رئيس التحرير
عصام كامل

د. محمود فوزي يكتب: المسئولية الاجتماعية ووهم التحرر من القيم

د. محمود فوزي
د. محمود فوزي

تقوم ركائز المسئولية الاجتماعية للشركات على مبادئ نزاهة العلاقات مع العملاء والاستثمار في المورد البشري، والحفاظ على المبادئ الأخلاقية واحترام القانون، وتعزيز مفهوم الكرامة الإنسانية للمواطن والموظف والمستهلك، وعدم تكبّد أي منهم لأي تكاليف أو نفقات لأنشطة المسئولية الاجتماعية التي يقوم بها المدراء والمسئولون بشكل أخلاقي وقانوني خالص، حتى وإن تعارضت هذه الأنشطة مع اتجاهاتهم ومعتقداتهم الأيديولوجية والفكرية.

وتفرض هذه الركائز علي المؤسسات الارتقاء من أروقة بيئتها الداخلية إلى نطاق اعتبارات الصالح العام والمجتمع الخارجي، دون تجاهل العديد من التحديات المتعلقة بزعزعة مبادئ المصداقية والشفافية والنزاهة التي يجب أن يتمتع بها المجتمع وضميره الجمعي المستمد من القيم الدينية وأجهزة التنشئة الاجتماعية؛ كالمدرسة والجامعة والمسجد والكنيسة ومن قبلهم الأسرة التي صار من اللازم والضروري أن تعود إلى وظائفها التربوية وثيقة الصلة بقيم المجتمع وأعرافه ومناهجنا الدينية القويمة.

ويطرح العرض العلمي السابق إشكالية بحثية مفاداها التزام برامج ومبادرات المسئولية الاجتماعية للشركات بمفهوم للتضامن العضوي السائد في المجتمعات الإنسانية المتقدمة علميًا وحضاريًا، وفيها يتم التعامل مع كل مواطن بالمجتمع سواء حاكم أو موظف أو طالب كعضو الجسد الذي خلقه الله بهيئة معينة لأداء وظائف ومهام معينة لا مجال فيها للتداخل مع الأعضاء الأخرى، ومن هنا نشأت فكرة "التضامن العضوي".

هذا التضامن العضوي يفرض استقلالية الاستراتيجية التنظيمية لكل شركة، فيصير لكل منها شخصيته المتفردة في دعم المجتمع وتعزيز رفاهية أفرادة، بكافة الأساليب والسبل الخيرية والإنسانية الممكنة، وهو الأمر الذي برز واضحًا وجليًا في الآونة الأخيرة المصاحبة لتفشي وباء "كورونا"، حيث تسابقت العديد من المؤسسات على كافة الأصعدة في تيسير سبل التضامن والتساند الاجتماعي؛ من أجل احتواء هذه الأزمة والعبور بمستقبل الوطن نحو بر الأمان.

إنه اختبار لو تعلمون عظيم.. حقًا اختبار حاسم للفصل بين مدعي المسئولية الاجتماعية الزائفة، من يتبنون وهم التحرر من القيم والمبادئ غير القابلة للتجزؤ، وبين أخيار المجتمع ونخبته الأصيلة الذين يدركون تمام الإدراك أنه قد حان وقت الاعتصام بحبال القيم الإنسانية ومعانيها السامية بما تستوجبه من مبادرات خيرية وبرامج اجتماعية هادفة.

يقول تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم "كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ" صدق الله العظيم... سورة المدثر الآية 38.

 

الجريدة الرسمية