رئيس التحرير
عصام كامل

لبنان غرق في الفساد والفوضى

باتت الأزمة اللبنانية مفتوحة على جميع الاحتمالات، في ظل تطورات سلبية وتمسك كل طرف بشروطه، تردي الأوضاع اضطر البعض إلى الانتحار يأساً وإحباطاً، لعل وعسى تلتفت السلطة إلى الشعب وتلبي مطالبه. بينما لجأ البعض الآخر إلى السخرية اللاذعة، فمع العاصفة والأمطار التي أغرقت مناطق عدة، انتشر بوست "15 تشرين الأول لبنان يحترق.. 17 تشرين الأول لبنان ينتفض.. 9 كانون الأول لبنان يغرق.. انتظرونا في كانون الثاني يمكن نطير!!".

عاصفة الشتاء، فتحت ملفات الإهمال والفساد، ودعا الشعب إلى محاسبة الجميع.. الأمطار وثورة الطبيعة أغرقت الشوارع والمطار الدولي والسيارات والمرافق العامة والمحال التجارية، واضطر كثر إلى استخدام قوارب للتنقّل في الشوارع، بينما توقفت الأعمال في مناطق عدة نتيجة اختلاط مياه الأمطار بالصرف الصحي، فزادت النقمة على السلطة والحكومة الغارقة في صراع المحاصصة.

أمام المشهد المخجل، زاد غضب اللبنانيين، فنقلوا كميات من النفايات والقمامة، ورموها أمام منازل نواب البرلمان، حتى يشعروا بمعاناة الشعب، لا سيما أن الحكومة عجزت عن حل مشكلة النفايات منذ سنوات. بينما قطع البعض الآخر الطرق الرئيسية، وسط إصرار على مطالب الثورة دون تنازل.  

وبعد أن كان المهندس سمير الخطيب قاب قوسين من تأليف الوزارة، وحظى بتأييد الجميع بما فيهم سعد الحريري، إذا به يخلط الأوراق بإعلان انسحابه بعد لقائه مفتي لبنان عبداللطيف دريان، الذي أبلغه أن هناك إجماعا سنياً على تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة، فاضطر الخطيب للانسحاب، قائلا "نتيجة اللقاءات والمشاورات تم توافق الطائفة السنية بعائلاتها ومرجعياتها على تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة"، وهكذا عادت الأزمة إلى نقطة الصفر، بل ازدادت تعقيدا واقتربت معها لبنان كثيرا من الفوضى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

"ممالك النار" والهذيان التركي القطري

صحيح أن الحريري استعاد زمام المبادرة مستفيدا من الانتفاضة، ونجح في تسجيل نقاط على حساب ثلاثي السلطة المتضامن "حزب الله، حركة أمل، والتيار الوطني الحر"، لكن الأزمة الاقتصادية طاحنة ولبنان أوشك على الانهيار، الليرة تهاوت لأدنى حد، هناك عجز في المحروقات، شح دولاري، نقص في الأغذية والخبز وجميع متطلبات الحياة.

 انسحاب سمير الخطيب، اضطر رئيس الجمهورية ميشال عون تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة أسبوعاً آخر، في ظل تمسكه بمعادلة "الحريري مقابل جبران باسيل. معا في الحكومة أو معا خارجها". بينما يصر الشعب على عدم توزير جبران باسيل، ويريد الحريري حكومة "تكنوقراط"، فيما يرغب الثنائي الشيعي "حزب الله وحركة أمل" حكومة "تكنوسياسية"، حتى لا يخسرا مكاسبهما ونفوذهما الحكومي الراهن.

لم يتحمل وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، عودة الكرة إلى ملعب الحريري، فأدلى بتصريح خطير، بمثابة تهديد للشارع والقوى السياسية الأخرى، إذ حذر من أنّ لبنان مهدّد في حال استمرت الاحتجاجات بالوقوع في "فوضى مدمرة".

وقال باسيل إن "إذا استمر الحال هكذا لن يتمكن لبنان من الصمود، وتعد له فوضى للأسف لن تكون خلاقة بل ستكون مدمرة.. إذا لم نتدارك أنفسنا بالإصلاحات المطلوبة وحماية البلد من التدخلات.. سنكون أمام التدهور المالي والاقتصادي وعدم استقرار معيشي واجتماعي".

الفوضى التي بدأت تعم لبنان، جعلت الجميع يهدد ويتوعد بلا رادع، فبعد سرقة هاتف الإعلامية ديما صادق "شيعية مؤيدة للثورة ومناهضة لحزب الله"، نشرت فيديو، موجه "إلى أقوى وأشهر حاج في لبنان" وتقصد وفيق صفا رئيس استخبارات "حزب الله"، قالت فيه ان الهاتف سرقه أحد عناصر "حزب الله" في المظاهرات وسلمه إلى ابن وفيق صفا، الذي أعطاه بدوره لوالده حتى يستفيد مما يحتويه من "داتا"، وسألته "أليست سرقة وانتهاك خصوصية النساء حراما يا حاج؟".

انتشار فيديو ديما جعل إمام بلدة النبطية المعمّم المنتمي لحزب الله محمود برجاوي، يخصص خطبة الجمعة لمهاجمة ديما، واهدار دمها، كما دعا إلى قطع يدها ورجلها من خلاف وصلبها.

لم ترد ديما واكتفت بإبلاغ الأمن على التحريض العلني بقتلها. فيما تضامن معها كثر معتبرين أن ما قاله الإمام الشيعي، أخطر ما يصدر في لبنان عن شخصية دينية يفترض أنها تمثل قيم التسامح والاعتدال، محملين الدولة مسئولية حماية صادق.

في المقابل اعتبر المطران الياس عودة، أنّ "البلد يحكمه شخص تعرفونه جميعاً، وجماعته التي تحتمي بالسلاح، في اشارة الى حسن نصرالله، ولا أحد يتفوّه بكلمة، وتساءل "هل نعيش في جمهورية اصنام أم دمى؟ أين الثقافة، والعلم والمستوى اللبناني الذي نفتخر به. شخص يرجع إليه ولا يرجع إلى الأعلى منه، ألا تسمعون ما يطالب به أبناؤنا في الطرقات؟ يطالبون بأن يلتفت المسؤولون إلى مطالبهم المحقة يصرخون قائلين إنّ إحتجاجاتهم سلميّة وستبقى كذلك، ولكن هناك من يحاول تشويه سلميّة احتجاجاتهم".

لم يمر كلام المطران على الشيعة، فاعتبر الشيخ الجعفري أحمد قبلان أن "لبنان يمرّ بأدق مراحله، وليس مسموحاً لأحد أن يزيد النار سعيراً، سواء أكان مطراناً أو شيخاً، وليس من يحمي الدار كمن يسرقها، وليس من قاوم الاحتلال كمن هرب من مقارعته".

ليرد عليه نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري "اذا كانت الجماعة التي تحدث عنها المطران عودة قاومت وحررت، فنضالها يحترمه جميع اللبنانيين، لكنّه لا يعطيها الحق بالاستمرار في التحكم بقرار الدولة وحماية منظومة حاكمة فاسدة وفاشلة يريد أن يتحرر منها اللبنانيون".

ودخل على الخط وزير الدفاع إلياس أبو صعب: "مؤسف ما سمعناه من كلام سياسي غير جامع تخطى المطالب الاجتماعية للمواطنين، فزادت قناعتنا بأن لا خلاص للبنان إلا بدولة مدنية، فيكون هناك فصل للدين عن الدولة".

الجريدة الرسمية