رئيس التحرير
عصام كامل

عيد السنة القبطية.. عيد النيروز وذكرى الشهداء

عيد النيروز أو رأس السنة القبطية يأتى كل عام في موعده 11 سبتمبر - ا توت-  والتاريخ للشهداء والتعييد لذكراهم المجيدة.. والنيروز كلمة فارسية استخدمها الفرس عندما دخلوا بلادنا العزيزة وأرادوا أن يحتفظوا بالتقويم المصرى القديم وأطلقوا عليه (نى روز) ومعناها السنة الجديدة أو أول العام. حيث يتناول الأقباط البلح الأحمر والجوافة في ذلك اليوم حسب التقاليد الاجتماعية المتوارثة.. 

 

ترجع العادة لما لهما من معاني كرمز للاستشهاد والإيمان في المسيحية، حيث يرمز البلح الأحمر إلى دم الشهداء فنتذكرهم وحينما نخلع النواة من الثمرة ونراها ونمسكها نتأمل فى صلابتها كما كان هؤلاء الشهداء وقت الاستشهاد يعيشون حياة الصلابة والثبات والقوة والايمان الحقيقى والتماسك بالرب يسوع المسيح مخلص العالم، وحلاوة البلح تشبها بحلاوة الإيمان المستقيم حتى النفس الأخير، أما تناول فاكهة الجوافة تشير إلى بياض قلوب هؤلاء الشهداء الأبرار فهى رمز الطهر والنقاء الحقيقى، أما بذور الجوافة الكثيرة داخلها فهى تشير لكثرة عدد الشهداء.

عيد النيروز 


هذا اليوم هو الأول فى السنة القبطية الجديد للشهداء الأطهار حسب التقويم المصرى القديم الذى انفرد به المصريين في كل مكان وفى كل زمان، وسمى باليوم الأول من شهر توت المبارك نسبة إلى العلامة الفلكى المصرى القديم توت.. وشهر توت هو أول شهورالسنة القبطية، مشتق من الإله تحوت إله المعرفة والحكمة رجل مصرى فرعونى من الأسرة السادسة والعشرين من القدماء المصريين فى القرن السادس قبل الميلاد عاش المعبود (تحوت) أيام الملك مينا الأول وهو مخترع الكتابة ورب القلم ومقسم الزمن..

 

لقد ظل المصريون يحسبون أيامهم وشهورهم على تقويمهم الشمسى بلا إنقطاع منذ فجر التاريخ حتى اليوم، وذلك لأنه مرتبط بالزراعة والفيضان والحصاد، ولقب هذا اليوم  بأول السنة الزراعية الجديد، وقد أتت أيضًا كلمة نيروز من الكلمة القبطية (نى يارؤو) التى تعنى مباركة الأنهار، لان ذلك هو موعد اكتمال موسم فيضان النيل هذا العام الذى هو شريان الحياة في مصر، فالنيل يرمز إلى الخير والبركة لأرض مصر المحروسة من قبل الرب.. 


وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذلك العيد في كل ربوع العالم تخليدًا لذكرى الشهداء الأطهار، الذين بذلوا حياتهم من أجل شهادتهم بالسيد المسيح له المجد من عصر الحاكم الرومانى الامبراطور دقلديانوس الملحد، الذى ردع العالم بأسره واضطهاده للمسيحية بشكل مرعب ومخيف للغاية، الذى يعد أقسى عصور الاضطهاد ضد المسيحية، وتمادى دقلديانوس وجنوده فى سفك الدماء ولم ينجو أحد حتى البابا البطريرك بطرس الأول المقلب فى الكنيسة بخاتم الشهداء فى عصره وجيله.. 

 

فما كان من الأقباط الإ أن جعلوا سنة إعتلاء هذا الحاكم الغاشم الوثنى والطاغية سنة 284 م مبدأ لتقويمهم وسموها سنة الشهداء.. ومعروف أن مجموع الأحكام التى أصدرها الحاكم دقلديانوس بالإعدام ضد المسيحيين ونفذت بالفعل وعددها ثمانمائة وأربعين ألف حكم  نهائي  (840،000) نفس ذاقت الموت بأبشع أنواع التعذيب  بخلاف الكثيرين دون أحكام وذلك كان فى عام 284 ميلادية = 1 قبطية للشهداء = 4525 توتية فرعونية، قد سالت دماؤهم الزكية لتكون بذارًا لنمو الكنيسة ولم يكن لهم أى ذنب سوى أنهم رفضوا العبادة الوثنية وتمسكهم بالسيد المسيح له المجد..

 

ومن هنا إرتبط النيروز بعيد الشهداء القديسيين، ومن هذه الأيام اعتبرت الكنيسة أن دم الشهداء الأبرار الذكى هو بذرة الإيمان المسيحى وهو أيضًا علامة قوية على الثبات والشجاعة بإلايمان بالمسيح له المجد حتى وقتًا هذا! فأطلقوا المسيحين على عصر الامبراطور دقلديانوس عصر الشهداء من 284 م حتى 305م.

يوم الاستشهاد

المسيحية أولًا وأخيرًا شهادة للمسيح ونحن شهودًا له (أعمال الرسل 32:5). وكلمة شهيد تعنى شاهد وكانت تطلق فى البدء على الرسل فقط بصفتهم شهودًا لحياة المسيح وموته وقيامته كما أوصاهم الرب “وتكونون لى شهودًا” ( أع 8:1). ولكن حدث أن بدأ الرب يظهر بنفسه لكل من يتألم كثيرًا بسبب الإيمان بأسم المسيح وذلك فى لحظة انطلاق الروح فدعى بذلك شهيدًا كل من قبل الموت من أجل المسيح بإعتبار إنه دخل حتمًا في رؤيا فعليه لوجه السيد المسيح له المجد.. وأصبحت الشهادة للمسيح بالموت في درجة تكريم فائقة جنبًا إلى جنب مع درجة رسولية مباركة.


والشهداء هم شفعاء لنا أمام الله الديان العادل، يصلوا عنا حتى نُكمل جهادنا الروحى بأمان وسلام وثبات وشجاعة كما أكملوا هم جهادهم ووصلوا للمجد وتركوا لنا حياتهم نموذجًا نقتدى بهم "أنظروا إلى نهاية سيرتهم وتمثلوا بإيمانهم" (عب 7:13)، ونجد في سفر الرؤيا للقديس يوحنا اللاهوتى يقول "ولما فتح الختم الخامس رايت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التى كانت عندهم" (رؤ 9:6).


وطقس الكنيسة الأرثوذكسية يعتبر أن يوم الاستشهاد بالنسبة للشهيد هو يوم عيد ميلاده الحقيقى الخالد أى السمائى الذى فيه يبدأ الحياة الأبدية السعيدة. فالشهيد يُذكر في الطقس القبطى بعد الآباء الرسل الذين سُفك دمائهم من أجل كلمة الله والشهادة التى كانت عندهم للمسيح، لأن سفك الدم هو معمودية كصبغة وشركة مقدسة فى موت المسيح وهو على عود الصليب. ورتبت المجامع  المسكونية المقدسة للكنيسة القبطية عبر العصور فى تكريم ذكرى شهدائها طقس الخدمة الكنسية كله لتكريم شهادته من أجل المسيح فى التسبحة والقراءات الكنسية والألحان الخاصة  ببعض الشهداء العظماء والتمجيد الذى يذكر فيه اسم الشهيد..

 

وأطلقوا على الكنيسة القبطية الجامعة الرسولية بأم الشهداء وتقام الصلوات الخاصة بالعيد بالطقس الفرايحى، وتصلى الكنيسة صلاة خاصة تسمى أوشية مياة ألانهار بكلمة أزمو أى يبارك الله نهر النيل العظيم فى هذا العام وكل عام ببركات السمائية ويفرح وجة الأرض، ويجعل مياه النهر خيرًا ونعمة وبركة.


ومن هنا أرتبط النيروز بعيد الشهداء القديسين، حيث كان فى تلك الأيام  البعيدة يخرج المسيحيين فى هذا الموعد حسب تقاليدهم إلى الأماكن  التى دفنوا فيها أجساد الشهداء مخبئة ليذكروهم بالمجد والعظمة والقوة والشجاعة من أجل إيمانهم الحقيقى بالرب يسوع المسيح الذى تجسد من أجلهم ومن أجلنا نحن البشر.. وقد أحتفظ الأقباط فى كل ربوع مصر بهذه العادة أو التقاليد حتى أيامنا هذا، فيما يسمونه الطلعة أى زيارة القبور.      

  


ومن هنا نحتفل جميعًا بهذه الذكرى العطرة والمجيدة لشهدائنا الأبرار القديسين بدءً من عصر استفانوس أول الشهداء فى المسيحية عام 34م والشهداء العظماء بولس وبطرس مرقس وكافة الرسل القديسين من عام 64، 67، 68  ميلاديًا حتى البابا بطرس الأول الملقب بخاتم الشهداء فى عصر الأستشهاد عام 311 م وكثيرين من الشهداء حتى وقتًا هذا، والذكرى تفيد المؤمنين، ويشهد التاريخ عليهم بالمجد والكرامة لانهم كانوا يتسابقون إلى الأستشهاد ويهربون من كرامة العالم ومجده الباطل، ويربحون الأبدية السعيدة والحياة مع المسيح، كما قال الشهيد بولس الرسول مع المسيح فذاك أفضل جدا.  وكل عام وحضراتكم بخير.

الجريدة الرسمية