رئيس التحرير
عصام كامل

"كورونا" والحقد الدفين

تسابقت دول العالم الكبرى على إمتلاك أسلحة الدمار الشامل، وهددت الآخرين بالفناء، كما خططت ونفذت مؤامرات التقسيم بمساعدة صغار يتسلقون لنيل الرضا وقطف بعض الثمار بعد نجاح المؤامرة، فجاء فيروس لا يرى بالعين المجردة قطع أوصال العالم..

 

شل حركة الطيران، أجبر الدول على عزل نفسها، سبب نزيف في بورصات العالم وخسائر في المال والأرواح لا تعد ولا تحصى، إلى أن أعلنته منظمة الصحة العالمية "جائحة"، وهي أعلى درجات الخطورة في انتشار وقوة المرض، ما يفرض تعاونا وتنسيقا في الإجراءات الوقائية بين الجميع، مع قرارات دولية ملزمة من حيث الاحترازات لمواجهة المرض، ومع إعلان "كورونا" جائحة بات لمنظمة الصحة العالمية اليد العليا في كل الإجراءات الوقائية عالمياً.

 

سعت الدول الكبرى خلال مواجهة الفيروس إلى إيجاد لقاح يقضي عليه في تنافس طبي بلغ أشده اليومين الماضيين، إذ أقرت الصين استخدام أول لقاح في تجارب سريرية، كما أعلنت أميركا عن لقاح واعد، فضلا عن منافسة ألمانية -أميركية لاحتكار لقاح ضد "كورونا" تطوره شركة ألمانية..

 

اقرأ ايضا: "كورونا" بين التهوين والتهويل

 

وتسعى أميركا للاستحواذ على حقوقه حصريا مقابل مبالغ مالية كبيرة، وهو ما ترفضه وزارة الصحة الألمانية، التي أبدت اهتماماً بتطوير لقاح ومواد فعالة ضد الفيروس المستجد وتصنيع دواء له في ألمانيا وأوروبا عموماً، حتى أن وزير الاقتصاد الألماني قال في رسالة لأميركا "لسنا للبيع". فيما أعلنت بريطانيا أمس عن تطوير لقاح ستجربه في أبريل.

 

في المقابل، ناشد كاتب صحفي إيطالي العالم، من الحجر الصحي المفروض على بلده بعد تحولها بؤرة للفيروس في أوروبا، أن يأخذ الوباء على محمل الجد.

 

يقول ماتيا فيراريس "وصلت إيطاليا إلى حافة الانهيار، والأطباء والهيئة التمريضية لا يستطيعون متابعة آلاف المرضى رغم وجود رعاية صحية شاملة، لكن تفشي الوباء يضطر الأطباء لاتخاذ قرارات صعبة حول من يجب معالجتهم، كما لو كنا في زمن الحرب، لوجود آلاف المصابين، والنتيجة يموت المئات يوميا لعدم حصولهم على العلاج والرعاية..

 

قضى فيروس كورونا في أيام على نظامنا الطبي، لأننا لم نتعامل معه بجدية، كان ممكنا تجنب الوضع المأساوي إذا اتخذنا إجراءات صارمة لمواجهة الفيروس في وقت مبكر دون هدر الأيام".

اقرأ ايضا: لا تسامح مع المسيئين لمصر!

ما قاله فيراريس، جعلني أخشى على وضع مصر، لتأخر الحكومة في كل شئ، فهي لم تعلق الدراسة وحركة الطيران والأنشطة الفنية والرياضية والتجمعات إلا بعد أن اقترب عدد الإصابات من 150 حالة، بينما لجأت غالبية الدول إلى الإجراءات الوقائية والإحترازية نفسها بعد رصد 10 إصابات أو أكثر قليلا، خصوصا أن كل إصابة تنقل العدوى لعشرات المخالطين الذين يصعب حصرهم!!.

أذكر هنا إصرار وزيرالصحة على عدم تعليق الدراسة أو إتخاذ إجراءات وقائية صارمة لأن "الوضع في مصر لا يستدعي"، وهي لم تكلف نفسها أو فريقها سؤال الدول الأجنبية والعربية التي أعلنت عن وصول حالات مصابة من مصر، أيضا ظل وزير التعليم يتحدث عن عدم تعطيل الدراسة لعدم وجود إصابات، وبمجرد إعلان تعليق الدراسة قال "إن مد فترة التعليق وارد لوجود إصابات بالفيروس في مدارس متفرقة بين طلاب ومدرسين وهيئة إدارية"، لكن كم خالط هؤلاء المصابين وكيف سيتم التعامل الطبي مع الجميع... لا نعلم؟!.

 

أما وزير السياحة فكان كل همه التأكيد على عدم تأثر حركة السياحة بتفشي فيروس "كورونا"، غير عابئ بأرواح الناس، ومع إعلان تعليق حركة الطيران، قال "إن نسبة إلغاء الحجوزات زادت على 60% من قبل الشركات العالمية"..

 

كما قال في مداخلة تلفزيونية "لن نسمح بوضع اسم مصر في جملة مفيدة بخبر سلبي بسبب كورونا".. وكأن وزير السياحة وجميع وزراء الحكومة لم يسمعوا أو يقرأوا ما يقال على منصات التواصل الإلكترونى فى حق مصر والمصريين، صحيح ان اغلبها ينم عن حقد دفين تغذيه أطراف معروفة، تحاول النفخ في النار لإشعال فتنة لا تبقي ولا تذر، لكن أن تلتزم الحكومة الصمت المطبق على الإهانات والإساءات المتعمدة وكذلك البعثات الدبلوماسية، فهذا أمر لا يجوز ولا يجب أن يستمر..

اقرأ ايضا : أين نحن من «معارك» مهاتير؟

 

وكان من نتيجة السكوت على التطاول، أن نقلت جميع وكالات الأنباء ووسائل الإعلام في العالم تقرير مفبرك عن "الغارديان ونيويورك تايمز"، بأن مصر بها 19 ألف إصابة بفيروس "كورونا" وسط تكتم حكومي، ومع صدمة تأثير التقرير اضطرت الحكومة إلى إتخاذ موقف تجاه المراسلين، كان يجب أن يتخذ منذ سنوات، ومعهما مكاتب ومراسلي وكالات وهيئات إعلامية أخرى تعرفهم الحكومة جيدا، ونعيد التذكير بأن من "أمن العقوبة أساء الأدب".

الجريدة الرسمية