رئيس التحرير
عصام كامل

أنا ولعبة القدر!

أنا أنا يا صديقي هو الذي عرفته في الصغر.. لم أتغير كثيرًا عن ما كنت عليه فى طفولتي.. ربما فقط مساحة الحماقات قد انحسرت، ومساحة الأمل قد تقلصت.. إذ يبدو أن هناك علاقة شبه طردية بين حجم الحماقة ومساحة الأمل! ففي طفولتي كان بداخلي شلال لا يتوقف عن الحلم والطموح.. 

الطموح الذي كان فى طفولتي عنيفًا، وحين كبرت تحولت جملة الطموحات المحبطة إلى أرصدة من الوجع والتسامح في آنٍ.. ولكنها حين تراكمت في داخلي شكلت وتدا ًعفيًا لضبط الذات وتقليص مساحة الهوى ومنعت الطموح المتجذر في النفس من الجنوح! 


أنا أنا يا صديقي لم أتغير مذ كنت صغيرًا، ولا كثيرًا كما ظننت، لكنني حين كبرت صار لي اهتمامات بحياة أخرى لم تكن في مخيلتي فى الصغر. فقد كانت غائبة بقدر ضيق مساحة التجربة حينها، وقد أوجدتها عنوة تجارب الحياة القاسية.. والتي دفعتني إلى أن أعمل بإخلاص من أجلها! 


إن حجم الذين غادروا إليها من الأحبة جعلني لا أقلق كثيرًا من فكرة الموت؛ فهناك أصبح لي عزوة ورصيد من الأحبة.. لقد أصبح الرحيل بالنسبة لي بمثابة مسمار فى رباط تمسكي بالحياة! وربما حين كبرت امتلكت مفهومًا أرحب للحياة.. فصرت أسمع الموسيقى وأعشق الرسم على جدران المعابد، وأفكر كثيرا في أحكام شيوخ الزوايا وأعطى لنفسي الحق في نقدها! 

القدر وطبائع البشر

ربما صرت أكثر استمتاعًا بالحياة رغم أن علاقتي بها في مرحلة التفكك والتحلل والتسيب! يبدو أنني أرهقت نفسي كثيرا بالتفكير في طبيعة الرحلة حتى تسرب العمر الذى حملني وطموحي إلى النهاية التي كتبها الله.. فأيقنت بأنني أسير في طريق مرسوم لن يجدى معه جودة التفكير ولا عمقه! 


وأدركت الآن يا صديقي بأن مشكلتي لم تكن أبدًا مع القدر. فأقدار الله كلها نافذة.. لكن مشكلتي الوحيدة تكمن دائمًا في طبائع البشر الذين ينفذون القدر! ذلك القدر الذى يرسم لنا الطريق وايماننا به يهون علينا عناء الرحلة وأن الطريق الذى نسير فيه قد رسمه القدر من القبل ورغم مجهولية النهاية بالنسبة لنا كبشر إلا أنها معلومة لدى القدر وأن أقصى ما يفعله بنا الأعداء هو تنفيذ حرفي منضبط لما كتبه القدر.. 


لم أخف أبدًا من القدر لكنني كنت دائمًا على حذر رغم يقيني بأن الحذر لا يغير المسار بل ربما يعززه ولكن كي تطمئن نفسى التى جُبلَّت على الحيطة والخوف والحذر مع التسليم في النهاية لسلطة القدر.. 

حتى الاجتهاد فى العمل لم يكن لطموح دنيوي ملموس ولكن رغبة في ترك أثر أو شعور بالواجب تجاه الحياة التى لم تبخل علينا يومًا بالمتعة فى بعض المواقف مقابل الأم في مواقف أخرى.. فأنا أعمل لأني أعيش ولا أعيش لكى أعمل.. فأنا أجمع المال لكى أعيش ولا أعيش لأجمع المال.. 

حين كبرت عرفت بأن الراحة دائمًا تكمن في الإحساس بمعية الله.. وفى طبيعة الصدق في المناجاة والحديث الذى لا ينقطع، لا في لحظات الفرح ولا في لحظات الوجع.. فأجمل الأوقات هى التى يكون الله فيها حاضر وبقوة.. والسعادة دائمًا تكمل بالشعور بأنك تسير في معيته ويقينك بأنه لن يضيعك أبدًا.. 
فأنا أنا يا صديقي مذ كنت صغيرًا لم تتغير سوى مساحة الأمل، لم تتغير سوى مساحة الوجع.. فهل ترى يا صديقي أني قد تغيرت؟!

الجريدة الرسمية