزوات ومذابح
هذا هو نموذجُ الغزو، وهكذا تكون بشاعةُ الغزوات، حسب حجمها، وتبعًا لإمكانيات الجيش الغازي.. وهل ننسى المذابحَ التي ارتكبها المغول وبنو عثمان، في شتى أنحاء الأرض؟
لكن يبدو أننا هواة إساءةٍ إلى أنفسنا وإلى تاريخنا الناصع.. وإلا فلماذا الإصرارُ الغريبُ من المؤرخين والرواة على استعمال لفظة غزوة في وصف المعارك التي خاضها سيدُنا رسولُ الله، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم؟
الاصطلاحاتُ قديمًا كانت لها معانٍ مغايرة لما هي عليه الآن، فمثلًا كلمة إرهاب، كانت تستعمل قديمًا في سياقات عادية، بل وللفخر أحيانًا، ولإظهار القوة والمنعة، لكنها حاليًا صارت تهمة شديدة الوطأة، وقد تفضي بصاحبها إلى غياهب السجون، وربما الإعدام.
الرسول لم يشتبك في خلافٍ مع عدوٍّ إلا لله، ولدفعِ الظلم، ومن أجل رفعة شأن الإنسان، والدفاع عن حريته في الحياة، وفي المعتقد، ومن أجل نيل حقوقه المشروعة.