رئيس التحرير
عصام كامل

"ممالك النار" والهذيان التركي القطري


استبق الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لقاءه أمس مع التركي "أردوغان" باتهام القوات التركية، بالعمل مع مقاتلين من تنظيم "داعش" الإرهابي في عملياتها شمال سورية، وقال في مؤتمر صحافي "عندما أنظر إلى تركيا أجدها تقاتل الأكراد الذين ساعدوا الحلفاء في القتال ضد التنظيم الإرهابي، كما أن تركيا تعمل أحيانًا مع مقاتلين على صلة بداعش.. فقدنا التعاون مع تركيا بشأن الأمن والتجارة والهجرة والاتحاد الأوروبي، وحاليا لا نعرف كيف تكون تركيا عضوا في حلف الناتو وهي تعمل مع روسيا وتشتري منها السلاح؟!".


ورغم أن روسيا من حلفاء تركيا وسيزور "بوتين" أنقرة الأيام المقبلة، إلا أن موسكو اعتبرت أمس أيضا أن اتفاق "أردوغان" مع حكومة "السراج" بشأن الأمن والحدود البحرية سيزيد التوتر في ليبيا ودول البحر المتوسط بأكملها.

وهو موقف مؤيد لما ذكرته مصر واليونان وقبرص، وأكد عليه قائد الجيش الليبي المشير "خليفة حفتر"، الذي لجأ إلى مجلس الأمن لمواجهة "أطماع تركيا" في ليبيا، واعتبر الاتفاقات باطلة وأن تركيا "صارت تمثل تهديدا لمصالح الشعب الليبي"، والاتفاق مع حكومة لا تملك حق التوقيع "يهدد السلم والأمن الدوليين والملاحة البحرية"، داعيا إلى تدخل مجلس الأمن لمواجهة الخطر التركي.

سبق كل هذا أن وصف الرئيس السوري "بشار الاسد" نظيره التركي بـ "اللص"، قائلا: "أردوغان لص، دأب على سرقة النفط السوري طوال السنوات الماضية، وحاليًا يسرق الأرض بذريعة المنطقة الآمنة".

في ظل تحرش "أردوغان" بالدول العربية، ومحاولاته التوسعية لاستعادة الإمبراطورية الاستعمارية، عرض المسلسل العربي الملحمي "ممالك النار" وبمجرد بث "البرومو" احتفى به الجمهور وتصدر مواقع "السوشيال ميديا"، ليقابل الاحتفاء العربي هذيان إعلامي وهجوم "تركي قطري إخواني" بذريعة أن المسلسل تشويهًا لتاريخ الدولة العثمانية.

تركز الهجوم "التركي القطري الإخواني" على المؤلف المصري "محمد سليمان عبدالملك" والإنتاج الإماراتي الضخم لشركة "جينوميديا" والدعم السعودي من قنوات MBC، معتبرة أن تحالف "مصر والسعودية والإمارات مع أمريكا" يستهدف التأثير السلبي على تركيا بالدرجة الأولى.

"ممالك النار" ملحمة درامية وإنتاج ضخم جدير بالمتابعة، تناول وقائع تاريخية عن دموية السلاطين العثمانيين، نفذ بمشهدية غير معتادة عربيا وسخر له إمكانيات مادية سخية وتقنية حديثة ومواقع تصوير عالمية، جعلته مثار حديث ومتابعة العالم العربي.

في مقابل الاحتفاء العربي بالمسلسل، انبرى الإعلام التركي لمهاجمة العمل، باعتباره تشويه متعمد للتاريخ العثماني ومشروع فتنة.. واعتبر أحد المواقع التركية أن برمجة عرض "ممالك النار" بالتزامن مع عرض المسلسل التركي "عثمان المؤسس"، محاولة مكشوفة لمنافسة الدراما التاريخية التركية وسعي لتقديم بديل ناطق بالعربية لعله يحقق نجاح "قيامة أرطغرل" في العالم العربي، ويحد من تأثير القوة الناعمة التركية..

لكن "ممالك النار" رغم ضخامة الإنتاج يظل بعيد كل البعد عن منافسة الدراما التاريخية التركية، التي تتميز بـ "النَّفَس الطويل" وتهتم بالتركيز على الجانب النفسي والأخلاقي للشخصيات إضافة إلى الإنتاج الضخم أيضًا، بينما "ممالك النار" عمل صغير يتكون من 14 حلقة فقط ويعتمد على السرد التاريخي بما يتناسب مع الأيديولوجيا التي يتبناها.

فيما رأى محلل سياسي تركي أن "ممالك النار حلقة من حلقات استهداف تركيا، ليس فقط الدولة العثمانية، فالتاريخ مضى سواء تم تناوله سلبًا أو إيجابًا، وخصوم تركيا اختاروا الدراما لأنهم وجدوا أن الدراما التركية أثرت إيجابًا ليس في الملايين فقط بل بالمليارات، ولذلك يحاولون أن يكون لهم نفس التأثير".

واعتبر "المسلسل نقطة تحول مهمة في الهجوم على تركيا وتشويه تاريخها، إذ انتقلت المواجهة من استخدام اللجان الإلكترونية في التواصل الاجتماعي إلى توظيف الفن والدراما لخدمة الغرض ذاته، كونهما أكثر قدرة على الوصول إلى كل شرائح المجتمع، كما أن عرض قنوات MBC المسلسل، دليل على الرغبة في إيصال تلك الأيديولوجيا إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور العربي".

أما قناة "TRT Haber" التركية الحكومية، فعرضت تقريرا عن "ممالك النار" مترجمًا إلى التركية جاء فيه: "أوقفوا عرض المسلسلات التركية أولًا، والآن يعرضون مسلسلًا ينتقص من الإمبراطورية العثمانية، المسلسل عن الأيام الأخيرة لحكم المماليك.. المقطع الترويجي من المسلسل عن تدمير دولة المماليك من قبل الدولة العثمانية، استخدموا فيه عبارة (قانون دولي حكم إمبراطورية فأصبح لعنة تطاردهم). ولم يقتصر عداء العرب للعثمانيين على هذا، بل إنهم يستخدمون مفردة (محتل) بديلا عن الإمبراطورية العثمانية".

المعزوفة التركية ذاتها أعادتها المواقع "الإخوانية والقطرية"، وزادت عليها بأن المسلسل "يرصد الحقبة الأخيرة من دولة المماليك وسقوطها على يد الإمبراطورية العثمانية الصاعدة في بدايات القرن السادس عشر، مسلطًا الضوء على ولاية السلطان العثماني "سليم الأول"، وحروبه المتلاحقة مع الدولة الصفوية ثم دولة المماليك، وما تلاها من فتوحات الدولة العثمانية وصولًا إلى أوروبا، ومرحلة التبدلات التاريخية المفصلية خلال تلك الفترة في مصر وبلاد الشام، مبديًا وجهة نظر سياسية ترعاها دول عربية مناهضة لتركيا".

ورأت بعض الأصوات الإخوانية، أن المسلسل بدأ ببعد سياسي فج، حيث تناول شخصية السلطان الشهير الذي قام بفتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول حاليًا)، وحين وصل إلى الحكم، أمر بقتل أخيه الرضيع "أحمد" خوفًا على العرش ثم مات فجأة، ليكتشف الطبيب "ابن عرب" موته مسمومًا بيد رجال ابنه "بايزيد"، ويتولى "بايزيد" الحكم ويشتعل الصراع بينه وبين أخيه.

أخيرا فإن نجاح وتميز "ممالك النار" شكلا ومضمونا وأداء وتنفيذا، يجعل لزاما علينا، معاودة التجربة سواء بالإنتاج العربي المشترك، أو حتى بالإنتاج المصري، وبدلا من عشرات المسلسلات التافهة، يكفينا إنتاج عدد محدود من أعمال متعوب عليها ذات تأثير، فالأمر يحسب بالقيمة والكيف لا بالكم.
الجريدة الرسمية