رمضان.. شهر الخير الذي ظلمناه
يجلس رب الأسرة في حيرة من أمره يتوه به التفكير لحظات ويحاول الرجوع إلى مربع الهدوء لحظة تكون عودته إليها محاولة لإعادة التفكير في أمره مرة أخرى.. ويبقى التساؤل الذي يلازمه: «كيف أدبر أموري في شهر رمضان؟» والحقيقة أن الإجابة على ذلك السؤال ربما تحرم عينه من النوم فيظل حائرا وهو كظيم.
إن طريقة تعاملنا مع الشهر الكريم تحتاج إلى إعادة صياغة على المستوى الجمعي والفردي؛ لأنه ليس من المتصور عقلا أن نحول شهرا كريما من المفترض أن ينعم مدركوه بالفيوضات الإلهية والمكاسب الروحية الراقية إلى أنماط استهلاكية تثير الريبة والشك فيمن يندمج فيها ويعود شاكيا ويلاتها.
ضبط الاستهلاك
إن الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في ضحاها أن الأسعار في تزايد ولطالما ناشد أهل الخبرة الدولة باتخاذ مزيد من الإجراءات التي دخل بعضها بالفعل حيز التنفيذ؛ لاحتواء تداعيات الغلاء.. لكن الأشد غرابة أن لدى بعضنا أساليب استهلاكية هي العجب العجاب، فمنا من يتعامل مع السلع – وخصوصا في رمضان – بمنطق خزين البيت فيحاول أن يؤمن كميات إضافية لشهر بأكمله وبالتالي فليس مستغربا أن تتأثر الأسواق بذلك النمط الاستهلاكي.
ولقد كان شرف لكاتب هذه السطور أن يدير حوارا مع خبير اقتصادي منذ أيام عن أوضاع الاقتصاد المصري والغلاء، وأقسم لي الرجل بأن لديه معلومات تحصلها من أصدقاء له في أوروبا بأن شراء السلع الغذائية في العديد من الدول بات مقيدا بقرارات تلزم المشتري كميات محددة مسبقا من السلع ولقد كان ردي المعتاد على ذلك الخبير، أن المستوى المعيشي للمواطن الأوروبي ومستوى دخله لا يتأثر بأي تداعيات، فجدد الرجل التأكيد على القرارات المشار إليها بخصوص ضبط الاستهلاك لا علاقة لها بالمستوى المادي للمستهلك؛ لأنها إلزامية على الجميع.
أصبح النمط الاستهلاكي في العديد من الدول الأوروبية محكوما بقرارات لا يجرؤ أحد على تجاوزها وتشمل تلك القرارات استهلاك الغاز والمياه والكهرباء؛ لذلك فإننا وإن كنا نجدد مطالبنا بضرورة تطبيق مزيد من القرارات الرسمية بشأن ضبط بوصلة الأسعار فإننا نستذكر أيضا أننا ربما نكون أفضل حالا من غيرنا من الدول التي ظنناها يوما النموذج الحضاري المتفرد.
أسوق تلك الوقائع اتساقا مع ما نراه من أنماط استهلاكية ربطها كثيرون بشهر رمضان المبارك شهر القيم الروحية الراقية والسمو بالنفس على كل ما يشوبها أو يكدر صفوها... ولست بذلك داعيا لمقاطعة السلع أو ممارسة حالة تقشف فردي أو ممارسة الدعاية السياسية لكنني أجدد التذكير بأن النمط الاستهلاكي لدينا يجب أن يتغير وليس من العقل أن تتحول أغلب الإعلانات المذاعة خلال الشهر الكريم إلى خطط ممنهجة لتشجيع الاستهلاك والتبذير والإسراف..
إن ضبط بوصلة النمط الاستهلاكي الراهن يستوجب ضبط بوصلة الدعاية للسلع الغذائية وإلزام المعلنين بعرض المحاذير الصحية المرتبطة بزيادة تناول أطعمة معينة من السلع المعلن عنها.. والله من وراء القصد.